قافية الياء مع ألف الإطلاق
يعتبر حرف الياء من حروف العلة، ويسمى في علم الصوت بالحركة الطويلة، مثله
مثل الألف والواو، لأن هذه الحروف في كثير من الأحيان لا تظهر عليها حركة الإعراب، وخاصة
حرف الألف الذي لا يقبل بأي حركة مطلقا فقد تم التعامل معها في النطق بأساليب متعددة، منها القلب
والإعلال والإبدال في الصرف والحذف في النحو وتحريك الياء أو الواو أحيانا أخرى وخاصة في
الشعر، ولنأخذ بعض الأمثلة:
نقولُ: ضرب موسى عيسى
يعرب النحويون موسى هكذا: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة منع من ظهورها التعذر
عيسى: مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة منع من ظهورها التعذر.
وفي الحالة هذه لا يجوز تقديم المفعول به على الفاعل لاختلال المعنى بسبب عدم ظهور الحركة على آخره.
ونقول: دخل ناجي الغرفة
فنعرب ناجي: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة منع من ظهورها الثقل .
ما يهمنا هنا في هذا البحث قافية الياء التي يتبعها ألف الإطلاق في الشعر العمودي المقفى.
يقول علماء اللغة بأن الشعر تناقله العرب سماعا، فقد استظهره الرواة عن ظهر قلب؛ وذلك
لانعدام الكتابة أو لقلتها في ذلك الوقت، ووجود العديد من الشعراء الذين لا يعرفون القراءة
والكتابة، لذا عندما نقول أن الشعر سماعي، نعني بهذه الصفة أن مقياس الشعر
هو ما تسمعه الأذن وليس ما يعربه النحويون، والشاهدُ على ما أقول هو قول الشاعر الفلسطيني
الشهيد عبد الرحيم محمود في قصيدته المشهورة :
سَأَحمِلُ روحي عَلى راحَتي / وَأَلقي بِها في مَهاوي الرَّدى
فَإِمّا حَياةٌ تَسُرُّ الصَديقَ / وَإِمّا مَماتٌ يَغيظُ العِدى
يَلِذُّ لِأُذني سَماعُ الصَليل / يَهيِّجُ نَفسي مَسيلُ الدِّما
ولنأتي لتحليل القافية من حيث الحركات والإعراب فنقول
الردى : أخر كلمة في البيت الأول تعرب : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة منع من ظهورها التعذر
ونقول في كلمة العدى آخر البيت الثاني : مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة منع من ظهورها التعذر
أما كلمة الدما في آخر البيت الثالث فنعربها: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الهمزة
المحذوفة في آخره، والتي حذفت للمحافظة على القافية ، وهذا لا يجوز إلا في الشعر على ما اعتقد.
نلاحظ هنا أن القافية لم تتوحد من حيث الإعراب وحركة آخرها؛ وذلك لأن الحركة لا تلفظ هنا، أي
لا تؤثر على انتظام موسيقى القافية، فلا يُلام شاعرنا على هذا ولا يسمى هذا إقواء في الشعر، بينما
لو كانت القافية غير حرف الألف أو الواو أو الياء فيعد هذا إقواءً.
والإقواء في الشعر: هو اختلاف حركة الروي الظاهرة وليست المقدرة كما يظن البعض والدليل
ما ذكرناه سابقا في الشواهد الشعرية.
شاهدٌ آخر:
جاء في كتاب الأمالي
الشمردل يرثي أخاه:
أخ لي لو دعوت أجاب صوتي / وكنت مجيبه أنى دعاني
وقبل فراقه أيقنت أني / وكل ابني أب متفرقان
فقد أفتى البكاء عليه دمعي / ولو كنت المصاب إذا بكاني
مضى لسبيله لم يعطِ ضيماً / ولم يرهب غوائله الأداني
فلم يأخذ النقاد على الشاعر قوله في البيت الأخير الأداني رغم أنها مرفوعة بالضمة
المقدرة ولم يعتبروا أن ذلك إقواء رغم أن قافية القصيدة جاءت مكسورة.
ألف الإطلاق
تطلق الألف في الشعر بعد القافية المنصوبة بالفتحة الظاهرة في كل الحروف العربية
باستثناء حرف الألف لأنها مطلقة أصلا ولا تظهر عليها حركات .
يقول المتنبي :
تَعَرَّضَ لي السَحابُ وَقَد قَفَلنا / فَقُلتُ إِلَيكَ إِنَّ مَعي السَحابا
السحابا : اسم إنَّ منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره والألف للإطلاق
ماذا عندما تكون الياء هي الروي وتبعتها ألف الإطلاق؟؟؟
جاء في كتاب نضرة الغريض في نصرة القريض للعلوي
" ويجوز للشاعر المولّد أن يرُدّ المنقوص إلى أصله في الإعراب ضرورةً، فيضمّ الياءَ في الرفع ويكسرها
في الجرِّ، كما تُفْتَح في النصب لأنّ الضمّة والكسرة مقدرتان في الياء وإنْ سقطَتا، فيقول في قاضٍ في حال
الرفع قاضيٌ وفي حال الجرِّ قاضيٍ، غيرَ مهموز، وكذلك في
جواري وغواني. قال الشاعر:
تراهُ وقد فاتَ الرُماةَ كأنّه / أمامَ الكلابِ مُصْغيُ الخَدِّ أصْلَمُ
فضمّ ياءَ مُصغ. وقال عُبيد الله بن قيْسٍ الرُّقيّات:
لا باركَ اللهُ في الغواني هل / يُصبِحْنَ إلا لهنّ مُطَّلَبُ
فكسر الياءَ في الغواني. وقال الآخر:
ما إنْ رأيتُ ولا أرى في مدّتي / كجواريٍ يلعبْنَ في الصحراءِ
فاستعملَ ضَرورتين: إحداهما كسرُ الياء، والأخرى صرفُ ما لا ينصرف. فأما قول
الفرزدق:
فلو كان عبدُ اللهِ مولىً هجَوْتُه / ولكنّ عبدَ اللهِ مولى مَوالِيا
فتقديرُه أنه وقفَ على الياء على مذْهَبِ من يقِفُ عليها من العرب. فلما تمّ الاسمُ برجوع
لامِه امتنع حينئذ من الصّرف لأنّ وزنَه صار بالياء مفاعل بعد ما كان مفاعٍ، فلما اضطر
الى حركته لإقامة الوزن فتحه في موضع الجرّ كما تُفتحُ مساجِدُ.
فأما قول الراجز:
يحْدو ثماني مولَعاً بلِقاحِها
فإنّ الشاعر شبّه ثمانٍ بجوارٍ لفظاً لا معنىً فلم يصرفْهُ. ويجوز للمولّد أن يسَكِّنَ الياء في
حال النصب فيُلحِقَ المنصوبَ بالمرفوع والمجرور، كما جاز له أن يحرِّكَ الياءَ في حال الرفع
والجرّ فيُلحِقَ المرفوعَ والمجرورَ بالمنصوب. قال أبو العباس المبرد: هذا من أحسن
الضرورات لأنهم شبّهوا الياء بالألف، يعني أنهم إذا أسكَنوها في الأحوال الثلاث جَرى
المنقوص مَجْرى المقصور فصارَت الياء كالأف؛ إذ الألفُ ساكنةٌ في جميع أحوالها قال
الشاعر:
مَهْلاً بني عمِّنا مهْلاً مَوالينا / لا تَنبُشوا بَينَنا ما كان مدْفونا
أسكن الياء في موالينا وهي في موضع نصبٍ".
وكفى بالمبرد شهيدا في مسائل دقيقة كهذه فتشبيه المنقوص بالمقصور يعيدنا إلى تأكيد ما قولناه
عن الشعر بأنه سماعي، وكما وضحنا في شرح قصيدة الشهيد عبد الرحيم محمود المشهورة.
جاء في خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي حول اعتراض النحوي ابن اسحق على بيت الفرزدق :
ولو كان عبد الله مولى هجوته / ولكن عبد الله مولى مواليا
"على أن بعض العرب يجر نحو "جوار"بالفتحة فيقول: مررت بجواري كما قال الفرزدق "مولى
مواليا" بإضافة موالي إلى مولى والألف للإطلاق،وجمهور العرب يقول: مررت بجوار، ومولى
موال، بحذف الياء والتنوين، في الجر والرفع، وأما في النصب عندهما فلا تحذف الياء بل
تظهر الفتحة عليها، نحو رأيت جواري.
قال الأعلم في شرح أبياته: "الشاهد في إجرائه موالي على
الأصل ضرورة، وكان الوجه موال كجوار ونحوه من الجمع المنقوص، فاضطر إلى الإتمام
والإجراء على الأصل كراهة للزحاف".
وكذا قال صاحب "الصحاح" قال: وإنما قال مواليا لأنه رده إلى أصله للضرورة، وإنما لم
ينون لأنه جعله بمنزلة غير المعتل الذي لا ينصرف".
وصاحب "اللباب" وغيره جعله قولاً للنحويين لا لغة لبعض العرب، وقال: ونحو جوار
حكمه حكم قاض رفعاً وجراً على الأعرف، وحكم ضوارب نصباً، وقيل نصباً وجراً.
وبهذا سقط اعتراض ابن أبي إسحاق على الفرزدق في قوله:كان جمعاً على هذا الوزن معتل".
نلاحظ أن المسالة مصدر خلاف بين العلماء في النثر، فهل يجوز أن نحتكم لها في الشعر ونخطئ
كل الشعراء الذين قالوا مثل قول الفرزدق على سجيتهم ؟؟؟؟!!!!
وجاء في رسالة الصاهج والشاحج لأبي العلاء المعري:
"وكان مثلهم مثل المعتلات نحو قاض وغاز يصيران في الضرورة كصحاح الأسماء، وذلك بمشقة ليست بالخافية، كما
قال الراجز:
قد عجبتْ مني ومن يُعَيْليَا
لما رأَتْني خَلَقاً مُقْلَولِيا
وقال: الفرزدق":
فلو كان عبدُ الله مولًى هجَوتُه / ولكنَّ عبدَ اللهِ مَوْلَى مَوالِيَا
وقال آخر:
لا بارَكَ اللهُ في الغوانِيَ هل / يُصبِحْنَ إِلا لَهنَّ مُطَّلَبُ
والخوف إذا وقع بغتة، رأيت المعروف بالحزامة وأخا التجربة ومن كان مشهوراً بالجرأة، قد
حمله الحزم واللب على قلة الانبعاث وكلول الغرب، فصار كأنه الظعينة من خوف العاقبة
وانفلال الحد، فيكون مثله مثل المذكر من الأسماء إذا انث للضرورة كما قال القائل:
وحَمَّالُ المِئينَ إِذا أَلَحَّتْ بنا الحدثانُ والأَنِفُ الغيورُ".
وجاء في طبقات فحول الشعراء للجمحي
وكان ابن أبي إسحاق يكثر الرد على الفرزدق، فقال فيه الفرزدق:
فلو كان عبد الله مولى هجوته / ولكن عبد الله مولى مواليا
رد الياء على الأصل. وهي أبيات، ولو كان هذا البيت وحده تركه ساكناً.
وكان مولى آل الحضرمي، وهم حلفاء بنى عبد شمس بن عبد مناف. والحليف عند
العرب مولى، من ذلك قول الراعي، يريد به غنياً، وهم حلفاؤهم:
جزى الله مولانا غنياً ملامة / شرار موالي عامر في العزائم
وقال الأخطل:
أتشتم قوماً أثلوك بنهشل / ولولاهم كنتم كعكل موالياً؟
يعنى حلف الرباب لسعد، وإنما قالها لجرير.
وقال الكلبي يحضض عذرة على فزارة:
وأشجع إن لاقيتموهم فإنهم / لذبيان مولى في الحروب وناصر
إذن يجوز للشاعر أن يطلق الألف بعد لياء المفتوحة، ويجوز له أن يضيف الفتحة
على ياء المتكلم ويطلق الألف بعدها ويجوز للشاعر أن يطلق الألف بعد الياء التي تكون
عليها الحركة مقدرة، والشواهد في الأدب كثيرة على دقة هذا القول ومنها:
قول مالك بن الريب في قصيدته الذي يرثي فيها نفسه:
وَيَوماً تَراني في رحىً مُستَديرَةٍ / تُخَرِّقُ أَطرافُ الرِماحِ ثِيابِيا
ثيابيا : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره والألف للإطلاق.
وقال في نفس القصيدة:
وَلا تَنسَيا عَهدي خَليلَيَّ بَعدَما / تَقطعُ أَوصالي وَتَبلى عِظامِيا
عظاميا : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل
وفتحت ياء المتكلم ليتبعها ألف الإطلاق فأصبحت عظاميا.
ويقولُ المتنبي :
تَظُنُّ اِبتِساماتي رَجاءً وَغِبطَةً / وَما أَنا إِلّا ضاحِكٌ مِن رَجائِيا
رجائيا: اسم مجرور بالكسرة المقدرة منع من ظهورها الثقل وفتحت ياء المتكلم لتتبعها ألف الإطلاق
شواهد على الياء المرفوعة بالضمة المقدرة أو الياء المكسورة وتبعتها ألف الإطلاق:
يقول بن الريب في قصيدته السابقة الذكر:
وَلَن يَعدَمَ الوالونَ بَثّاً يُصيبُهُم / وَلَن يَعدَمَ الميراثَ مِنّي المَوالِيا
المواليا: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة منع من ظهورها الثقل وتبعتها ألف الإطلاق
لأن الضمة لا تظهر ولا تؤثر على موسيقى البيت.
وروي عن علقمة الخصي هذا المعنى في قوله:
فلن يَعْدَمَ الباقون قبراً لجثَّتي / ولن يعدَم الميراثَ منِّي المواليا
وجاء في كتاب المفضليات للمضل الضبي عن الشاعر عبد اليغوث الحارثي قوله:
وقد كُنْتُ نَحَّارَ الجَزُورِ ومُعْمِلَ الْ / مَطِيِّ وأَمْضِي حَيْثُ لا حَيَّ مَاضِيَا
ماضيا: خبر لا النافية للجنس مرفوع بالضمة المقدرة وقد فتحت الياء؛ لتلائم حركة القافية وتتبعها ألف الإطلاق
وقال توبة بن الحمير :
تَربّع ليلى بالمُضيّح فالحِمى / وتقتاظُ من بطنِ العَقيقِ السَّواقيا
السواقيا: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة منع من ظهورها الثقل وفُتحت الياء لتناسب حرف القافية وتبعتها ألف الإطلاق.
وقال مجنون ليلى:
وَعَهدي بِلَيلى وَهيَ ذاتُ مُؤَصِّدٍ / تَرُدُّ عَلَينا بِالعَشِيِّ المَواشِيا
المواشيا: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة منع من ظهورها الثقل
وقال أيضا:
دَعوني دَعوني قَد أَطَلتُم عَذابِيا / وَأَنضَجتُمُ جِلدي بِحَرِّ المَكاوِيا
المكاويا: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الياء وفتحت الياء وتبعتها ألف الإطلاق كما سبق
وفي نفس القصيدة يقول مجنون ليلى:
فَأَشكُرَهُ إِنّي إِلى ذاكَ شائِقٌ / فَيا لَيتَ شِعري هَل يَكونُ تَلاقِيا
تلاقيا: هنا جاءت كان تامة لأنها بمعنى الكينونة
وتلاقيا فاعل مرفوع بالضمة المقدرة وفتحت الياء وتبعتها ألف الإطلاق
ويقول أيضا في نفس القصيدة:
خَليلَيَّ هَيّا أَسعِداني عَلى البُكا / فَقَد جَهَدَت نَفسي وَرُبَّ المَثانِيا
ويقول ابن خفاجة الأندلسي:
فلَمّا اِجتَمَعنا قُلتُ مِن فَرَحي بِهِ / مِنَ الشِعرِ بَيتاً وَالدُموعُ سَواقِيا
وقال ابن حمديس الاندلسي
مضيتَ حميداً كالغمامةِ أقشعَتْ / وقد ألبَسَتْ وَشْيَ الربيع المغانيا
وقال ابن زمرك الاندلسي:
ودون الذي رام العواذلُ صبوةٌ / رمتْ بيَ في شِعبِ الغرام المراميا
ولما تراءى السرب قلت لصاحبي / وأيقنت أن الحبّ ما عشتُ دانيا.
مناقبُ تسمو للفخار كأنما / تجاريّ إلى المجد النجوم الجواريا
وقد عرفت منها مرينٌ سوابقاً / تقر لها بالفضل أخرى اللياليا
وقال في قصيدة أخرى
لراعت بها للحرب أهوال موقفٍ / تُشيبُ بمبيضّ النصول العواليا
وهناك شواهد كثيرة في الأدب العربي ولا يعني إطلاقا عدم استخدام بعض الشعراء لهذا الأسلوب
أنه خطأ؛ وذلك لأن الشعر كما ذكر سابقا سماعي والقصد عدم الإخلال بموسيقى القافية، وطالما أن
الحركة مقدرة فلا يعيب الشاعر إطلاق الألف بعد الياء كما ذكر.