الإبداع وإدراك الجماليات!!..
[align=justify]ربما كان الشعر من أكثر النصوص الإبداعية اعتماداً على الحس والمشاعر والعاطفة، مما يدخل القارئ أحياناً في متاهة الحكم السريع المجانب للصواب.. ويكون ذلك، جراء اعتماد الشعر على بنية وزينة وكتلة من الصور والعاطفة، إضافة إلى الصوت عند الإلقاء، وفوق ذلك تعود الأذن العربية على تلقي الشعر لسنوات طويلة، كما يفرض الشاعر كونه شاعراً شيئاً من الرهبة تجاه النص، فتكون شدة الضاغط جد ثقيلة، مما يولد حكماً خاطئاً لايعطي القصيدة قيمتها الحقيقية.. لكن هل يستمر هذا إلى وقت طويل؟؟.
هناك نصوص شعرية قديمة مازالت تفرض سطوتها بشكل غريب عجيب، خلال سنوات كان يفترض أن تكشف الغطاء عن حقيقة النص، لكن تشكيل الذوق العام والمشترك، أعطى أثراً كبيراً أغلق الباب أمام أي اجتهاد يريد أن يوضح الصورة الحقيقية للنص.. فبقيت هذه القصيدة أو تلك، قصيدة القصائد دون منازع، ولم يجرؤ النقد على تخطي المرسوم والمؤبد للنص، وكأن الحكم كان قطعياً لايقبل أي زحزحة أو تراجع مع الأيام. ويأتي هذا جراء سطوة قصيدة، أي نص، وهي سطوة مدهشة تتحدي النقد والعقل معاً.
في مسار آخر، تبرز سطوة الشاعر كاسم، فكثير من الشعراء العرب فرضوا قصائدهم بناء على أسمائهم وسطوتها، وأي نقاش لقصيدة تخص واحد منهم، يتصف بالقصور والدونية والجهل.. فالشاعر صاحب النص من الشعراء الهامين، وهؤلاء لايجوز أن نناقش قصائدهم إلا من باب المديح والتأكيد والترسيخ.. فكيف نقول عن قصيدة لشاعر مثل المتنبي على سبيل المثال لا الحصر، إنها قصيدة تحمل الكثير من السيئات أو النواقص أو السلبيات، وهي قصيدة لشاعر ملأ الدنيا وشغل الناس؟؟.. وهل من المعقول لشاعر كهذا أن يأتي بقصيدة غير مكتملة البهاء، رائعة الوقع، عظيمة الامتداد؟؟.. ومن هو الناقد الذي يستطيع أن يرفع قامته إلى هذا المستوى الذي يقارع فيه قامة المتنبي!!..
إذن كيف لنا أن نبحث في جمالية القصيدة، ومن أي باب ندخل، إذا كنا منذ البداية محاصرين بما يشبه الممنوعات والخطوط الحمر؟؟.. هل علينا أن ندخل مباشرة معلنين أن القصيدة في غاية الجمال والروعة والكمال.. وماذا نكون قدمنا للنقد وللقصيدة في هذا الحال؟؟.. ألا نظلم النقد بدل المرة ألف مرة، ثم ألا نظلم القارئ وندخله أيضاً في متاهة الحصار المفروضة أساساً على الناقد؟؟..
طبعاً لانريد أن ننقص من قيمة الشعر والشعراء بمثل هذه المتواليات أو الفرضيات..!!.. لكن انظروا في الساحة الأدبية ودققوا في جوانب هذه الشهوة الغريبة عند كل كاتب ليكون شاعراً.. وكأنه من خلال الشعر يصل إلى القمة ويحمي نفسه من أي نقد.. مع أن الشعر صار مظلوماً أشد الظلم من تزاحم الشعراء وتزايد أعدادهم وقلة المبدعين بينهم.. فكل قاص يريد أن يكون شاعراً.. وكل ناقد يريد أن يكون شاعراً.. وكل روائي يريد أن يكون شاعراً.. والنتيجة أننا نخسر مبدعين في القصة والرواية والنقد، ولانكسب شاعراً جيداً، فتكون المشكلة مزدوجة مركبة صعبة معقدة.. إذ يصعب أن تقنع الشاعر الجديد أن يترك الشعر رحمة بنفسه وبالقراء.. لأنه سيظن مباشرة أنه صار فوق النقد..!!.
كل أنواع الإبداع جميلة.. وكلها رائعة.. والجميل أكثر أن يبدع كل في مجاله.. والأولى ثم الأولى، أن نفك ونفكك آلية الحصار على النصوص الشعرية والشعراء وعلى كل نصب إبداعي، لنترك للنقد حرية الحركة المطلقة التي لاتخضع بأي شكل من الأشكال لأي نظريات مسبقة ترهب الناقد وتمنع حركته.. فكل نص إبداعي قابل للنقد إن كان للمتنبي أو لسواه من الشعراء، لأنه في كل الأحوال تركيبة من كلام وصور وأوزان وفكر، وهذا شيء يخضع للنقد ولايكون فوقه..
البحث عن الجمالية في النص الإبداعي ضرورة.. البحث عن مكامن التميز في أي نص أكثر من ضرورة.. أيضاً البحث عن السلبيات ضرورة، والإشارة إلى النواقص والتنبيه إلى الأخطاء مهمة تلقى على عاتق النقد بعد أن استفحل الخطأ وازداد عدد الكتاب الذين لايعرفون من الكتابة إلا اسمها.. لايعقل أن نترك الحبل على الغارب حتى لايتفشى الجهل في الكتابة ويصير السيء هو الأساس.. وويل لثقافة يصير السيء مقبولاً محموداً فيها..[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|