الشعر والشعر الجميل
كثيراً ما نتحدث عن الشعر، وكثيراً ما يدور حوارنا حول الشعر، ودائماً نعود إلى الشعر لنشرب منه ونطرب، مصرين على أنه سيد الكلام دون منازع.. لكن ألا نسأل: لماذا هذا الهجوم الغريب العجيب على الشعر؟؟.. ولماذا يدير الجمهور ظهره للشعر ويعرض عن اقتناء الدواوين؟؟.. أليس من المفترض أن يعطي الجمهور اهتماماً خاصاً للشعر ما دام الشعر في داخل كل واحد منا، وهل من المبرر، مهما كانت الحجج، أن نترك الشعر مهجوراً وكأنه صار من بقايا عصور غابرة؟؟..
باعتقادي، وهو اعتقاد مبني على خبرة وملاحظة سنين، فإن أكثر من يكتبون الشعر الآن غريبون عن الشعر، ولا علاقة لهم بما يريده الشعر من رقة في المشاعر وعلو في اللغة وجمال في التعبير.. ومن جهة أخرى، فقد صار عدد الشعراء أكثر من عدد قراء الشعر، وهذه مصيبة، إذ كيف يحق لهؤلاء أن يدخلوا عالم الشعر والشعر منهم براء؟؟!!.. هنا نضع اللوم كل اللوم على النقد، وللحقيقة التي لا مراء فيها، فالنقد عندنا صار غريب الأطوار والأحوال، وكأنه وظف بين ليلة وضحاها، ليكون أي شيء، إلا النقد..!!.. ومن ألفباء النقد أن يشير إلى الجيد داعياً إلى ضرورة تعميمه، وأن يشير إلى السيء داعياً إلى ضرورة استبعاده وتهديمه.. لكن في برهة الغياب الطويلة للنقد، صار الكثيرون مسكونين بجرأة، وأي جرأة، للقول إنهم شعراء.. والويل لك إذا نصحت أحدهم قائلاً: أين الشعر فيما تكتبون، بالله عليكم دعوا الشعر واكتبوا أي شيء آخر..!!.. وإذا سألته أين قراؤك ولماذا لا نجد من يأتي لسماع شعرك حين تقيم أمسية ما؟؟ يقول وبشكل غريب عجيب: الجمهور لا يستوعب قيمة شعري، وسيكون شعري للزمن القادم مثالا يحتذى!!.. يا سبحان الله..!!..
نعترف، وهذا ليس سراً من أسرار الكون، أن عدد الشعراء النجوم في كل عصر، وفي كل زمان ومكان، لا يزيد عن خمسة شعراء في أحسن الأحوال.. هذا شيء طبيعي.. ولا أحد ينكر أن هناك نجوماً للشعر في عصرنا يجعلون الجمهور يأتي من كل مكان، وأستبق فأقول: ليس حضور الجمهور دليل تميز دائماً، وليست النجومية كذلك.. لكن لا أحد يستطيع أن يجادل حين نذكر الراحل نزار قباني، ومحمود درويش وسميح القاسم، فهؤلاء يملكون النجومية والتميز بجدارة.. ومن يريد أن يجادل في ذلك، فإنما يعرف في قرارة نفسه أنه غير قادر على تغيير هذه الحقيقة.. لكن عندما نتجاوز هؤلاء لنتحدث عن النجومية والتميز، فلا بد أن نأخذ نفساً طويلاً، ونفكر بدل المرة، ألف مرة.. لماذا؟؟..
لا شك أن هناك شعراء جيدين في زمننا وعصرنا، لكن النجومية والتميز شيء والجودة شيء آخر.. قد يكون الجيد قليل، لكن موجود.. ثم تكر حبات السبحة لنقع على شعر وشعراء كغثاء السيل لا طعم لشعرهم ولا رائحة.. وللأسف، ما أكثر ذلك، حتى كأن ميزة الشعر الحديث أو المعاصر، إنما هي كثرة الشعر السيء.. وإذا أردنا أن نخوض في ذكر الأسماء فلا بد أن نخسر من الأصدقاء الكثيرين!!.. ولا بد أن نثير شهية الأكثر والأكثر لسن السكاكين من أجل شن الهجوم.. فهؤلاء بما أنهم لا يحسنون كتابة الشعر، مفطورون على صب الشتائم بالجملة.. لكن أيعني ذلك أن نقف مكتوفي الأيدي؟؟..
للأسف، ونقولها بمرارة، يبدو أن طوفان السطحي والسيء يأخذ كل شيء في طريقه، وهو أمر يحز في النفس ويوجع الروح، لكن ما العمل أمام كل هذا الهجوم الغريب للسطحي والسيء؟؟.. ربما، نقول ربما، أملنا يبقى مرتبطاً بتضافر الجهود من أجل سيادة الشعر الجميل.. وربما، نقول ربما، يبقى أملنا معقوداً على أن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة.. فهل نصل إلى بر الأمان ليكون الشعر في حال أفضل من الحال الراهن؟؟ نقول ربما..!!..
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|