سئل عبد الله بن عمر ، عن المروءة والكرم والنجدة. فقال : أما المروءة : فحفظ الرجل نفسه ، وإحرازه دينه ، وحسن قيامه بصنعته ، وحسن المنازعة ، وإفشاء السلام ، وأما الكرم : فالتبرع بالمعروف ، والإعطاء قبل السؤال ، والإطعام في المحل. وأما النجدة : فالذب عن الجار ، والصبر في المواطن ، والإقدام على الكريهة.
وفي رواية أخرى ، أن معاوية قال في مجلسه يوماً لمن حضره : من يخبرني عن المروءة والجود والنجدة ? فقال عبد اللّه بن هاشم بن عتبة ، وكان بعده عفوه عنه يحضر مجلسه : قال : يا أمير المؤمنين! أما المروءة فالصلاح في الدين ، والإصلاح في المال ، والمحاماة عن الجار. وأما النجدة فالجرأة على الإقدام ، والصبر عند ازورار الأقدام.
قال طلحة بن عبيد اللّه : جلوس الرجل ببابه من المروءة ، وليس من المروءة حمل الكيس في الكم.
سئل الأحنف عن المروءة ، فقال : التفقه في الدين ، وبرّ الوالدين ، والصبر على النوائب.
ويروى عن الأحنف أيضاً أنه قال : لا مروءة لكذوب ، ولا أخ لملول ، ولا سؤدد لسيئ الخلق.
سئل ابن شهاب الزّهري عن المروءة ، فقال : اجتناب الريب ، وإصلاح المال ، والقيام بحوائج الأهل.
سئل إباس بن معاوية عن المروءة ، فقال : أما حيث تعرف فالتقوى ، وأما حيث لا تعرف فاللّباس.
وقال الزهري أيضاً : الفصاحة من المروءة.
قال إبراهيم النخعى : ليس من المروءة كثرة الالتفات في الطريق.
قال غيره : من كما المروءة أن تصون عرضك ، وتكرم إخوانك ، وتقيل في منزلك.
قال منصور الفقيه :
من فارق الصبرّ والمرو
ءة أمكن من نفسه عدوّه
قال ربيعة بن عبد الرحمن : للسفر مروءة ، وللحضر مروءة. فالمروءة في السفر : بذل الزاد ، وقلة الخلاف على الأصحاب ، وكثرة المزاح في غير مساخط اللّه. المروءة في الحضر : إدمان الاختلاف إلى المساجد ، وتلاوة القرآن ، وكثرة الإخوان في اللّه عزّ وجلّ.
وفي رواية أخرى عن ربيعة أنه قال : المروءة ست خصال : ثلاث في الحضر ، وثلاث في السفر ، فأما التي في السفر : فبذل الزاد ، وحسن الخلق ، ومداعبة الرفيق. وأما التي في الحضر ، فتلاوة القرآن ، ولزوم المساجد ، وعفاف الفرج.
قيل لبعض الحكماء : من يجب لذى المروءة إخفاء نفسه وإظهارها ? قال : على قدر ما يرى من نفاق المروءة وكسادها.
كان يقال : صن عقلك بالحلم ، ومروءتك بالعفاف ، وبجدتك بترك الحياء ، وجهدك بالإجمال في الطب.
أخبرنا عيسى بن سعيد ، حدثنا مقسم ، حدثنا أبو بكر محمد بن حمدان ،حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد اللّه بن العباس بن عثمان بن شافع بن السّائب ، عن عبد يزيد بن هشام بن عبد المطلب بن عبد مناف ، قال : حدثني عمي عن إبراهيم بن محمد بن العباس ، قال : سمعت سفيان بن عيينة ، وقد سئل عن المروءة ماهي ? فقال : الأنصاف من نفسك ، والتفضل على غيرك ، ألم تسمع قول اللّه تعالى " إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان " لاتتمّ المروءة إلاّ بهما ، العدل هو الإنصاف ، والإحسان التفضل.
روى عن الفضيل بن عياض رحمة الله ، أنه سئل عن الرجل الكامل التام المروءة فقال : الكامل من برّ والديه ، ووصل رحمه ، وأكرم إخوانه ، وحسن خلقه ، وأحرز دينه ، وأصلح ماله ، وأنفق من فضله ، وحسن لسانه ، ولزم بيته.
قال الشاعر :
إذا الفتى جمع المروءة والتقـى
وحوى مع الأدب الحياء فقد كمل
قال رجل من بني قريع :
إذا المرء أعيته المروءة ناشئاً
فمطلبها كهلا علـيه شـديد
قال جعفر بن محمد : لا هين لمن لا مروءة له.
قال أحمد بن العدل : زعموا أن الأحنف بن قيس لم يسمع له شعرٌ غير هذين البيتين ، وهما :
فلو مدّ سروى بمال كثير
لجدت وكنت له بـاذلا
فإنّ المروءة لا تستطاع
إذا لم يكن مالها فاضلا
وقال آخر :
رزفت لباً ولم أرزق مروءته
وما المروءة إلا كثرة المال
إذا أردت مساماة تقعـدّنـي
عما ينوّه باسمى رفةالحال
وقال منصور الفقيه :
كلّ من فارق المروءة عاشا
ونمـا وفـره وزاد رياشـا
وأخو الفضل والمروءة والدّي
ن مقلٌ أموره تـتـلاشـى
وقال سفيان الثورى : من لم يحسن يتقرّا.
ذكرت الفتوة عند سفيان رحمه اللّه ، فقال : ليست بالفسق ولا الفجور ،ولكن الفتوة كما قال جعفر بن محمد : طعام موضوع ، وحجابٌ مرفوع ، ونائل مبذول ، وبشر مقبول ، وعفاف معروف ، وأذى مكفوف.
قال محمد بن داود : من كان ظريفاً فليكن عفيفاً ، وأنشد لا بن هرمة :
ولرب ليلة لذة قد نلتهـا
وحرامها بحلالها مدفوع
وقال صريع الغواني :
وما ذمى الأيام أن ليست حامداً
لعهد ليلليّ التي سلفت قبـل
ألا رب يومٍ صادق العيش نلته
بها ونداماى العفافةوالبـذل
وقال منصور الفقيه :
فضل التقى أفضل من
فضل اللّسان والحسب
إذا هما لم يجـمـعـا
إلى العفـاف والأدب
وقال آخر :
وليس فتى مـن راح واغـتـدى
لشرب صبوح أو لشرب غبـوق
ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى
لضرّ عدوّ أو لـنـفـعصـديق
وقال جحظة :
ألا يأهل بـغـداد جـمـيعـاً
عصيتم في المروءة من براكم
تذمون الزمان بـغـير جـرمٍ
وما بزمانكم عيبٌ سـواكـم