روايات من الحصار
[align=justify]يصدر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان سلسلة "روايات من الحصار" لإلقاء الضوء على آثار الإغلاق والحصار المفروض على قطاع غزة على سكانه المدنيين. تعتمد هذه الروايات على شهادات وتجارب حياة من القطاع، ونأمل بأن تلقي الضوء على المعيقات والانتهاكات ضد السكان المدنيين.[/align]
[align=center]روايات من الحصار (1): مستشفى دار الشفاء بمدينة غزة[/align]
[align=justify]
كان معين علي محمود الوادية يعمل في حي الزيتون يوم 15 يناير 2008 عندما اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلي ذلك الحي الجنوبي بمدينة غزة. معين الوادية البالغ من العمر 48 عاماً والذي يعمل ميكانيكي سيارات حاول الهروب من القصف الإسرائيلي المكثف. ولكنه توقف لمحاولة إنقاذ مدني مصاب إصابة خطيرة، حيث حاول أن يسحب هذا المدني إلى منطقة آمنة. ولكن الأرض من تحته انفجرت.
أفاق معين في مستشفى دار الشفاء بمدينة غزة، وقد فقد قدمه اليسرى، وتهشمت قدمه اليمنى، وأصيب إصابات في البطن. يقول معين: "لدي 6 أطفال، ولا يوجد من يوفر متطلبات المعيشة لأسرتي الآن".
قتل 19 فلسطينياً في ذلك الاجتياح الإسرائيلي لحي الزيتون، وأصيب ثلاثين آخرون، منهم عدد أصيبوا إصابات خطيرة مثل إصابة معين. هذا وقد قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 71 فلسطينياً خلال الأيام التسعة عشر الأولى من العام 2008، وأصابت أكثر من 190 آخرين.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من خلال عمله كمؤسسة ملتزمة بحماية وتعزيز حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي يدين استمرار الاعتداءات الإسرائيلية العشوائية على المناطق ذات الكثافة السكانية العالية حيث لا يمكن التفرقة بين الأهداف المدنية والعسكرية. ويرى المركز بأن الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي يعتبر انتهاكاً للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين أوقات الحرب (1949). هذا الأمر يشكل خطر كبير على حياة المدنيين الفلسطينينن. يخضع معين الوادية للعلاج في مستشفى دار الشفاء، حيث يعاني الطاقم الطبي هناك من النقص المزمن للمستلزمات الطبية والأدوية والوقود. وقد وصف مدير المستشفى د. حسن خلف الوضع بأنه "مقبل على كارثة" وقال: "لا يوجد لدينا 90 صنفاً من أصناف الأدوية الـ 480 في قائمة منظمة الصحة العالمية، ومن ضمن الأصناف الـ 390 المتوفرة، لدينا مخزون لأقل من ثلاثة شهور لحوالي 130 صنف".
بعض الأدوية الضرورية مثل المسكنات القوية غير متوفرة. تقوم عائلة معين بشراء المسكنات من الصيدليات نظراً لأن المسكنات المتوفرة في المستشفى غير مجدية.
يواجه العاملون في مستشفى دار الشفاء مشاكل يومية جراء انقطاع التيار الكهربائي، الذي يمكن أن يؤدي إلى وفاة العشرات من المرضى المعتمدين على الكهرباء لتشغيل أجهزة التنفس وغسيل الكلى والأجهزة الأخرى. كما إن أي انقطاع للتيار الكهربائي عن مستشفى الشفاء سيؤدي إلى الموت الفوري لحوالي 30 مولوداً في قسم الحضانة بالمستشفى.
الحصار الإسرائيلي المشدد على قطاع غزة هو عقاب جماعي لسكان القطاع. هذا وقد أشارت منظمات حقوق الإنسان إلى أن العقاب الجماعي ضد المدنيين أمر غير مشروع وفقاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. أثّر هذا العقاب الجماعي على كافة نواحي الحياة المدنية في القطاع، بما في ذلك توفر التيار الكهربائي والدواء والمستلزمات الطبية ومواد البناء.
تقع مقابل مكتب الدكتور خلف بناية قيد الإنشاء، حيث من المخطط أن تكون قسم جراحة متطور، ولكن عمليات البناء توقفت منذ سبعة أشهر بسبب نقص الإسمنت الذي تمنعه قوات الاحتلال من الدخول إلى القطاع. وفي سياق متصل، أصدرت وزارة الأوقاف مناشدة تطالب فيها بتوفير الأسمنت اللازم لبناء القبور كي يتمكن المواطنون من دفن الموتى بالشكل الذي يتمشى مع احترام وقدسية الموتى.
تستقبل مستشفى دار الشفاء ما يقارب من 4000 مريض شهرياً، وتسعى المشفى لتحقيق التوازن بين احتياجات المرضى والمواد والمستلزمات القليلة وغير المتوقعة من حيث التوريد والكميات. يقول د. خلف: "لقد اضطررنا في الفترة الأخيرة تقليل حجم ونوع الوجبات المقدمة للمرضى. كما توقفنا تماما ًعن توفير وجبات للعاملين". هذا وتعاملت المستشفى خلال الأشهر الست الماضية مع 100 قتيل وحوالي 230 إصابة سقطوا بسبب الاعتداءات الإسرائيلية. بعض الإصابات مثل إصابة معين الوادية بها بتر وإعاقة لمدى الحياة. لكن قسم العلاج الطبيعي في مستشفى دار الشفاء لا يمكن أن يساعدهم. يقول د. خلف: "في الحقيقة يوجد شيء بسيط من خدمات العلاج الطبيعي التي يمكن تقديمها، وليس لدينا خدمات للمصابين بإعاقات دائمة".
تحدث معين الوادية عن إصابته بشيء من التجرد قائلاً: "نزفت كثيراً. رأيت أجساد تتطاير وتتقطع. هذا قدري. قلقي الوحيد على أسرتي حيث أنني الوحيد الذي أعيلها".[/align]
يتبـــــع>>>