[ميساء البشيتي]

سلسلة 9

مذكرات إمرأة

تقتلني ساعات الفراغ الثقيلة ، تمضغني عقارب الوقت ، تلقيني جثة هامدة في صندوق الذكريات ، رائحة الذكريات تزكم أنفي ، تتسلل إلى خلايا الدماغ ، تفتحها عنوة وتجبرني على استقبالك في تلك الزاوية التي غادرتَ منذ أعوام ولم يمرّ عليها منذ رحيلك سوى غبارُ ذكراك حين تعصف بها رياح الأيام
أذكر نفسي حين سمعت صوتك أول مرة يهزُّ أرجاء المنزل كيف دارت بي الأرض وتاهت مني الجدران ، كيف التصقت بمرآتي أسألها
هل أنا أجمل النساء ؟
أذكر ساعتها أني جلست كقطة سيامية في ركن بعيد وأخذت أسترق إليك النظرات وأنت تنتقل من حديث لآخر وقلبي يدور معك وعينايّ يكاد وهج بريقها أن يخطف الأبصار ويلفت إلي َّ الأنظار .
أذكر أن النوم جافاني لليال ِ وانا أتقلب في حضن الفراش كمن يتقلب على الجمر ويكتوي بالنار ولم أهدأ حتى منحت قلبي وعدا ً في اللقاء .
وأذكر حين جمعتنا السهرة ذات مساء ، كنت استجمع قواي الخائرة وأحثها كي تثبّت عينيها في عينيك وتغرس نظراتها في محياك وتطيل بهما النظر ولو لثوان ِ ، ثم رفعت رأسي لأفاجأ بك تغازل في براعة صديقتي الشقراء .
وأذكر حين أزفت ساعة الرحيل ووقفنا جوار الباب كتمثالين من الشمع آخذين في الإنصهار ، نظرتُ إليك ونظرتَ إليَّ نظرات مسكونة في الحب ، في البعد ، في الحرمان .. قرأت في حينها كلمات الحب في عينيك وأرسلت لك عينايّ نفس الكلمات وتركت يدي بين يديك في أخر لحظات الوداع .
وأذكر أنك عدت بعد أعوام وأنا يقتلني الفراغ ، يصهرني الوقت ، تذيبني عقارب الساعات ، لكني لم أفكر للحظة الإستنجاد بك كي تبدد ساعات الفراغ ، لم استعن بك كي تقتل الوقت ، لم أستجر بك على قسوة عقارب الزمان
أذكر أنك حضرت بعد طول غياب ، ووقفت أمامي كما تقف الأوثان ، ملامحك باردة ، كلماتك جافة ، أنت كما أنت ، حتى شعيرات رأسك لم يغزها المشيب ، نعم حضرت أنت ، وحدك ، و لم تحضر معك أيامي التي لحقت بك ورحلت معك وغابت مع آخر لحظات الوداع .