مصر المحروسة في رمضان .. عروسة
د. ناصر شافعي
في شهر رمضان المبارك تتزين و تتجمل مصر " المحروسة " كلها .. لتحتفل بقدوم هذا الشهر الكريم الحبيب على قلوب المصريين .. كل محافظات وشوارع و حواري مصر لها طابع خاص جميل وفريد للإحتفال .. تتجلى أجمل صور التكافل و الرحمة و الحب ، في شكل موائد الرحمن .. وهي موائد عامة يقدمها الأهالى للصائمين .. حتى ينعم الجميع بإفطار جماعي .. وينال من يبغى ثواب إفطار صائم . وتختلف أنواع الأطعمة المقدمة حسب القدرة المالية لمقدم الخدمة و الصدقة .. ولكن المثير للدهشة هو تسابق الجميع على تقديم أفخر أنواع الأطعمة و المشروبات على الموائد .
صورة أخرى جميلة فريدة وهى " إفطار الوحدة الوطنية " الذي يجمع المسلمون و المسيحيون معاً في إخوة و محبة وتلاقي ديني رائع و جميل .. على مائدة المسلم أو المسيحي . لا وجود للتفرقة أو الكراهية أو البغض ..
يرفع أفراد الأسرة المصرية شعارات السلام و التسامح .. الدين لله ، و الوطن للجميع .
وصورة أخرى أجمل وأشمل ، وهى تقديم أصحاب السيارات للمارة في الشوارع ، صناديق إفطار جاهزة للمارة في الطريق ساعة الإفطار ، و لرجال الخدمة العامة الذين تحتم عليهم مهام وظائفهم البقاء في العمل لخدمة الجمهور ساعة الإفطار ، مثل سائقي الحافلات العامة ، و رجال المرور ، و رجال الأمن ، وعمال النظافة و المحال العامة . بالإضافة للبشر الذين منعهم زحام العاصمة من العودة لبيوتهم للإفطار مع أسرهم . لابد وأن ينتابك إحساس ومشاعر صادقة بأن الشعب المصري أسرة واحدة متحابة مترابطة كريمة متراحمة .
لاشك أن منظر الأيدي الصغيرة للأطفال وهي تمتد بصناديق و وجبات الإفطار و المشروبات و الماء المثلج .. يؤكد لك حرص رب الأسرة المصرية على تربية أطفاله على المودة و الرحمة و حب الخير و الصدقة منذ الصغر .
وتتكاتف أيدي الأطفال مع الكبار في تزيين واجهات المنازل و البيوت .. وتوصيل الزينة و الإنارة بعرض الطريق .. حيث تتشابك و تتعانق البيوت في محبة و بهجة عجيبة .. ويصبح الشارع و الحارة المصرية لؤلؤة مضيئة ساحرة .. لا تنام .. وتتناغم وتتجمل أصوات المؤذنين و المقرئين لكتاب الله .. فلا تملك النفس الخاشعة من الصلاة والدعوة لكل المسلمين .
مهما تحدثت عن صلاة المغرب و العشاء و التراويح ، فلن أستطيع أن أصف الجموع الحاشدة الكبيرة وهي تصلي في الجوامع و الشوارع و الطرقات . منظر إيماني رائع لشعب يعرف جيداً معني الإسلام و الإيمان و الصوم و الزكاة و الصدقة .. ويترجمه إلى أفعال إيمانية و روحانية و تفاعلية حقيقية .
ولا أستطيع أن أنسي المسحراتي .. الذي يدور بطبلته و دقاته المعروفة على البيوت ، و المناداة بالإسم على صاحب المنزل أو قاطن البيت لينبه الجميع بوقت السحور ، قبل صلاة الفجر .
تبادل الأسر للأطباق و الأطعمة و الحلوى طوال شهر رمضان ، عادة مصرية قديمة أصيلة ، تنبع من حب الجار لجاره .. تذوب الخلافات .. وتبدأ المصالحات .. ويعم الخير و التسامح بين البشر .
الشوارع و الحواري المصرية الجميلة تتزين بالأنوار و الفوانيس الملونة المبهجة . وهي عادة بدأت في مصر منذ دخول الفاطميين وفتحهم للقاهرة على يد جوهر الصقلي في عهد المعز لدين الله الفاطمي . يتجلى جمال زينة العروسة في الأحياء الشعبية .. و الأحياء المصرية القديمة منذ العصر المملوكي والفاطمي .. في حي الأزهر الشريف .. وحي الحسين ، حيث الصلاة و التسابيح .. والروائح الشرقية و البخور العربي الأصيل ،ومقهي الفيشاوي العربي الأثري الجميل ، والزينة الرمضانية ، والسحور الجماعي في الخيم الرمضانية ، والجلسات التي تجمع الأهل و الأصدقاء و الأحباب للإحتفال بعرس الشهر الفضيل ..
هل تقبلوا دعوتي لزيارة مصر المحروسة و المباركة للعروسة ؟! ..
رمضان كريم .
صلاة التراويح في شوارع الأسكندرية
فوانيس رمضان .. على الطريقة المصرية