عند مداخل الوطن العربي الغارق بعرقه ورائحته الخاصّة، تشهق القصيدة وتقف هناك دهراً من الزمن قبل أن تغامر بالعبور. الأحرف الأولى تصادَرُ عند الأكشاش القابعة في مداخل الموانئ والمطارات. يتأملها القادة العسكريون المدجّجون بالأتراس والخوذ الفولاذية. يتأمّلون عجز البيت ثمّ يقذفون به الى قسم الجمارك والمراقبة والتحقيق والرقابة. من كتب القصيدة بأقلامٍ مكسّرةٍ عند مداخل الليل فليرفع يده عالياً؟ لا أحد ..
تُعلّبُ القصيدة بأوراق القصدير وتوضع في أفران الغاز حتّى تفوح رائحة الشواء الشهيّة، ثمّ تقدّم على طبقٍ من ذهب الى عشّاق الشعر المعلّب. كُثُرٌ هم عُشّاقُ الحريق في المطهر .. وكأنّي "بدانتي" يعيد قراءة الكومويديا ثانيّة. وما تزال القصيدة تحاول أن تتحرّر من قيود الأبجديّة. تتقمّص دوراً أجنبياً حتّى تتمكّن من النفاذ الى عقر الدار لتلقي التحيّة على الكرم المعلّق فوق الأحلام وتمضي الى حواكير الفقّوس المنبسطة في أصل البيت.
من أين لك كلّ هذه الأجنحة؟ هذا مخالفٌ للقانون في زمن السكينة. المعذرة .. جناحٌ واحدٌ يكفي، وستطيرين مجنّحة متأرجحة، إنها القصيدة السكرى لا تغني ولا تسمن من فِكْر. إنها القصيدة المقلّمة الأضافر، لا تؤذي أسياد الأمّة ورجالات القصور الشامخة في وجه الشعب. حمّى القصيدة يتوالى ولا طبيب يخلّصها من آلامها وعذابها. إنهم يقتلون الشعر المجنّح يا سيدتي .. ولا أملك اليوم سوى تقبيل يديك وطلب المغفرة من امرؤ القيس وعنترة. لعلّهم يبحثون عن لغة أخرى لإستعادة شيئ من معاني العشق والفخر الذي أودى بالمتنبّي في عمق البيداء!.
عند مداخل الوطن الغارق بتصفية حسابات داحس والغبراء، والى اللحظة يعتدّ بقدرته على الثأر من أصل الحروف والشرف المتطاير على ضفاف نهر الأردن والفرات. لا تكن أغرّاً .. لا تمتطي الموج العابر للقارات. لونك الأسمر، الوَلَهُ والعشق في عينيك وسنوات الكبت ستكشف كلّ أسرارك. احمل قصائدك الى عناصر الدرك وأخبرهم بأنّك أرضعت القصيدة لبن الطاعة .. لا تخشى لومة لائم، فقد أصبحت الخيانة هدفاً سامياً يحتاج الى موهبة!.