قصيدة : فرغت منها سنة 2002
ألإهداء : إلى روح الصديق والرفيق فقيد الشعر والساحة الشعرية في تونس
انتصار"كلب الجنّ"على ملالي...
ملاحظة: كلاب الجنّ هو نعت انتهت إليه قناعة الشاعر عمر بن كلثوم على الشعراء فلخّص هذه الحقيقة في قوله :
وقد هرت كلاب الجنّ منا وشذّ بنا قتادة من يلينا
الإمضاء : رفيقك المختار الأحولي
يوقد الليل كلّه لضريح الأغنيات
الهائمة في خراب بحر مهزوم
أجمع صوتي ... من دوالي العمر
ويهدد العمر التّعب ...بالوجود
وضوح الحزن المندسّ في المعنى الذي
يلبس شكل القادح "القرمطي"
وارتباك العادي في الذّاكرة
وهي ... وريثة الظلّ الفارغ من ظلّه
بللّها الموت البطيء بالهزأ
وهي ... سليلة الراّحلين في خيالاتهم
المبثوثة عبثا على الإسفلت الرّمادي المشوش
أو سحابات علّقها وهن الروح
أو في تناهيد متعرّقة في صوتها
في تقاعس شطحات الفقاقيع في أرحامها
في العيون التي يمسح الصدر حريقها
المكسّرة فوق طاولة الأمس الأخرس
تهمس في سرّ الخوابي الزّرق
يا ملك الريح ..........يا مكسور الجناح
لبيك .......................لبيك
فلا تحنّط الحبّ بحدّ ـ القلم وما يسطرون ـ
فتورق أرواحنا في ماء الهمّ
حتى لا يلهيها تكاثر ... قيل في الكتب
سدّ في وجهي أضابير الغبطة غدرا
وما عاد ينغلق ما فتح من ثغور
فاستنشقت الأسماء الصغيرة أسرار الشوق
تبارك...............تبارك
قبل أن يدركها أيلول الحالك
هل يمنح مدن الصفيح الصدئ الزمان
أفلس.................الطين
نلاعب في خلوته قوّة السنين
وبكلّ حبّ يفضح ألوان الذلّ
أو يروّي من ـ سطنة ـ تعب الياسمين
كن بدد...يا هذا الليل المبهر
كن للذي يرسم ظلّ قلبي على حبّات المطر
بما يكفي لسرد الحكاية ولو نتفا
فإسرافيل... ما عاد من غلس الخوابي
ومن رميم الراحلين في حزنهم يعمهون
وهذا القلب من ألق ... حرّ
ويسعى لاكتشاف موطن اللون الحقيقي لوجهي
وبالحبّ............وبالكلمات
أنزل من غرغرة الحبر العتيق
فيمتصني خيط القول شططا... أهيج
يوزّعني الماء على مباهج... عذراء الدّهر
وأدبّج بأنامل الرّعب زغب الشهوة
فيعبق من بين فخذيها أريج الموت
أحكّ جلدي بعين الشمس منيفا
حتى لا يساورني الشكّ في الصخر
عمر مهزوم...مهزوم...مهزوم
أبلا سبب هذا لأبجر الرّكض في واحة الموت
يسابق فحيح الأزمنة ...أراه عظيم
يحشر خلق الحكايات البسيطة
يرسم بطبشور الكيد على شروح ـ التهافت ـ
يفسّر شكل الختام بخبر السؤال
أما كان كرب الجوع أهون يا كليمي ؟
مادام لي أيلول أزوج فيه الأيام
لألا تضحك آلهة الخوابي الزّرق
داست على بطون صهاريج الخوف
عجاف.....والجفاف فخّ الحبّ الذي
وتعكّز على خفاف الرّيش مفاخرة
حتى لا يشاركه الخريف التغوّط على أغصان سدرة الوحي
أي إسرافيل لا تخشى ذهابي بعيدا في الوصف
رأيتك مع كلّ ريح تنحني لرسمي
صالحت لأجلك حتى البغاث المستنسرة وكنت
مددت يداي إلى كلّ جهات الأرض لأمنحك
وأنت كم كنت دائما ............سخيفا
وأنت أيتها الخوابي الحيض غربلينا
هل فينا .... ما يحمل للعمر سكينة ؟
هل فينا ما يغرينا بالحبّ؟
أترانا نقوى على حمل الضغينة؟
أيتها السنين الحيض أرسلينا إلى خاتمة أخرى ... غربلينا
لا شيء يمكن أن ينسينا ...
يعشق المرايا ... ومراقصة الهوس
البحر حين لعق دمعتك ... غرق في بحره
أهمل عمره رهينة للذي بالغربة يسلّينا
سيدتي ... لم يبق فينا ...
ما يجعل يدينا معبر فرح متغنّج
إلى غربة ترجئ موتنا الموقوف
فمن الذي تكفيه هذي اللغة ليقول
ما ليس له صدى في الخوابي ؟
من ذا الذي يتمرّن على الموت في جسد حيّ
من البارع في التواري بوضوح في الغياب
وسبك العجب من ماء أملس وحنين يابس ؟
يذيف الطّيب في عرق نهديها اليائستين من الصرف
ويصلّي ... يتهجّد ... يتسر مد
سيّدتي .. سقط النهار ولا مجير لحيرتي
من ملاحقة السؤال .. والشكّ في المطلق
وأن نشيد 'سليمان' لا تتعرّى كنوزه
وأنّ غموض القلب هو عزّ الوضوح
إلى خطيئة الرّجوع إلى زمان..بلا مكان
وهذا أيلول العائد ... نصب خيمة الميعاد
فاخرج من خوابي الظنّ اسمان فقط
قبل أن يقطف عمرك النسيان...هللويا
مالضير في أن نرقص الليل كلّه على دفئ شمعة
ثمّ ننتهي رميم أرض يرقص فوقها العابرون الجدد؟
هل سيوجعنا دوس النعل أو الدّبك
يا هذي الخوابي سلّمينا للرّوح التي فينا
فالموجود أنا...وأنا الوجود
لاشيء بعد الآن يمكن أن يصدم ضدّه
لا شيء يمكن أن يفتتنا على الساعات
ويفاجئنا بالغياب سوى الحبّ
كيف لي أن أقيس هامة الصّوت المارق
وليس لي حتى ما يشبه العينين يا رفيقي؟
فبدّدنا كمّ الذكريات على السأم
وهذا إسرافيل المتلألئ فيما طمثته السماء
يلفّ أجسادنا المضمخة بريح السموم
يرسم وحشته في الصدر تكتّما
ويكنّس حكايات البحر العارية
حتى تراه الخوابي حزينا ...
سيدتي ودّعينا لأجله ... ودّعينا
أخرجي من مسامات الرّوح الأزلية التي فينا
تعشش كاليأس الضالع في المسخ
دعي الكأس المقدّسة تتجلّى
لا شيء يمكن أن يحكم الموت سيدتي
سوى القصيدة التي لا تخفينا
فتمّمي إعداد قلبي ماء وهجين وقت
حتى أبلل عاهات التأويل..بهزال اللغة التي...
أزوجني والختام... طاب المقام قلتي ؟
لكن علينا السلام...وعليهم سلام
وقائد الشعراء يمشي إلى النار الهوينة
ويمزّق الصمت المتكدّس على جبّة ـ ذي الشرى ـ
يغترف من تقاسيم اللحظات الجذلة
يا قائدنا أغترب الكون أغترب
ولم يبق لوصولنا ملكوت ألله إستان
يا قائدنا .. وقد أوغرت النّفس
فتزاحم البلاء والعزاء ومن بغت من الصّدف
وها أني أعترف بأني وما علمت
فإني في هذي الدنيا لا أعلم شيا
فلا فرق عندي بين التحطم على صدر أنثى
أو كلمة مضمّخة بغبطة غبية
ممّا ليس له صدى في الخوابي
فأنقذنا من ـ عدن ـ ومن عدم
يا منجينا من شرب كأس الحياة بذلّة
وأطفئ مع التبغ كلّ الذكريات البسيطة
عسا الجوع يكشفني للرجوع إلى
فأسري بنا إلى حيث عطارد والزّهراء اختصما
فاقتسما الطبع والطابع سنن الحيوية الأولى
من إجتراحات العناصر الموبوءة
حتى نكون برغم الحزن الطاعن فينا
يا قائد لواء الشعراء إلى النار
وأكتب ما يصلح للتشيىء ... فالظلال إزدهتنا
تدكّ حصون الخيالات البرّية
وهذي أم الليل تخون في العتمة سوادها المنكود
أما تصغي للأشكال المروّضة تضبح
يا منجينا من شرب كأس الحياة بذلّة
ها أنيّ هيئت ـ كأس الحنظل ـ
أغبطك كم لم أغبط في الكون إنسانا
والزبانية وقوفا يبكون رحيلك
فأخطو خطوك في العالم السفلي بترنّح
إنّ ما تحت الشمس مولاي يقزّز
أي منقذي من أسر اللحظات المعتوهة
حين يجزع من شدّ الوتر المهجور
أينقر بمنقار غربته سحنة الأيام العمياء؟
ويتجرّع ملح صوته في السرّ
فتخضّل عيناه . ويتنهد من سقم الرّؤيا
مغرور مولاي نطفة الطين هذا
ينجب الترياق من رحم الموت
أي قائدنا هل هو الغيب الذي يقطّع
ويحرّك دفّة القلب مخنّسا؟
تترجّل رحيلها فيما ليس يثريه سوى الحزن
المقدّد على أقساط مؤهلة للسداد
ترحل في ضريح مسيح مجزئ في الشوق
ندرّب الكلمات على ما لا يخدعها انعطافا
فإن هذي الأرض أبدا فينا انحرافا
ما الدّعي إذا لمسخ الصوت بالأفيون؟
وهذا الجنون كاف لنكاح العور والبرص
لماذا ننقش فواتير الرّوح في اتجاه السهم؟
ونحن نعرف مسبقا أن ـ إسطرلابنا ـ صدئ؟
آن أوان الفروغ من قدّاس الرّوح
لأزيح من على خدّ الجهات لضى القلب
فما كان القلب ليبرع في البكاء
أتراه ابتعد أم تراه اغترب
أم تراه يحقن الساعات حين يقترب؟
بما يذوب في الكأس المسكوبة على جلد المغني؟
يفتح نافذة الخلد مصححا ما أغفله التجنّي
نضوب الشوق من دنان التمنّي
على عبرات التاريخ المحتلم على بزّة الصّلف
يؤمن مثلي ومثل كلّ الجياع
فأعدّي لي حضنا لتأصيل اليتم أيتها المقبرة
و استخرج عقار الخروج مولاي
إذ ما برع بارع إلا وفي قلبه حبّ خانق يعرّيه
ها أنا أغسل أوجاع الكون قاطبة
وأعقد لواء الشعر لمن في كلّ "وادي يهيمون"
سمعتك في وثبة روح تأمرني بأن :
... تزهّدت مولاي تزهّدت...
أم لعبي بجمر الأحلام الحقودة؟
أسمعك ترتعد في جثّة جبّتك صارخا:
... تعدّدت مولاي تعدّدت...
مشيت على ظلّي في عزّ القيظ ... مشيت
أم أن مساحيق شهوة النضج عبثت بشمس
هل شكّ الفوري برمح الخارق ما اكتمل من تعاليك؟
وبإكليل الرّميم الواقفة عليه رجليك؟
فجاهرك الحجر بحقيقة تواريك؟
ورسوت على غيبوبة ناسفة تشفيك؟
ثم تمرّغ على الحصى كم تشاء
علّ السماء تكشف ليك الحجب
بكلّ الحيل الكفيلة بتهشيم النمط
والآن ... وما بقي من الله إستان سواي
أردّ وهج الأغلس عن برق الشكل
حتى لا تلتهم الغربة حقوق الاستدراك
كيف يمكن أن ندافع عن عرس متخيّل
ومفتاح الإيقاع ينام مطمئنا
وتسابيح المعلوم في الأرصاد للنحس
اصدمنا ... نحن نحبّ الصدم
أشتمنا ... نحن نشتهي حدّ الوله الشتم
حطّمنا... نحن ـ نموت في ـ الهدم
مولاي هل انهار البحر على جفني مبصر؟
حتّى ندّعي بأن علامات القيامة ظهرت؟
ونقيّد رائحة الرحيل في طعم الخلّ؟
في ليل مكفّن بتقاسيم النبيذ؟
وما من نديم يردّ عليّ السؤال بسؤال على عادتنا في الحوار
يا منجينا من شرب كأس الحياة بذلّة
ما الذي يترف اللّغة على أيامي؟
فالماء حتى الماء داسه المهرّجون تفاخرا
وصرع المجرى من وطأ الظنون
ملعون أبو القدر ـ أي اله إستان ـ
ويشفق على قينه من يتم ـ زقّ زامله ـ
ويموج في عينيه ضباب الأقاليم
كنت أرتدي الدّاجي... وأسعى في الكون
عند أقدام امرأة جنونية الحبّ
عسى تصفح عن شطحاتي...وتمنحني حلما
..." يا كاتب الكتبة ...إن كتبت لغيري محوتك
من كتابي ' وإن عبّرت بغير عباراتي أخرجتك
وشواهد صوتي لها روح بدوية
هاجت أشباح أحبابي الموتى كلّهم
حين أهمّ بتمزيق غلالة السكون؟
وأجرّد المستحيل من انبهارنا بال"خيام"؟
صدحت من كوّات الأيام الخؤونة هسهسة ذليلة
حرثنا الموج وكان لنا نثره
هل فيك من الحبور ما يجعلك سعيدا
وها هوذا أيلول يزيحك من ألله إستان
مطر تغسل وجه الأيام يا أنت
لن تبكي عيون العوذ المطافيل
ستهبهم مواويل الشتاء والصيف
هيّئ نهارك لصلاتك المتوجّسة
أطرد قنوطك الهجوع من مزامير الأمس
أيّها المولى بلا نصير ليك
فدعني أفتي في خلقي الجميل
كم نهبت من روحي مما إعتلج فيها
عليّ أن أتحمل معبوداتي لباقي الوقت
وأتأمّل الصمت الكافر ثم أمضي
قبل أن أتوضّئ بندى ليل المرافئ ا لبعيدة
فإني كرهت ترتيق الذي لا يرقأ
كرهت غسيل انهيارات النّساء
بدون أن أستريح من وعثاء الطرق
كوني الذي يحمي الأيام من التآكل في أزمنة بليدة
......................................
رميت بخور لساني على الرميم
أرسل إلى جهات الكون موجاته العقوق
رمتني روح الفيض إلى جنوبي