[ليلى مرجان]

المؤامرة على فلسطين

بدأت قبل هرتزل بنصف قرن

بقلم: الدكتور محمد حسن الزيات

(3)

تحريك يهود بريطانيا

و لكي يتم ذلك، اتجه الكولونيل تشرشل إلى يهود بريطانيا. ففي الخطاب الذي وجهه إلى السير موسى مونتفيوري رئيس مجلس إدارة نواب اليهود البريطانيين بعد صدور الأوامر الشاهانية التي أخرجت مصر من الشام بشهرين فقط. أي في يونيو 1841، يرجو تشرشل أن تكون رسائله السابقة قد وصلت سالمة، ثم يقول: ليست أخفي عليك رغبتي الشديدة في أن أرى مواطنيك يتحركون لإعادة وجودهم باعتبارهم شعبا)مستقلا( و أنا أعتقد أن ذلك أمر يمكن تحقيقه تماما بشرطين: الأول أن يبدأ اليهود أنفسهم بتبني هذه الحركة بالإجماع وفي كل مكان، و الثاني هو أن تساعدهم الدول الأوروبية. ان على اليهود أنفسهم أن يبدأوا، على زعمائهم أن يتصدروا هذه الحركة، عليهم أن يجتمعوا، و أن ينسقوا فيما بينهم. و أن يتقدموا بالشكاوى، يجب أن يحدث ذلك في بلاد أوروبا كلها و في وقت واحد. ليست هناك حكومة أوروبية واحدة يمكن أن تغضبها مثل هذه التظاهرات و الاجتماعات العامة.

و ستكون النتيجة أن يبرز بروز السحر عنصر جديد بين عناصر "دبلوماسية المشرق" و لن تستطيع دول أوروبا أن تتجاهل هذا العنصر إذا تبناه مواطنوك من أغنياء اليهود ذوي النفوذ إن ذلك لن يثير الاهتمام فقط بل سوف يحقق النتائج. إنكم لو وجهتم مواردكم لإحياء سوريا و فلسطين فلن يكون هناك شك في أن هاتين البلدين ستعيدان إليكم استثماراتكم بربح وفير، و لن يكون هناك شك في أنكم ستنتهون بالحصول على السيادة على فلسطين على الأقل.

و في نفس هذا الخطاب الذي يدعو فيه الضابط البريطاني بإلحاح إلى أن يقوم اليهود بحركات و استثارات في كل مكان، يتعهد هو نفسه بأن يبدأ حركة في منطقة عمله: فسيبدأ بنفسه إعداد بعض العرائض و توزيعها و توقيعها من اليهود المقيمين في سوريا باعتبار ذلك جزءا من حملة الإثارة التي يدعوا إليها.

و قد مرت شهور طويلة بعد هذه الرسالة و اليهود البريطانيون و الأوروبيون لا يتحركون، فكتب الكولونيل رسالة أخرى بتاريخ 15 أغسطس عام 1842، يلح في دعوته نفسها و يقرنها هذه المرة باقتراح محدد هو أن يتصل المجلس اليهودي في بريطانيا بيهود أوروبا ليقدم باسمهم عريضة إلى الحكومة البريطانية تطالب بإرسال مندوب خاص إلى سوريا تكون مهمته الوحيدة توفير الرعاية و الحماية لليهود المقيمين فيها، على أن تحدد مهمات و سلطات هذا المندوب بالاتفاق ما بين وزارة الخارجية البريطانية و بين اللجنة اليهودية التي تقدم الاقتراح. و يوضح تشرشل صراحة أن هذا التعيين سيكون اعترافا بأن اليهود الإنجليز و الأوروبيين يمثلون يهود سوريا الذين سيوضعون بهذا الشكل تحت حماية بريطانيا و بالتالي فإنه لابد أن يكون لليهود الإنجليز و غيرهم و تكون لبريطانيا كلمة فيما يجري في سوريا أو لها لأنه لابد سيمس اليهود من سكانها.

و نلاحظ أن الكولونيل تشرشل يؤكد للسير موسى أن اليهود لو تقدموا بهذا الطلب فإن نتائج هذا التقديم ستسرهم حتما، كما يوضح له أن الطلب يجب أن يقدم عن طريق شخص يحدده و هو (الايرل اوف ابردين(.

و في وقت معاصر لإرسال هذه الرسالة و بالتحديد في شهر يوليو عام 1841 وصل إلى لندن مبعوث للحكومة الألمانية هو البارون يونسون في مهمة خاصة ذكر أنها تتعلق بالاتفاق على تسهيلات لشراء الأراضي في فلسطين لعدد من المسيحيين و اليهود الألمان الذين يريدون الإقامة فيها، و قد قابل هذا البارون يوم 19 يوليو 1841 اللورد بالمرستون و خرج من المقابلة ليكتب إلى زوجته قائلا "هذا يوم عظيم! لقد نجحت في إقناع لورد بالمرستون بالمبدأ، و لقد أرسل فعلا توجيهاته إلى السفير البريطاني في تركيا ليسعى لدى السلطان.... وفي أكتوبر القادم سيعين سفير بريطاني جديد في تركيا و هو البيشوب الكسندر المولود في بوسلو في بروسيا و المسيحي حاليا على مذهب الكنيسة البريطانية و لكنه "يهودي الجنسية" و قد كان أستاذ للغة العربية و اللغة العبرية في انجلترا لمدة عشرين عاما فيما يسمى الآن بكلية الملك King’s College، و هكذا يبدأ العمل بإذن الله لإعادة إنشاء إسرائيل"! .

مشكلات التنفيذ

إن المشروع الذي فصله الكولونيل توماس تشرشل الضابط البريطاني في دمشق عام 1841 و 1842 و الذي كان موضع مباحثات سرية بين المبعوث الألماني و بين الوزير البريطاني في عام 1841. يوضح الخطوات التي كان مطلوبا أن تكرس انفصال سوريا و فلسطين خاصة عن المشرق العربي و قيام الدولة اليهودية في فلسطين على الأقل. لقد اقترح تشرشل على اليهود أن يثيروا من المظاهرات ما يبين للعالم أن هناك مشكلة يهودية تتطلب حلا و عندئذ فإن الحل سيكون جاهزا و هو استعمار اليهود لفلسطين، و لما كانت فلسطين جزءا من الأراضي العثمانية فلا بد أن يبدأ هذا الاستعمار بشكل لجوء بعض اليهود إلى أرض عثمانية ليعيشوا فيها رعايا للسلطان بضمانات من انجلترا و غيرها من الدول، و لابد لذلك من الحصول في أول الأمر على رضا السلطان، على أن الخطوة التالية ستكون أن تعين انجلترا هؤلاء اليهود على استقلالهم بدولتهم كما يؤكد لهم الكولونيل تشرشل.

إن التأييد الأوروبي لأولئك المستعمرين ثم لدولتهم مضمون لأن قيام هذه الدولة و بقائها قوية سيظل ضروريا للحيلولة دون قيام تجمع جديد في المنطقة يهدد موازين القوى الدولية من جديد كما هددها محمد علي. كما أن في وسع بريطانيا و الدول الأوروبية أن تطمئن إلى إخلاص الدولة اليهودية لأنها ستكون في حاجة دائمة إلى تأييدها لتعيش منيعة في الوسط الذي سوف تقوم فيه.

و هذا الاستعمار سيحتاج إلى تمويل، و لكن هذا التمويل يسير على يهود العالم، و هم لن يقدموه تبرعا بل استثمارا و في المنطقة من الثروات و الإمكانيات ما هو جدير بأن يضاعف مع مرور الزمن هذه الاستثمارات.

بتاريخ 8 نوفمبر 1842 أبلغ سير موسى مونتفيوري قرار المجلس اليهودي للكولونيل تشرشل فقال أن المجلس واثق من أن تحقيق نوايا تشرشل الطيبة ستكون له فوائد جمة و لكنه يعتقد أن مثل هذه المبادرة تتجاوز صلاحياته، و المجلس مستعد على كل حال للنظر والاشتراك إذا اهتم بها يهود الدول الأخرى جميعا.

جاء الرد قصيرا و فاترا، و كان رد تشرشل عليه هو الشكر و أنه سيظل على كل حال تحت الأمر.

انتهت هذه الحركة، و كان تطور الأحوال في العالم العربي داعيا إلى انتهائها في أغلب الأمر، فإن نهضة محمد علي أحبطت و الكيان العربي تمزق و كان الناظر السياسي يستبعد أن تقوم لمصر أو للعرب قائمة خطيرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، و لذلك لم تتحرك الصهيونية و لا الدعوة على إنشاء الدولة اليهودية حتى جاء هرتزل في آخر القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين.

و المهم – فيما يخص هذا المقال- أن نتبين أن التفكير و التدبير لإقامة دولة يهودية في فلسطين لم يصدر في أول أمره عن اليهود، و لم تكن مناسبته البحث لهم عن ملجأ من الاضطهاد، و لكنه صدر عن غلاة البريطانيين

و كانت مناسبته ضرورة فصل سوريا و فلسطين عن مصر و الحيلولة دون انضمامها تحت حكم واحد يضم دول العرب.

و ليس هذا المقال بحثا تاريخيا بطبيعة الحال، و الهدف من إبراز هذه الحقائق ليس مجرد الإضافة إلى وقائع التاريخ المعلومة، و إنما أردت أن أتعمق دراسة المشكلة التي نعيشها لنكون على هدى من أصولها إلى جانب علمنا بتطوراتها و بما وصلت إليه.

و إذا كان بعض اليهود من الصهيونيين قد تقبلوا و تحمسوا لإقامة دولة إسرائيل، ثم زادوا فأرادوا توسيع رقعتها و استغلال موقعها وزيادة منعتها، فهذا كله واضح، و لكن لعل من الخير أن ندرك أيضا أن الدول العظمى كانت لها مصالح توافقت و تتوافق مع هذه المصالح، وهذه المصالح ستبقى من العوامل الأساسية التي تشكل سلوكها فيما تسميه اليوم بأزمة الشرق الأوسط.

القاهرة - محمد حسن الزيات

[فاطمة البشر]

دائما تحاك حولنا المؤامرات ونحن نيام ومنشغلين بأمور أخرى ...
ولا نستيقظ إلا حينما " يقع الفأس بالرأس" ...
شكراً عزيزتي أ. ليلى لطرح هذا المقال ...
ودي ووردي

[ليلى مرجان]

نعم أ. فاطمة ما وصل العدو هدفه المنشود
إلا عبر قنطرة سباتنا العميق

أشكر لك قراءتك الواعية
تحياتي