رحلة رقم 001 الحلقة الأخيرة
موظف الأمانات: بقيت ساعة واحدة فقط حتى منتصف الليل.
نظر إليّ الموظّف مطوّلاً. في تلك اللحظة شعرت بأن هناك أعين كثيرة تراقبني وترغب معرفة خطوتي التالية. ذهبت لموظف الأمانات، قدمت له القسيمة وطلبت حقيبتي. ذهب إلى عمق المستودع وأحضرها جرّاً، ناولني إيّاها بصمت وهزّ رأسه مطوّلاً.
موظف الأمانات: أنت مقامر! يمكنك العدول عن ذلك.
خيري حمدان: لا يا عزيزي .. لقد حسمت أمري على السفر. لن أعدل عن هذا القرار مهما حدث، حتى وإن صعدت لوحدي إلى القطار.
موظف الأمانات: وهذا ما سيحدث في نهاية المطاف. هناك عدّة تذاكر قد بيعت لكنك الوحيد الذي سيصعد إلى القطار.
خيري حمدان: فلتكن مشيئة الله.
موظف الأمانات: أمركم عجيب أنتم الشرقيون، تورطون الله في كل معاملاتكم. يكفي أن تُتْلِفَ التذكرة وتنتهي المعاناة. معاناتنا جميعا. الفنيون وقادة القطار وأنت .. جميعنا سنشعر بالسكينة إذا لم تنجح هذه الرحلة المستحيلة.
تبدأ ساعة الحائط الثقيلة تدقّ بصوت مرتفع ومرعب. لم يبق على منتصف الليل سوى القليل. ركن رجل الأمن وجهه على يده وتدلّى من الطابق العلوي ليراقب مستجدّات الأحداث. لم يبقَ في صالة الانتظار الكبيرة سواي. جميع الركّاب كانوا قد التحقوا برحلاتهم السابقة. الكلب بدأ ينبح في الخارج. كان الجوّ بارداً جاداً وصوت الرياح أخذ يصفر مهدّداً بموجة بردٍ عاصفة جديدة. حملت حقيبتي وتوجّهت نحو الباب الخارجي الذي كان يؤدي لرصيف حافلات القطار.
اصطفّ الموظّفون على جانبي المخرج، رفعوا قبّعاتهم في انتظار مغادرتي المكان. الساعة تدق معلنة اقتراب ساعة الفراق والقطار أطلق العنان لصفارته المدوّية. حاذرت ألا أنظر للخلف، لكنّ عينيّ كانتا تودّعان ذلك المكان الفيصل، والذي وجدت نفسي فيه في غفلة من الزمن.
خيري حمدان: لتكن مشيئة الله .. وداعاً. أنا مسافرٌ إلى هناك.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|