[طلعت سقيرق]

[align=justify]
أن تضع بصمتك الفنية الكبيرة في الحياة مؤثرا ومعلما ومضيفا إلى مسيرة العمر ، فهذا شيء رائع لا ينكر ، ويبقى في سجل الأيام لأنه نوع من إغناء مسيرة الإنسانية برمتها .. ولا نستطيع أن نتجاوز أي عطاء باستهانة أو عدم تأكيد على أنّ من يعطي خلاصة تجربة وسموّ فكر ونضارة إبداع، إنما هو في كل الحالات بصمة وهبتنا إياها الدنيا لتغنينا وتفتح أمامنا آفاق مستقبل نزداد معرفة له، وتعمقا به ، وفهما لما فيه .. والأمة ، كل أمة ، لا تقدر هؤلاء وتعطيهم حقهم من الاهتمام ، إنما هي أمة تحفر قبر مستقبلها بيدها ، وتدفن حاضرها بتفنن مثير للأعصاب .. فالفكر أو الإبداع لا يأتيان بضربة حظ ، أو جراء سحب ورقة يانصيب ..بل هناك الكثير من التعب والانتظار والسنوات التي تمر حتى يجود علينا التاريخ بهذا المبدع أو ذاك ، بهذا الشاعر أو الروائي ، بهذا الفنان الاستثنائي أو غيره ..
عندنا والحمد لله كثيرون ، بل ربما عندنا عدد يعطينا المجال لنفرح ونصفق ونعيش حالة من حالات الغبطة ..فالزمن الذي يجود كل حين بمبدع ، جاد علينا حاضرا وراهنا بكثيرين يمكن أن نرفع رؤوسنا بهم لأنهم كبار ومتميزون .. ولا يستطيع أكبر محلل سياسي أو أدبي أن يفهم سبب إدارة ظهورنا للمبدعين الكبار وكأنهم غير موجودين !!.. حتى ليكاد المرء أن يسأل : هل نحن أمة مريضة بداء النكران ؟؟أم نحن أمة تجيد قتل مبدعيها حقا؟؟.. وبعد أن تقتلهم تحتفي بهم ..وكأننا أمة تحب أن تحتفل بالموت وتحتفي به ..مع أنّ المبدع ، كل مبدع ، بحاجة لاهتمام أمته في حياته ، وليس بعد مماته ، مع أنّ هذا لا يعني أبدا أن ننسى مبدعينا الراحلين!!.. لكن لنوازن.. لنكن امة حية في قراءة حاضرنا ومعرفة قيمة مبدعينا حق المعرفة.. هؤلاء يعطون ، ويعطون الكثير الذي لا يستهان به بأي شكل من الأشكال ، هؤلاء هدية السماء للشعوب والأمم ..ومن ينسى أو يتناسى مبدعيه الكبار ، يكون مساهما في عملية قتل لا معنى لها ، لأنها قتل للشعوب وحاضرها قبل أي شيء آخر .. وكما أسلفت يكفي المبدع أن يعطي إبداعه ليكون كبيرا مستحقا للاهتمام والتكريم والاحتفاء به وبوجوده بيننا ..
فماذا نقول حين يضيف المبدع ، أي مبدع ، موقفا وطنيا أو قوميا أو إنسانيا أو حياتيا لفنه ؟؟.. ألا يكون مثل هذا الفنان والمبدع رائعا في ضرب المثل على إضافة شيء من حياته اليومية لفنه ليكون صاحب فن وموقف معا ؟؟.. هذا ما رأيته في موقف الفنان الكبير دريد لحام ، وموقف الفنان الكبير عباس النوري .. الأول ذهب إلى غزة مسجلا موقف الفنان الأصيل في وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني المحاصر، داعيا كل الفنانين إلى ضرورة الوقوف إلى جانب هؤلاء المحاصرين في غزة وقراءة معاناتهم بشكل صحيح وعمليّ .. والثاني بدعوته بل إصراره على إطلاق ندائه بأن تكون القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية والعمل من أجل ذلك .. الفنان دريد لحام وعباس النوري أبدعا فنا راقيا يسجل اسميهما في ذاكرة التاريخ لأن بصمة كل واحد منهما كانت كبيرة ، وما زال عطاؤهما مستمرا ومثمرا .. لكنهما لم يكتفيا بذلك ، لم يطلقا الكلام والشعارات ، بل عملا وما يزالان من أجل فلسطين دون كلل أو ملل ..الكبير يكبر بفنه ، ويصير اكبر بكثير من خلال مواقفه الواقعية .. لفتة ، رأيت أن أقدم من خلالها كبير تقديري وحبي لهذين الفنانين الرائعين ، فالشجر يصير أخضر أكثر عندما تشهد حياتنا مثل هذه المواقف الشامخة ..
[/align]