وطن ياتي
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/10.gif');background-color:silver;border:4px ridge green;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
الرصيف بارد محايد كئيب.. خطواته تمتد وترتد حسب انفعالاته.. ينظر إلى السماء بعينين حزينتين دامعتين.. أراد أن يصرخ لاعناً العتمة والغبش وكل فئران الليل.. صوته لم يصل أبعد من سقف حلقه.. تمنى أن يشرب كأس ماء يبل ريقه الجاف.. كل شيء بدا بعيداً بشكل لا يرحم.. وحدها صورة هدى كانت تطل من ظل غيمة بعيدة، تلوح بيد من ثلج حنون وترحل.. ارجعي يا هدى.. ارجعي يا ابنتي فالبيت بارد وكئيب.. الشوارع عتمة وظلام.. كم مضى على غيابك يا هدى؟؟.. ساعات أم أيام أم سنوات؟؟.. هذا هو الوطن الذي لفوه بدم لا يجف.. كل يوم يرحل الشهداء وكأنهم على موعد مع الحبيب.. يطوون أجسادهم ويدقون الأرض بصدور مفتوحة.. الدم شلال.. الدمع شلال.. الصراخ شلال.. من قال إننا لانحزن.. الفراق صعب يا ابنتي.. صعب.. لاشيء يشبه حرقة الفراق.. صحيح الوطن فوق الأولاد والمال والأرواح.. لكن الفراق صعب.. لماذا كان علينا أن ندفع كل هذا الدم؟؟.. ولماذا كان عليهم أن يسرقوا البيت والشارع والهواء..؟؟.. يظنون أن كلمة السلام ستمحو العذاب من أذهاننا.. يظنون أن الحبر الذي يسيل على الورق، يمكن أن ينسينا سنوات الألم الطويلة.. كيف سأنساك يا هدى.. كيف؟؟.. كيف يا ابنتي أنسى وجوه الجنود الذين صوبوا بنادقهم نحوك ورموك برصاص لا يرحم.. دمك يا ابنتي نبت فوق كفي وصدري وكتفي وصار شجراً أحمر.. كيف أنسى الآه التي خرجت تتلوى من أعماق قلبك..؟؟.. كيف أنسى ابتسامتك المليئة بالفرح وهي تذوي مضرجة بالدم على الشفتين.. كيف أنسى يا هدى يا حبيبتي.. كيف؟؟..
الرصيف مسكون بالدم.. مسكون بالغربة والحزن.. خطواته تكاد تتآكل ألماً.. تذكر زوجته.. تركها في البيت بين الموت والحياة.. المسكينة ما عادت تشعر بأي شيء.. كانت هدى عمرها وضوء عينيها.. ذئاب لا ترحم صادتها.. بنت مثل الهمسة الناعمة.. لم تحمل حجراً في حياتها.. كان يظن أن هؤلاء الكلاب سيتركونها تعيش مادامت لا تحمل الحجارة وترميهم بها.. ليتها فعلت..!!.. الكلاب لم يتخلوا للحظة عن حبهم للدم.. كأن القتل كان تسلية لهم.. انطوت على الرصيف مثل ورقة هشة ثم نامت والآخ تخرج من حلقها.. ماذا فعلت يا أولاد الكلب؟؟.. ماذا فعلت؟؟.. سرقتم الوطن.. شردتم أهلنا.. زورتم الحقائق.. وها أنتم تسرقون الحياة من أجسادنا.. لماذا؟؟.. ماذا فعلت هدى حتى تنام على رصيف الموت؟؟.. يا بنت يا هدى أنا مشتاق لك.. أمك مشتاقة.. الجيران مشتاقون.. مازالوا يذكرون ضفيرة وضحكة وفرحاً لا يحد.. البنت كانت أحلى من العسل.. أولاد الكلب قتلوا ضحكتها الحلوة وشردوا نظراتها الجميلة.. لو أنها رفعت حجراً واحداً.. لو فعلت.. الحجر لا يكفي.. الموت أقل شيء يمكن أن يعطى لهؤلاء الكلاب.. من آخر الدنيا أتوا.. سرقوا كل شيء وأخذوا يعتدون على الحياة.. حياة كل واحد منا صارت مصادرة مطاردة.. الأفضل يا هدى أن يتحول كل واحد منا إلى قنبلة أو رصاصة.. لاشيء يساوي حياتك وحياة الآخرين يا هدى.. قال سلام قال!!.. وهل يعرف هؤلاء الكلاب أي سلام.. هل سيعيد السلام هدى وكثيرين رحلوا على مدار السنوات.. هل سيعيد السلام الوطن كما كان..؟؟.. أي سلام هذا وهم فوق صدورنا.. جهنم أهون من سلام كهذا.. كيف سأمد يدي وأسلم على واحد من هؤلاء الكلاب..؟.. ماذا سأفعل إذا رأيت يده التي ضغطت على الزناد وقتلتك.. هل سأبتسم.. هل سأرقص.. هل سأغني.. كيف يا هدى كيف؟؟.. كيف يا أولاد الحلال.. من سيعيد لي هدى.. لاشيء يكفي غير وطن يأتي.. وطن لا يشبه إلا الوطن الذي أعرفه.. وطن يمتدّ من الشمال إلى الجنوب دون أن يدوس فوق ترابه واحد من هؤلاء الكلاب.. عندها سيكون السلام سلاماً يا هدى.. أنصاف الأشياء لا تحل المشكلة.. نصف أو ربع أو عشر وطن، لا يصنع سلاماً.. السلام في معادلته الصحيحة يا هدى يجب أن يكون بزوال كل هؤلاء الكلاب، برحيلهم عن أرضنا.. أما أن يبقوا فلا سلام.. الضحك على الذقون لا يفيد.. الكلاب كلاب ولن يتغيروا.. مهما جرى لن يتغيروا.. ماذا تقولين يا هدى؟؟.. هذا صحيح الوطن الذي يأتي يجب أن يكون وطننا الذي نعرفه لاغير..
الرصيف بارد.. حمل حجراً.. العتمة شديدة.. الريح تأكل كل شيء.. نظر إلى الحجر فرأى وجه هدى.. ضحك.. لأول مرة يضحك منذ طواها الموت وغيبها.. طبع قبلة على الحجر.. قال: كن قنبلة ياحجري الحبيب.. شعر أن الحجر يتوهج.. فرح.. حرارته ملأت جسده بالقوة.. صاح كن صاعقة تأخذ هؤلاء الكلاب إلى جهنم وبئس المصير.. قذفه.. الحجر طار.. شق المدى.. وحين حدث انفجار هائل في مكان بعيد.. ورغم كل الأنباء والأخبار، أقسم أنه الحجر، ولاشيء غير الحجر.. وكانت هدى تطل من غيمة بعيدة وتضحك..
[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|