التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,863
عدد  مرات الظهور : 162,375,146

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > هيئة النقد الأدبي > نقد أدبي
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 26 / 06 / 2009, 14 : 03 PM   رقم المشاركة : [1]
يوسف سامي اليوسف
ناقد ومترجم

 الصورة الرمزية يوسف سامي اليوسف
 




يوسف سامي اليوسف is on a distinguished road

الأدب والخيال

[align=justify]
ربما حالفني السدادإذا ما زعمت بأن الأدب، بل الفن بعامة، لا يسعه البتة أن يعرف دربه إلى الوجود مندون عنصر الخيال، الذي يضفي عليه نكهة خاصة تجعله أدباً بالفعل، وفي الحق أنه ما منأدب جيد إلا وهو نتاج لتضافر الخيال والواقع، أو لتجادل العالمين الداخلي والخارجي،فمما هو بديهي أن على الكاتب، أكان مباشراً أم رمزياً، أن يتخيل الحدث والشخصيةالتي تمارس الحدث، وكذلك الظرف الخارجي الذي تتحرك فيه الشخصية وأفعالها وجملةوجودها، فمن المحال أن تظهر على المسرح شخصية مثل هاملت من دون خيال فذ يملك أنينسجها على هذا النحو الباهر ويصدق الرأي نفسه كذلك على جميع الشخصيات في عالمالرواية والمسرح في آن معاً.
ومع ميلي إلى الظن بأن الخيال كثيراً ما يتحركمستجيباً لإرادة الشعور الوجداني والحاجات النفسية، فإنه يظل يتمتع بحد ليس بالطفيفمن حدود الاستقلال النسبي والعمل لحسابه الخاص، ولكن النتيجة الحتمية لحركتهوفاعليته هي ريادة عوالم لا وجود لها قبل التخيل، وهذا يعني أنه يتجول في أكوانعالية يخلقها لكيلا تتخثر الروح بين الجمادات، ولهذا السبب، قد يجوز الزعم بأنالسمة الأولى للنص الأدبي هي الإمتاع الذي يأتيه بفضل جودة الخيال المنبث في نسيجه،والمتفاعل مع الوجدان الباطني في الوقت نفسه، وههنا يملك المرء أن يفهم لماذا كان «ألف ليلة وليلة» واحداً من أكثر الكتب رواجاً في العالم كله.
فالصفة الأولىللأخيولة أو للصورة الخيالية هي أنها ليست عنصراً في بنية الواقع الخارجي، بل لاوجود لها البتة إلا داخل فسحة الظن وحده، حتى وإن كانت تومىء من بعيد أو من قريبإلى شيء عيني مهما يك نوعه، وهي ليست أدباً إلا أنها ظنية أو احتمالية، ولو كانتيقينية لما عدها الذهن شيئاً آخر سوى صنف من أصناف العلم.
ولكن ما هو جديربالتنويه أن الإفراط في الخيال من شأنه أن يعطب النص الأدبي، تماماً كما أن نقصهيفضي إلى النتيجة نفسها حتماً، فبينما ثلبت الرواية العربية نفسها بشدة رغبتها فيالتحول إلى صنف من أصناف علم الاجتماع، أي بشدة ميلها إلى الواقعية النثريةوالابتعاد عن الخيال، فإن الشعر العربي الحديث قد ثلب نفسه، ولكن بطريقةمغايرة.
لقد عطب نفسه بالإفراط، فالشعر هو الوجه اللا عملي للغة، وهو وجه ديموميمثل وجهها العملي سواء بسواء، وهذا يعني أنه خيال، بل إن الخيال في الشعر أكثرحضوراً من الخيال في الرواية والقصة والمسرحية، ولكن الشيء إذا زاد عن حده نقص، ففيالحق أن الشاعر العربي الحديث كثيراً ما ضل السبيل، فأوغل بعض الشعراء، بل نفر ليسباليسير منهم، في الأدغال الشبحية بدلاً من التوجه صوب الصور النفسية الرفيعة، وهذايعني أنهم قد ضاعفوا جرعتهم الخيالية فقضت عليهم، تماماً كما قضى الإسراف فيالواقعية اللا شعرية على الكثير من الروايات العربية.
إذاً، لابد للشاعر، إذا ماأراد أن ينجح، من أن يزج بذهنه في عملية الإبداع، وذلك لكي يضبط خياله ويمنعه منالإفراط في التدخل أثناء الابتكار، وإلا فإن النتيجة الحتمية لن تكون سوى عكسالمطلوب.
لعل من شأن التجربة اليومية أن تقنع أهل الحصافة بأن الضحالة هي الصفةالأولى لشخصيتنا العربية في هذه الأيام، فهي تفتقر إلى الحيوية والتدفق، بل هيمصابة بالفجاجة وقصر الشوط، أو لعلها لا تطيق بذل الجهد الكبير، وعندي أن مصيرالأمم منسوج في شخصياتها، وليس في اقتصادها، كما زعمت بعض المدارس الحديثة، وبوسعالمرء، إذا ما شاهد مباريات كرة القدم، أن يلاحظ ما فحواه أن الجسم العربي مصاببقصور ليس بالطفيف، ولكن ما هو أهم من ذلك أن خيالنا مشكوم أو مقموع بلائحة طويلةجداً من المحرمات أو من النواهي الجازمة.
وفي تقديري أن أزمة أدبنا العربيالحديث، ولا سيما فن الرواية، تتبدى في السطحية، أو في الحاجة إلى النضج والعمق،ولا ريب عندي في أن هذه المثلبة هي نتاج لنقص في الطاقة الخيالية الصانعة للمزية أوللجودة.
ولئن فحص الخيال في الشعر الذي كتبه شعراء الحداثة عندنا، ولكن على نحوتمحيصي سابر، فإن معظمه سوف يتبدى موهوناً، أو مصاباً بالهشاشة والتضعضع، ويكابدالكثير من الضحالة وسوء الحال، ولهذا فإن عدداً لا يحصى من قصائده محروم من القدرةعلى الخلب والجذب، وكل ما لا يخلب ولا يجذب ليس أدباً بأي حال من الأحوال.
ومماهو مؤسف حقاً أنني لا أعرف من هو كفؤ للقيام بهذه المهمة، أعني تحليل الخيال الشعريابتغاء البلوغ إلى أرضية قد تساعد المرء على تحديد مستواه بشكل صائب، ولئن قيض لمثلهذا المفكر أن يكون له وجود فعلي، فإنه قد لا تكون له مكانة إلا على حاشية السياقالعام للثقافة والحياة معاً، وذلك لأن النسق الفاعل لا يسمح بالظهور إلا «لأنصافالأنصاف»، على حد عبارة نيتشه.
ولعل في ميسور المرء أن يؤكد دون مجافاة للصدق أنثمة صنفاً من أصناف الكراهية يكنها الأغبياء للأذكياء، ولا سيما للموهوبين والنوابغالقادرين على ممارسة الفعل الأصيل، الذي لا يقدر عليه سوى النفوس المطهمة وحدها،فلقد صار طعم الموهوبين مراً كالعلقم في أفواه الغالبية العظمى من الناس.
وممالم يعد خافياً على أحد أن الكتابة العربية في هذه الأيام قلما تنم عن أي توظيفاستثنائي للغة، التي هي نسيج النص الأدبي سداة ولحمة، والتي إذا أجيدت صياغتها جاءتآية حاسمة على أن الخيال يتميز بحيوية عارمة دافقة، فمما هو منطقي أن تكون الطاقةالخيالية متينة الارتباط بالأسلوب أو بمستوى اللغة التي ينسج بها الكاتب الأدبينصه، الذي تتناسب قيمته تمام التناسب مع قيمة اللغة وكيفية بنائها، وذلك لأن افتحالالكلام الأدبي ثمرة لافتحال الخيال، وافتحال الكلام الفكري ثمرة لافتحال العقلالمتذهن الباحث عن الحقيقة في صلب الواقع.
وما لم يتمكن الكاتب الأدبي من أنيجعل القارىء يميزه من أسلوبه الخاص، فإنه لا يعد كاتباً أصيلاً بتاتاً، ولهذا يجوزللمرء أن يعرّف الأسلوب بأنه الحيازة الخاصة لما هو عام، أعني التماهي الفردي معاللغة، التي هي إنجاز جمعي.
إذاً، لا يكفي أن تعرّف الأسلوب بأنه فن إدارةالكلمات، وذلك لأنه ينبغي أن ينطوي على التفرد والتميّز.
فمما هو بديهي أنمحتويات الخيال لا تملك أن تظهر إلا داخل شكل فني يتوجه صوب المتلقي بغية الاستيلاءعلى شعوره من خلال المناخ العام، الذي تخلقه اللغة بواسطة أسلوب فني فعال.
ولعلفي الميسور القول: بأن لغة المياومة، وهي التي من طبعها أن تنم عن خيال ضحل، قدأخذت تهيمن على معظم النتاج الروائي في العالم العربي خلال الفترة الأخيرة، بينماراحت لغة تهويمية ناشفة تشبه الرطانة، بل تشبه العجمة، تسيطر على معظم الشعرالراهن، ولهذا فإن من الجائز أن يقال: بأن صنفاً مؤكداً من أصناف الانحطاط الجديدقد «أردف أعجازاً وناء بكلكل »، على حد عبارة امرىء القيس.
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
يوسف سامي اليوسف غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الحقيقة والخيال ليلى مرجان الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. 6 25 / 07 / 2022 21 : 07 PM
تفسير الأحلام بين الواقع والخيال عبد الوهاب الريس الإعجاز.القرآني.والمناسبات.الدينية والمناظرات 0 04 / 06 / 2014 04 : 08 PM
فى رقة الحلم والخيال محمد جادالله محمد قصيدة النثر 0 25 / 04 / 2012 51 : 07 AM
الحب عن طريق النت .. بين الواقع والخيال مرفت شكري نورالأسرة، التربية والتعليم وقضايا المجتمع والسلوك 18 01 / 08 / 2009 22 : 09 PM
هذيان في الحب والخيال عمران الشيخ الخاطـرة 0 08 / 10 / 2008 29 : 01 PM


الساعة الآن 03 : 01 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|