ا[align=right]
لكتابات التي تطرقت إلى مفهوم التنمية البشرية لا تعطي للقناعة التاريخية للمواطن الأهمية التي تستحقها، فهي معنى و قيمة أخلاقية لا تمتلك التأثير المادي في سيرورة التنمية التي تتأسس على المقدرة المادية. في المغرب، لا يزال مطلب مراجعة التاريخ محفوفا بمخاطر جسيمة تجعل المثقفين المغاربة يركزون جهودهم على التطلع إلى المستقبل. التخطيط للمستقبل و محاولات استشرافه اجتهاد فكري منتج، لكن كسر علاقتنا بالماضي السياسي خصوصا مهمة مستحيلة. لا مناص من استرجاع المفاصل التاريخية المعاصرة للوطن فهي ما سيجعل من المستقبل مرتكزا على منطلق موضوعي. إن المصالحة بين المواطنين و النظام السياسي لا تتحقق بنسف الماضي، إنما بتصحيح أخطائه دون توزيع صريح للمسؤوليات. جوهر المصالحة التي ينادي بها النظام السياسي هو القناعة التأريخية للمواطن و التي تأخذ شكلا مصيريا في مسائل الإستقلال و الوحدة الترابية مثلما هو حال سبتة و مليلية و الجنوب في الوضع المغربي.
لا تزال الصحراء القضية الوطنية البارزة في المغرب، و التي يستمد النظام السياسي منها مشروعية دفاعه عن الوطن و جغرافيته، بخلاف قضية المدينتين المحتلتين سبتة و مليلية التي تظهر في مستواهما مشروعية النظام شعارا يصعب و ربما يستحيل تطبيقه. ليس من المنطقي أن نتوقع أن الدولة الإسبانية ستعاني من السأم بعد قرن من المكوث في المدينتين، و ستنسحب مقدرة للمغرب موقفه الإنساني الراقي الذي يجسده الحرص على مغربية المدينتين و ضرورة استرجاعهما بالسلم أو المعالجة المتحضرة و الديمقراطية للإستعمار. لا شك أننا ندرك جميعا أن تحرير ما تبقى محتلا في المنطقة الشمالية مستحيل بملاحظة العلاقات الإقتصادية و العسكرية المغربية-الاسبانية، فقد تلقى المغرب عبر فترات تاريخية متعددة مساعدات تقنية و خبراتية من الإسبان و أشرف بعض عسكريي مدريد على تطوير فاعلية الجيش المغربي. سنكون مثاليين و لا موضوعيين إذا اعتقدنا أن اسبانيا تشارك في صناعة قوة عسكرية ستحاربها بإرادة النصر في المستقبل و إلا فإن شيئا اسمه:"الاستراتيجية" غير متوفر في خطط الجانب الإسباني. بعيد الإعلان عن زيارة الملك الاسباني للمدينتين قام الأمن الاسباني بهدم منازل المغاربة و التنكيل بهم في حضور الإعلام العالمي في حين التزم الطرف المغربي بهدوء فسره بضبط النفس و الحكمة و هذا كان نصف التفسير، و النصف الآخر الفهم الجيد للقدرات المادية لإسبانيا، سواء من حيث القدرة الذاتية أو البينذاتية، فهي دولة تنتمي إلى تحاد يضع في أولوياته حماية الدول الأعضاء سياسيا و اقتصاديا مشترطا وجود:"الخطة الاستراتيجية لكل دولة"، فالإتحاد الأوروبي فضلا عن المعيار الجغرافي لا يمكن أن نعتبره في كتاباتنا:"حظيرة سفسطائية" ينخرط فيه أي بلد أوروبي. و النقاش الواسع الدائر حول انضمام تركيا يبين أن الإتحاد الأوروبي وضع محددات صارمة للدولة التي تريد الإلتحاق به تتجاوز المعيار الجغرافي المتوفر في الملف التركي إلى الهوية الثقافية التي يظهر أن الإتحاد الأوروبي مؤمن بتأثيرها الغائر على القضايا الإستراتيجية التي تختزل في رغبة الأوروبيين في احتلال موقع السيد ضمن جدلية السيد و العبد، التي تميز التاريخ الإنساني في شموليته مثلما يقول الفيلسوف الأوروبي هيغل. لقد سبق للمغرب أن تقدم بطلب للعضوية في الإتحاد الأوروبي زمن المغفور له الحسن الثاني في اجراء متميز حاول عبره الملك الراحل خلق الأرضية الديمقراطية لتحرير الأراضي المستعمرة، غير أن الإستراتيجية الأوروبية تذرعت بالمقياس الجغرافي لترفض الطلب المغربي. إنني متأكد من أن قضية الوحدة الترابية هي المنطلق الأول الذي دفع الملك الحسن الثاني إلى ترشيح المغرب لعضوية التكتل الأوروبي و هي أيضا جوهر الإمتناع الأوروبي.
لقد استعاد المغرب الأقاليم الجنوبية بواسطة المسيرة الخضراء، التي يعتبرها النظام و الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة و غير المشاركة، أي المعارضة، حدثا وطنيا يؤلق التاريخ المعاصر للمغرب. يجب أن ننطلق في هذا التقييم من المفهوم الأخلاقي السلوكي للمعارضة السياسية الذي يتناقض مع المفهوم الشائع في الوسط السياسي المغربي. إن زعماء الأحزاب السياسية في المغرب يفصلون بين حالتين للحزب السياسي: حالة المشاركة في الحكومة و حالة عدم المشاركة فيها و التي ترادف حالة المعارضة بالنسبة للعرف الحزبي المغربي. هذا الفصل تتخلله التباسات نستطيع أن نصفها بالحكمة لدى تغليفها بالمنفعية: كل حزب يعرف المفاهيم السياسية بما ينسجم مع مصالحه. الإلتباس الأول يتجلى بالنظر في وضع الأحزاب الداخلة في التركيبة الحكومية، إنها لا ترسم محددات دقيقة و واضحة للإنخراط في السلطة التنفيذية، تنتظر فقط المناداة الحكومية كي تستجيب لها دون الرجوع إلى مرجعيتها الأخلاقية، التي نفترض أن كل حزب يمتلكها،و هنا يتراءى لنا أن الحزب المغربي قادر على بلورة مرجعية أخلاقية متميزة و جذابة، لكنه يتخذها شعارا فقط، لا يلتزم به عندما يشارك في الحكومة، إنه شعار لتلميع صورته في الذهن الشعبي.و الإلتباس الثاني يكمن في الخلط الخاطىء بين عدم الإسهام في تشكيلة الحكومة و معارضتها. يمكن للحزب السياسي المشارك في الحكومة أن ينتقد كيفيات تطبيقها للبرنامج الذي وعدت المواطنين بتنفيذه، لكن يشترط في نفس الحزب كي يصنف:"حزبا معارضا" أن يرفض دعوة رئيس الوزراء للمشاركة في التشكيلة الوزارية إذا تعارض البرنامج الحكومي مع الخطاب الذي يتعامل عبره مع المواطنين و يشترط فيه أن ينسحب من الحكومة إذا لمس انحرافا عن البرنامج الإنتخابي بالنسبة للحزب و البرنامج الحكومي العام
هذا النوع من الأحزاب غائب في المغرب و هوغياب مشروح بطبيعة الديمقراطية المغربية التي لم تجتز المرحلة الجنينية(حتى الخطاب الرسمي يتحدث عن :"الإنتقال الديمقراطي"). لذلك، فإن مفاصل تاريخنا الوطني المعاصر(المسيرة الخضراء، اطلاق هيئة الإنصاف و المصالحة، الجو الإنتخابي الجديد...) احتفظت بالتقييم و التعريف الرسميين. لا وجود للآخر السياسي و التاريخي في موضوع تقييم الإنجازات الوطنية للمغرب. و إذا كان المغفور له الحسن الثاني أجاد التفكير في استثمار التكتل الأوروبي و علاقات المغرب بالقوى النافذة عالميا من أجل استعادة الأقاليم الجنوبية فإن اطلاق الملك محمد السادس لمقترح الحكم الذاتي يثبت أن استعادة الأقاليم الجنوبية طرح صعوبة تحقيق استقرارها و تجانسها مع المناطق الأخرى للوطن. و هي صعوبة تؤول إلى اشكالية بعد أن اعتبرت فرنسا و الولايات المتحدة و الأمم المتحدة ،و هي جهات ضاغطة ساعدت المغرب على استرجاع الجنوب، المقترح المغربي :"حلا واقعيا" دون تأييده و اعتماده مما يفتح آفاقا أخرى-خطيرة- للتحليل. و لحد الآن، فإني أرى أن الدولة الوحيدة التي ساندت المقترح المغربي دون خلفيات هي جزر القمر أثناء القمة الأخيرة في العاصمة الرياض، و لن نسهب في البحث عن الأسباب، السبب الأساسي الذي يتوجب علينا أن ندركه هو الخمول الذي تتخبط فيه الدبلوماسية المغربية.
[/align]