من زمن فائت ، وقتما شاهدت زوجتي لأول مرة ، فسحرني خفرها ، وشعرت أن ههنا بدء تمام مراحل عمري ، غمرتني فيوض سعادات لا تنتهي ، وكتبتُ وقتها كلاماً كثيراً ، وأنا أخال أن أشواقي تصغر أمامها أشواقُ جميل بثينة ، وعنترة وعبلة ، وتوبة وليلى الأخيلية ، وجمع عشاق الكون على رحبه !
وطالبتها بأداء طرفاً مما تجد وأجد ، على الورق ، ليبقى ما نكتبه وردة لا تذبل لكل محب بعدنا ! فاعتذرت بلباقةوحياء جم .
ولما أصررتُ ، كتبتْ إليَّ :حبيبي أرق من ورد الياسمين ، وأنا أحب ياسمين دمشق .
فأسكرتني شفافية العبارة ، وغشاني كما السمادير!
تلك أيام رحلتْ ، بل بقيتْ . وكلامي ليس للذكرى ، إنما دعوة لنحفظ زخم كل لحظات عمرنا الجميلة ، لتكون ذخر غد .
ولأعترف أنني ، بل أنا وأولادي ، نحيا بدفء عطاء زوجتي ( أم الود ) ، ونعيش به في تفاصيل حياتنا ، بل دفء عطائها ماض هي صاغته أولا ، واستمراره في حاضرنا ، إشارة إلى امتداده لكل أيامنا الآتية . ووجوده معاشاً ، يعني أنه حقيقة نامية ، لا تبدده كرور الأيام .
نعم ، الحلم حلم : قد يتحقق بالإرادة والدأب، وقد يبقى حلماً يتلامح ويشير من بعيد ، فيبقى طيف ذاكرة . لكن الحلم المعاش ، شئ آخر ، يستعصي على العبارة ، ويبقى في منطقة خاصة عزيزة .