الفصل الأول .. يوجد على الرابط التالي :
http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=29501
الفصل الثاني ..
يقول تروتسكي في الأدب والثورة :(( إن الشكل يتطور ضمن حدود معينة بحسب القوانين الخاصة ، مثله في ذلك مثل كل تقنية، فكل مدرسة جديدة تنطلق من كل التطور السابق ، من التقنية القائمة قبلها ، من الكلمات والألوان ، ثم تبتعد في أسفار جديدة وفتوحات جديدة "
وهذا ما نحاول التعرف عليه ونحن نسافر في قصائد شاعرنا طلعت سقيرق ، لاستجلاء حقيقة التطور والإضافة لا القطع ، وها هو الشاعر الفلسطيني طلعت سقيرق يضيف تغييرات في شكل القصيدة أو بالأحرى في هندستها ، لتصبح القصيدة إعادة صياغة ، وإعادة تجديد
.. لنجده يستبدل نظام التسطيرالواحد .. بنظام القصيدة الواحدة .. ذات النفس الواحد والروح الواحدة .. إنها القصيدة الصوفية
قصيدة تفوق فيها الشاعر طلعت سقيرق بشكلها اللغوي وبنيتها الفنية واسترسالها الإيقاعي
بتفعيلة واحدةعلى وزن (( الهزج )) في عشرين مقطعا وكتاب واحد ..
ديوان القصيدة الصوفية هو سفر جديد وفتح جديد .. في عالم الشعر ، سفر بالكلمة والوزن والقافية ... وفتح للقصيدة على الزمن المفتوح المجرد من الضوابط والفواصل ، على نفس واحد يلزم المتلقي الاسترسال طول القصيدة .. في غياب لعلامات الترقيم والبياض وحضور للكلمة ،كخصب جديد يؤمن بلانهائية الخلق .. الشعري الإبداعي ، وبلا محدودية التجديد الدائم .
هو تجديد وكسر للرتابة .. جعل من القصيدة الصوفية المتميزة عند الشاعر طلعت سقيرق إفرازا لاختيار بنائي بذر الشاعر فيه روح التدوير والتضمين في .. القصيدة بكاملها.. ليأتي التدوير كاملا ،
وكما نعلم فالتدوير الكلي هو تدوير صعب ، لأن أي خلل عروضي أوأي نقص يعرض الشاعر إلى الاتهام بالقصور في مجال الإيقاع ..
((أحبكِ فوق ما في الحبِّ من حبٍّ وأسرد كلَّ تاريخي وموالي وأحوالي على درب ارتعاش اللوز في أفياء أغنيتي وفي أنواء ما في القلب من بلحٍ أعيد إليك أسرار انتباه المشط في شعر الحقول السمر في شعر الفصول السبع من صيفٍ إلى سيفٍ ومن طيفٍ إلى مطرٍ يداخلني فأنسى كلَّ أشعاري على عتبات أمنيةٍ مضت فانداحتِ الأحلام في كرةٍ يدحرج صوتها صوتي على صمتي ويكسرني شظايا من نداء الوجد تسبح في كرياتي وآياتي فهل أنت التي شدَّتْ على نهر الترانيم التي فاءت إلى قدسية العتبات راجعة من البلل الذي في الظل يا وجدي ويا قبلي ويا بعدي ويا سمعي ويا بصري ويا طلقات فردوس النبوات ارتميتُ الآن لم أشرب حليب الناي من شفتي ولم أدخل إلى ما كان من ودعٍ يلون ما تريد الروح من منفى إلى منفى ومن ضربات أحلامٍٍ ممزقةٍ على جسر الدموع وشهقة الآهات يا حبي ويا قلبي لماذا تدخلين الآن أيامي ويرقص وجهك السحريُّ في حبق الزمان يعيد إليَّ ذاكرتي ويسرقها فأنسى عند باب الذكر أنّ هواك في بدني حقول سرَّحتْ جسدي وراحتْ تزرعُ الحنّاء والأنواء في جلدي وفي لحمي وفي أفياء ما في القلبِ من بلحٍ أجرُّ إليَّ ضوءَ الوعد كي أبقى على سلكٍ من النسيان أو سككٍ من الفيضانِ .. ))
فنجد خاصية ضم المعنى إلى المعنى،في حروف وكلمات تمازجت فذاب بعضها في بعض في تجانس ومجانسة ، داخل مساحة مكانية لا تقبل الفراغ ولا تترك مجالا له ، إذ استحوذ التدفق الشعوري والتدفق العروضي، فتمكن الشاعر من اختيار حجم التلاحم ((لا السواد))المسيطر عن حجم البياض ( الفراغ ) وما ترتب عن ذاك من تدفق لا إحجام للمشاعر وعن هدوء لا احتدام لحالته الشعرية ودفقته الشعورية ...
((والشاعر في اختياره لهذه المقاييس لا يصدر عن تفضيل عنصر على عنصر آخر، وإنما تتداخل في الاختبار الذاتي مجموع البنيات الجزيئية التي يحكم وجودها ترابط جدلي، وينتهي البيت (( القصيدة )) عندما يلامسه(( ها )) البياض أو عندما يوقفه(( ها )) البياض فيحد من حريته((ها)) في التدفق(2) .
- يتبع -
1- مجلة المنار السنة الأولى - ع - 12 - 1985ص 102-
2- محد بنيس : دراسة في الشعر المعاصر .. ص 100-101