حكاية صمود
أتعبتهُ مسيرةُأعوامٍ بين أكوامٍ من الذكريات المتكدسة، وبقايا من آلامٍ طحنتهُ. في كل مرةٍ كان يخرجُ
منتصراً، إنه اعتاد ان يئنُ واقفاً إذا ما صفعته الريحُ، فعلى مشارف قريته الجميلة التي تناثرت ورودها
على جانبي الطريق المؤدي لها سطرت حكايات شبابها أروع الملاحم وأعظمها. في مثل هذا اليوم
من ثمانية عشر عاماً تعمدت أرضهُ بلواء الشهادة وانتصرت إرادة الحق!
سالم فلاحٌ مسالم سكن أرض الجنوب اللبناني، اِعتاد جسده الناحلِ هواءها النقي، جاد الله عليه بوفر
المواسم، تعلم فن الزراعة وحصد ياسمين الضيعة، تغنى بجنوبياتها، وعندما تعلق قلبهُ بإحداهن
أرسل أمهُ لخطبتها، استعجل مواسم العرس وليلة زفافه أطلق الرفاق عشرات الطلقات النارية ابتهاجاً
بفرحهِ. أحب سالم زينب كما احبتهُ وأكثر، أثمر هذا الحُب عن وليد ورقية، استشهد وليد عشية دخل
الطامعون أرضهُ، روى ابن سالم أرض الجنوب بدمه لتبدأ حكاية المقاومة ويزهر طريق الضيعة
أزاهير حبٍ ووفاء ولاءً للجنوب اللبناني..
تكاتفت الفتيات الجنوبيات اللائي عشقهن سالم ـ وفتيان الجنوب، قويت حركة النضال، وقوي سالم بهم
مع كل إشراقة شمي كان يصلي املاً بتحرير أرضه، مع اِبتسامة كل فجرٍ كان يزور ضريح ابنه وليد
ومع تدلي عناقيد الأمل كان يرسِلُ رسائل احتجاجه للمنابر العالمية، تعلم من شهادة ابنه الحق لن يعود
بدون تضحية، فتح داره للمقاومين من رفاق وليد، أهداهم ورده ونرجسه وحفر أسماءهم على أشجار
الضيعة التي كانت سياجها، حملت كل شجرة اسم واحد منهم، وحمل كل رفيق لوليد تاريخ استشهاده
لتنطلق شرارة النصر ويتحرر الجنوب وتتحرر إرادة الحق..
إثنان وعشرون عاماً ونبض وليد في أُذن سالم لحنٌ أبيّ بُخلِدُ ذكرى انتصار المقاومة على العدو
الصهيوني، إثنان وعشرون عاماً وعيون وليد على طريق الضيعة ترسم بأهدابها خُطى الأجيال
التي أقسمت بالثار وأوفت..
إثنان وعشرون تنهيدة تزامنت وآخر زفراتِ الذكرى! سلم أنفاسهُ سالم لِتعود الأمانة لِبارئها، غادر
بكل نفسٍ مطمئنة ليلتقي وليد وصحبه وتكتمل الرسالة..
تم تحرير الجنوب اللبناني في الخامس والعشرون من شهر آيار/مايو..بعد صراعٍ دام اثنان وعشرون
عاماً، سطرت قوافل المقاومة الوطنية أروع آيات الفدا والتضحية، اِستسلم العدو لإرادة أبناء الجنوب
فكان أن علت راية الحق، وكان أن رحلوا وبقي الجنوب ..
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|