(4)
س- وماذا كانت العروس تحضر من عكا؟
ج- كانت العروس تحضر من عكا البدلة، الطرحة، الإكليل، الحنة، الريحة، الشمع، الكحل، حومرة (أحمر الشفاه)، بودرة، كريم، دبابيس عادي وللشعر، زيت للشعر، أما الصابون فمن أهلها ومن العريس، مناديل، حطّات، قمطات (كانت نساء البلد تلبس القمطة فوق الحطة وليس تحتها، لم تلبس نساء البلد إيشاربات بل حطات حرير مسنسلة).
أما الثياب الجديدة، فيتم تطريزها في البلد، كالثياب الداخلية مثلاً، توزعها العروس على رفيقاتها ليقمن بخياطتها وتطريزها، والجيل الذي سبق جيل النكبة كانوا يطرزون مثل الثياب التي نراها في الحفلات التراثية، أما الجيل الذي خرج من فلسطين فلم يطرز هذا النوع.
أما البدلات الثقيلة (الثياب المهمة) فترسل إلى الخياطات، وأشهر خياطات العرايس في البلد كانت زهرة الطيار (توفيت في 2002).
ولم يكن في البلد خياطون للرجال، فكان الرجل إذا أراد أن يفصل بدلة ينزل إلى خياط في عكا. أما الخياطة الرجالية الخفيفة فكانت الزوجات تقوم بها.
س- من يلبّس العروس للبرزة؟ أمها أم زوجة خالها؟
ج- لا، كان هناك امرأة متخصصة بذلك، ففي بلدنا كانت هناك أم رفعت منصور (نجيّة العبد)، كانت تبرز كل بنات البلد، ولم تكن في سنة 1948 كبيرة السن، بل صبية، ولكنها كانت مرتبة ولبقة ومذوقة، وكان ترتيبها يعجب أهل البلد، وقد توفيت في لبنان منذ أربع سنوات (حوالي 1998). وكانت تساعدها زليخة الحاج أحمد، توفيت بعد النكبة بقليل.
س- وماذا عن الأغاني أثناء البرزة؟
ج- كانوا يغنون على وزن (آويها)، ومما كانوا يغنون:
الطول طول القنا والعنق مايل ميل
والخصر من رقّتُه هذ القوى والحيل
ويا صايمات الضحى يا مفطرات الليل
ردّوا علي غزالي ما بقالي حيل
فتقول أم العريس:
أنا هالغزال غزالي
أنا شريته بمالي
شو عَ بال الناس منُّه
إن كان رخيص ولاّ غالي
قالوا غزالك زْغيّر قلت شو مالُه
صندوق صدره ذهب لو ضاعت قفالُه
والله لآخذُه واصبر على حالُه
وأقيم من مال أبوي وأحطّ على ماله
أما الصبايا من رفيقاتها فيغنّين لها (أويها):
شعرك قصاقيص الذهب ينزان (يوزن) بالميزان
ما بين شعرة وشعرة منبت الريحان
لـَ زين ثقلك ذهب لـَ زين ثقلك مال
لـَ زين ثقلك ذهب تـَ يِرْجح القبّان
أظافيرك الحمر بالحنة صبغتيهن
وزنودك البيض ما طلع الشعر فيهن
وخدودك الحمر شبه الورد هاويهن
وعيونك السود عمْ يتماثلوا فيهن
(5)
س- من كان يؤلف من أهل البلد هذه الأغاني التي تغنونها؟
ج- لم يكن هناك شخص واحد محدد يؤلف الأغاني، ولكنها تأتي بالاحتكاك والتراكم.
فمثلاً، يمكن أن تقول إحدى الحضور (آويها) جديدة، كنا نحفظها ونرددها في الأعراس التالية. ويمكن لو أحضرنا عروساً من بلد ثانية (مثل ميعار أو البروة أو الدامون..)، كان من يأتي من تلك القرى هم أهل العروس وأقاربها ومن يبيّض الوجه من المغنين والدبّيكة، فيأتون بأجمل الأغاني عندهم، وأثناء العرس كنا نقول ما عندنا ويقولون ما عندهم، فنحفظ منهم ويحفظون منا، كذلك الأمر إذا جاء أهل عريس ليأخذوا عروساً من بلدنا.
مثل المقاولة التي أخبرتك عنها (بين السمراء والبيضاء)، كانت تقولها طليبة (وهي من سحماتا، كانت زوجة أحمد محمد طه الخطيب في البلد )، وقد تقاولت معها، فقلت لها:
إحنا السمر إحنا علبة العطّار
وكل شبٍّ تعلق بهوانا طار
وهات اللبن والعسل تنكشف الأسعار
ولحسة من العسل تسوى من اللبن قنطار
فتقول هي:
إحنا البيض إحنا الخوخ بعنوقوا (أعناقه)
..
وتقول أيضاً:
يا ماخذ البيض خرخش بالذهب خرخش
واصبر على البيض تينوّر المشمش
واصبر على البيض تَيحمرّ خديهن
طلت نجمة الصبح من بين عينيهن
وتقول عن الطول:
إحنا الطوال وإحنا طولنا غيّه
وكل الأمارة بتقصد طولنا فَيّه
وقول للقصير، يا كلبة سلاقية
تجرّ المصارين عَ سوق الاسكافية
وتظل النساء والرفيقات يغنين لها، إلى أن يحين خروجها، وبالمناسبة لم تكن المقاولة تقتصر على القوالين، ففي كثير من الأحيان، يستطيع دقيق الملاحظة أن يدرك الخلافات بين الأقارب، كأن تكون عمة العريس على خلاف مع أمه، فإن من الممكن أن يظهر الخلاف في الأغاني، والغريب أن جميع نساء العائلة كنّ يقمن بواجب الغناء للعروس، ولكن كان "كل يغني على ليلاه" في بعض الأحيان، ويظهر "التزريك والتلطيش" في الغناء، كأن تمدح إحداهن العروس بما ليس فيها للفت النظر، أو أن تغني إحداهن لابنها الذي تراه أحق من العريس بهذه العروس، وهكذا.. إلا أن ذلك لم يكن حالة عامة، إنما شواذاً في حالات خاصة.
وبعد العصر، يأتي أهل العريس لأخذ العروس إلى بيت أهلها لتودعهم وينقّطوها، ثم يأخذوها إلى بيت العريس.
في بيت خالها يغنون له:
يا بيّ فلان كثر الترحيبة
إحنا ضيوفك من بلاد بعيدة
واحنا الإمارة دُوبْنا لفينا
من باب مكة للحرم صلينا
يا بيّ فلان يا ابن السنجق العالي
يا رز حيفا وكل الناس تكتالِ
قهوتك البن والسكر مفاريها؟؟
ثم يغنون للعروس، وهي أغان مكررة من مرحلة سابقة (أي عندما يأخذونها من بيت أهلها إلى بيت خالها):
قومي معي يا بنت الكرام قومي
يا زعفرة مبرمكة يا زهر لموني
ولـْ ميمتك إطلعي ولخالتك كوني
يا وردة فتّحت بشهر كانونِ
وهذه الأغاني تعتبر تكريماً للعروس حتى تقوم وتذهب معهم، ومنها:
وقومي معايي وراكي سند
وراكي حمولة بتعمّر بلد
وراكي أبو فلان وسُرِبْتُه (مجموعته)
وما أحلى ديّاته (يديه) لعدّ الذهب
ثم ينقطها خالها، ويأخذها إلى خارج البيت، ثم إلى بيت أهلها. وعند الوصول إلى بيت أهلها تبدأ الأغاني لها ولأهلها:
يا بنت فلان يا بنت من حشم
بتستاهلي العبيد والمملوك والخدم
بتستاهلي الصايغ يصغلك خواتمك
من نص حيفا على قد خناصرك
وعند خروجها يغنون وراءها:
يخلف على خال العروس
راعي الشرف راعي الناموس
عروستنا ملا عروس
عروستنا يا ام الحلق
قبّضنا فيدها روق
عروستنا يا ام الكردان
قبضنا فيدها ذهبان
ويمسكون بالدبكة عند أهل العروس:
حولونا حولونا نسايب لا تزعلونا
عادتنا نلبس مقاصب عادتنا نشلح مقاصب
عادتنا نناسب مناصب بالكرم ما يغلبونا
عادتنا نلبس مخامل عادتنا نشلح مخامل
عادتنا نناسب حمايل بالكرم ما يغلبونا
دار أبو العروس ويا ركّة على ركّة
يللي حرثتي على قلوب العدا بسكّة
هجمت عليكي الأعادي تا يصيدوكي
فشرت لحاهم ولا غدوا يطولوكي
وعند أخذها من بيت أهلها يغنون:
يخلف عليكو وكثّر الله خيركو
ولا عجبنا من النسايب غيركو
وإذا تأخرت العروس في الخروج من بيت أهلها، يغنون لها أغنية ذات لحن خاص، وليست تابعة للازمة (أويها):
كلينا واحنا واقفين
والصبر على الله الكريم
يا أبوها وصلت حدّها
ربع المجيدة خدها
سبع البراري بيّها
ويغنون للعروس أيضاً في هذه الحالة (التأخر):
قومي يا عروس قومي تمامك عادْ
شعرك ربايط سعد رابي عَ جنب الوادْ
قومي يا عروس قومي تمامك بس
شعرك ربايط سعد رابي عَ جنب البص (الماء)
قومي اركبي يا غزالي بيضا يا رفيعة
شعرك ربايط سعد رابي عَ الشريعة
ثم يغنون لأبيها ليسامح بأخذها:
سامح يا أبو فلان ومرضاكو عندنا
نرضيك بعبدتنا ونرضيك بعبدنا
نرضيك بشقرا من سلايل خيولنا
..
ويغني للعروس أهلها عند خروجها (وهذه اللحظات تكون لأهل العروس لحظات حزن على فراقها، حتى لو كان العريس ابن الجيران، فليست العبرة بالبعد ولكن بالانفصال عن العائلة واسمها)، وهذه الأغنية على لحن (عرسنا زين الشباب):
من طلعتك يا جوهرة
الشمس رجعت لَوَرا
ويغنون عن لسان العروس:
يا إمي يا إمي طوّيلي مناديلي
طلعت من الدار ما ودعت أنا جيلي
يا إمي يا إمي عبّي لي مخداتي
وطلعت من الدار ما ودّعت خيّاتي
يا أهلي يا أهلي لا يبري لكو ذمة
شو اللي عماكو عن ابن الخال والعمّي
يا أهلي يا أهلي لا يهنى لكو بالِ
شو اللي عماكو عن ابن العمّ والخالِ
كانت تخرج العروس إلى بيت خالها ليلة الحنة ماشية، غير أنه لم يكن في عادات البلد أن تخرج العروس من بيت أهلها مشياً، بل على ظهر الفرس.. وترفع يدها ويمسك يدها أخوها أو أبوها، ويكون ماشياً بجانب الفرس. ويمكن أن تمسك بيدها باقة ورد أو قطعة سلاح، فيقال:
فلانة خرجت رافعة يدها، أي شريفة مكرمة..
كما أن العروس تلبس عباءة رجالية وتحمل السلاح (فرد أو شبرية..)، ويغنون لها:
ركبت عَ ظهر الشقرا (الفرس) أخت الشباب
ركبت عَ ظهر الشقرا بطقم عناب
وهذه الأغنية حُوّرت في الشتات وأصبحت: ركبت بقلب التاكسي..