عبد المعين الملوحي وشظايا من تداعيات
[align=justify]
ربما من حسن حظ الواحد منا أن يعرف عن قرب كاتبا شاعرا وموسوعيا ومترجما مثل الأديب الراحل عبد المعين الملوحي .. وإذا كانت الصحافة – وهي عادة صحافتنا العربية – قد راحت تدكّ المعلومات عن الرجل ، بشكل صحيح أحيانا ، وبشكل فيه من الاجتهاد الشخصي البعيد عن الحقيقة ما فيه أحيانا أخرى ، أو الأخذ عن مصدر واحد مما يجعل الملومات أو الكتابات التي يفترض أن تكون زوايا أدبية ، منسوخة مكررة متشابهة !!.. مع أن عبد المعين الملوحي كان بين ظهرانينا حتى 21آذار 2006. . وهو الرجل المدقق الممحص الذي ما كان يترك شاردة أو واردة عنه إلا ويوثقها، وكثيرا ما كان يطلب مني بأسلوبه المحبب المدهش مساعدته في البحث عن معلومة أحار في النبش عن مصدرها ليقول لي بعد أيام انه وجدها .. مما يؤكد أن المعلومات عن الرجل متوفرة في أكثر كتبه وبتدقيق لا مجال معه للخطأ .. ولا ننسى انه كتب سيرة حياته في مجلدين تحت عنوان " شظايا من عمري / سيرة ذاتية " ج1ثم ج2 .. وهما يحتويان على كل الخطوط التي نريدها عنه ، هذا إضافة إلى 99 كتابا منشورا له في الترجمة والتاريخ والتوثيق والشعر والنقد .. وفوق كل ذلك قرب بيته منا جميعا في دمشق وترحيبه المشهود له بكل من يزوره وفرد المعلومات أمام أي زائر برحابة صدر قلّ نظيرها .. كل ذلك ، ولست ادري لماذا جعلني أعود إلى الوراء سائلا : لماذا نهمل أدباءنا الكبار إلى هذا الحد ؟؟.. وننتظر الموت كي نصب المعلومات كيفما اتفق ، مع أن من نكتب عنهم اقرب إلينا زمنيا ومكانيا من أي أديب مات في بلد آخر ؟؟.. والبحث عن المعلومة ، قد لا يحتاج أحيانا لأكثر من فتح كتاب من تأليف الأديب نفسه ؟؟.. وخطر في البال خاطر يقول : إذن والأمر كذلك فما هو مقدار الصحة في معلوماتنا عن أديب مات قبل سنوات طويلة ، ولم نعاصره أو نسمع منه وعنه ؟؟. ألن نكون في واد والحقيقة في واد آخر ؟؟..
من حسنات الاهتمام بأدبائنا في الوطن العربي ، أن الفقر رفيقهم من لحظة الميلاد حتى لحظة الموت !! وإذا تكرمنا وأعطينا فكما قدمت جائزة العويس للمبدع الكبير محمد الماغوط وكأنني أسمع صوت صباح تقول بعد أن انتظرت قطعة القماش كثيرا على أن يتحسن الموسم – في مغناة لها – وبعد أن تأتي قطعة القماش في زمن متأخر نسمع حريق صوتها قائلة " اتأخرت كتير يا موسم حتى اجيت "!!.. مع أننا ويشهد الله كرماء ، بل في غاية الكرم ، مع مبدعين وعباقرة كبار وهم في عز الشباب ومنهم " معبودة الجماهير " نانسي عجرم ، وهيفاء وهبي وأليسا ولا ادري من من هذه الأسماء التي تطلع علينا كل يوم ، لنسمع أن دقيقة الإعلان لواحدة منهن ، أو لواحد منهم لا فرق ، بمليوني دولار .. يا سبحان الله ، هل هناك كرم حاتمي أكثر من هذا الكرم ؟؟!!.. وكنت في سنوات مضت على قرب شديد من الدكتور بديع حقي ، والأديب سعد صائب ، والشاعر حسن البحيري ، والأديب نصري الجوزي ، والشاعر عبد الوهاب البياتي ، وكلهم رحلوا كبارا في الأدب والعمر ، وما وجدوا من الاهتمام الإعلامي أو الأدبي أو المادي ما يساوي واحدا بالمائة من أهميتهم .. وطبعا تغص بقية البلدان العربية بمثل هذه الاحتفاءات المعدومة بأدبائنا الكبار، وكأننا امة لا علاقة لها بالثقافة ، وأمة لا علاقة لها بالثقافة أمة تمضي نحو الهاوية !!.. مع أننا – وما أكثر أصحاب الملايين والمليارات – مستعدون لصرف أرقام خيالية من أجل راقصة أو مطربة لا تبقي على جسدها أكثر من ورقة التوت .. وإذا انتفخنا تباهيا للاحتفاء بالأدب فلا بد أن نخضع ذلك لمعايير أقل ما يقال فيها إنها معايير تافهة !!.. وإذا أخذ أحد أدبائنا جائزة نوبل – طبعا الوحيد المقصود أديبنا الكبير نجيب محفوظ- تروح أقلامنا في اختراع ما نشاء من اتهامات ما انزل الله بها من سلطان ، وكأن واحدا مثل هذا العبقري لا يستحق جائزة نوبل ، أو كأننا ننكر على أنفسنا أن يستحق واحد من كبار أدبائنا هذه الجائزة .. ونحن نعي ونعرف أن كثيرين من أدبائنا الكبار حقا وفعلا يستحقون هذه الجائزة دون جدال .. فلماذا نصاب بعسر الهضم حين يكون التكريم لأديب ينير العقول ، بينما نصاب بالإسهال والإسهاب وما شئت من ألوان السخاء عندما تقفز الأموال والجوائز لمطربات وراقصات ومتعريات .. ومن المضحك المبكي أن نكون حتى في الدين متجرئين على أديب مثل نجيب محفوظ لنكافئه بطعنة غادرة بسكين حمقاء !!.. بينما الشاشات العربية تصدر كل يوم ما هب ودب من ألوان العري والتعري الفاضحين ، وربما خرج في فترات بينهما من يقدم النصائح الدينية عن عذاب القبور !!.. ويشهد الله أن هذه القنوات قد حيرتنا وأربكتنا وضيعتنا ، فالداعية الإسلامي ممثل أو ممثلة أو راقص أو راقصة في الأمس !!.. والمحلل السياسي الذي يسأل في اخطر الأمور مذيع أو مذيعة !!..
لا أحد يعترض ويقلل من قيمة احد !.. فلسنا أوصياء ولن نكون على أي شيء .. لكن احترموا أهل الاختصاص أولا ثم وزعوا ما تبقى على من شئتم .. احترموا عقول الناس وأعطونا ما يرفع من أذواقهم وبعدها افعلوا ما شئتم .. احترموا أدباءنا الكبار وأعطوهم ما يستحقون من اهتمام كي نكون امة تحترم ذاتها وثقافتها ومبدعيها وبعدها بلطوا البحر إن شئتم ..
هل كل ذلك ما أريد قوله على هامش رحيل أديب كبير مثل عبد المعين الملوحي ؟؟.. ربما في البال أكثر بكثير .. والعتب علينا كبير نحن الذين نعمل في الصحافة ، حين نترك أدباءنا ومفكرينا عندما يكبرون أسرى بيوتهم دون اهتمام أو سؤال أو حتى اطمئنان بالهاتف !!.. ولا داعي لفرد وجع وألم الكثير من هؤلاء حين كانوا يفتحون قلوبهم ويشتكون من تركهم هكذا دون كلمة واحدة من أي شخص .. وأحدهم قال لي : كانوا يأتون زرافات ووحدانا حين كنت قادرا على الذهاب والإياب .. وعندما أقعدني المرض وصرت بحاجة للحديث ، مجرد الحديث ، مع أي شخص ، طار الجميع وبقيت وحيدا كما ترى ..
رحم الله الأديب الكبير والصديق الثر العطاء أستاذنا عبد المعين الملوحي .. رحم الله كل هؤلاء الكبار الذين شربوا قهوة الروح ورحلوا .. ورحم الله مصيرنا في بلاد العرب أوطاني إن بقينا مع ثقافتنا على هذا الشكل من التعامل الأهوج الأعرج !!..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|