كسرة زجاج ( قصة قصيرة )
د. ناصر شافعي
بدأت المعركة غير الشريفة .. كل منهما يمسك بسيف الشر . كل واحد يطمح في القضاء على غريمه المفترض , و الحصول على المراد , والفوز الهزيل الخاسر المُهين . الحكم بينهما الأم .. ينفطر قلبها حزناً و لوعة , وتبذل كل جهد جسدي و عقلي و عاطفي لوقف النزال . أحدهما يمسك سيف الرغبة و الإحتياج و الإدمان .. والآخر يملك سيف القوة و الرفض و التحكم و السيطرة .
الأول , يتطاير الشر القاتل من عينيه , ينظر إلى أخيه نظرة عنف و جرم و تحدي .. تنطلق قذائف كلمات التهديد و الوعيد و الرفض . يهدد أخيه و يتوعده بجزء من لوح زجاجي مكسور , في يد .. وخنجر رخيص مسنون في اليد الأخرى . يبرهن علي قدرته في التحدي وعدم المبالاة , و رغبته الحقيقية الصادقة في قتل أخيه , فيقذف بقطعة الزجاج المكسور تجاهه ..
تتحول إلى شظايا وفتات من كسر زجاج , بعد إرتضامها بالحائط .
الثاني , يتفادي الإصابة بالصدفة , ويندفع ليضرب بقبضة يده القوية وجه أخيه , فتصيب الهدف بنجاح . ينزف أنف الأخ بغزارة .. وينزف قلب الأم ألماً بحرارة . . وتزرف عيونها أنهاراً من الدموع . وتقف حاجزاً , حائلاً بين الأخ و أخيه , حتى لا تتكرر مأساة بداية البشرية و الصراع القاتل . كلما تنطلق كلمات الأم ولعناتها على الإدمان و الهيرويين و الكوكايين , كلما تزداد ثورة الهياج و العنف و التدمير .
في لحظات , تحولت الثورة الكلامية و العنف اللفظي اللاأخلاقي إلى معركة يدوية وحربية ضارية شرسة , يستعمل فيها كل ما تقع عليه العيون , وكل ما تصل إليه الأيادي , وكل ما تناله النفوس المتعطشة للفوز الخاسر ! . . يغيب صوت الحكمة و العقل , ويرتفع صوت الجنون و الرغبة . تتحطم النوافذ و الأبواب و الأثاث , وتتناثر الدموع و العرق و الدماء . تتعالى أصوات وعويل و صرخات الإستجداء و النجدة من النساء , وبكاء الرعب والهلع و الفزع من الأطفال .
فجأة .. يهدأ كل شئ , وتنهار القوة والبطش و العنف والجنون , مع إرتفاع صوت آذان الفجر الحنون , الذي يكتم و يُخرس الكلمات و الأفعال , بسحر بالغ عجيب : " الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله " . يسقط قناع الشر خائراً على الأرض , يرتعد و يرتجف و يرتعش !!
تهرول الأم , ثم تعود حاملة إناء الماء البارد . يغسل الأخ وجه أخيه. ويخلع عنه ثيابه الملطخة بالدماء .. يمسح على وجهه و جسمه بماء الوضوء .. ويستغفر الله .
يمر شهر كامل على الحادثة .. الأول يعود من مصحة علاج الإدمان .. و الثاني يدعو له بالشفاء .. و الأم تصلي من أجلهما . يجلس جميع أفراد الأسرة على مائدة العشاء , يتسامرون و يتضاحكون .. ولا يذكرون شيئاً عن الأحداث المؤسفة السابقة . ينحني الأخ ليلتقط قطعة صغيرة جداً من كسرة زجاج .. يلوح بها لأخيه .. ويبتسم ...... يتعانقا .
إنتهى
د. ناصر شافعي 7 يونية 2009 . حقوق النشر محفوظة .