[align=center]وَوَقَع القلم
يخط بقلمه الأسود حروف متشابكة ... لترسم كلمات غامقة ... تنتشر على خطوط الورق رائحة الفخر بنظرة الحُلم بالمستقبل .... المضيء بأشعة الشمس فرحة ... حين شروقها ... وبعد غروبها ... وقوس قزح يلعب الأطفال بظلاله ...
حين كتب ... بقيت كلماته هذه ...:
خطوات قلبي النازفة
وعبرات عيني العابرة
وآهات وتؤهات هنا وهناك
تخط ...
صمت قليلاً .. وكسر صمت الوقت وقوع القلم ... فمد يده وعنقه ليحتوي القلم بكفه وأصابعه الستة .. أما عينيه فغاصت في بحر الذكريات ... ذكرياته .. مع القلم ... مع أصابعه الستة ... مع كتاباته التي أصبحت تُدّون تحت اسم كاتب مشهور وشاعر ينتظر الأدباء أشعاره ... ليتعلموا فنون الأدب منها ...
عندما كان عمره ست سنوات ... وبالتحديد بعد رجوعه من يومه الأول في المدرسة الابتدائية ... عندما شرحت المعلمة قوانين المدرسة ... وأن الأظافر يجب أن تقص جيداً ... عندها قالت : " مُدوا أصابعكم لأراها ... يا أطفالي الرائعين ... في يدكم اليمنى خمسة أصابع .... وفي اليد اليسرى أيضاً خمسة أصابع ... دعوني أرى نظافة أصابعكم العشرة ..." حينها أصابتني حرارة في وجهي ... وخوف ملأ قلبي ... عندما عَددت أصابعي ووجدتها ستة في كل يد ... واثنا عشر في الأثنتين ... حينها قبضت يدي الأثنتين وخبأتهما خلف ظهري ... كما يخبئ الحق الآن خلف صفحات الزمان .... ولم ينقذني من نبضات قلبي المتسارعة .. وأنفاسي المتقطعة ... سوى المعلمة حينما قربت مني ... وقالت :" أرني أظافرك الجميلة النظيفة يا صغيري " بدأت دموعي تتساقط ..سألتني :" ما بك ؟ " ساد الصمت على شفتي .. ثم قالت لي : " أنت طفل نظيف ... لا تبكي إن كانت أظافرك اليوم غير مقصوصة .." ومسحت بأصابعها دموعي ... حينها زادت قبضتي على يدي ، وقلت لها : " أظافري مقصوصة ... ولكنني أبكي لأن ما طلبتيه ليس عندي .." ، قالت : " وما الذي طلبته يا حبيبي ... سوى النظافة فقط .." ، أجبتها ببراءة :" طلبتي أن يكون في كل يد خمسة أصابع وأنا ليس عندي خمسة " .. ابتسمت المعلمة حينها ... وقالت : " ماذا عندك إذن ..؟ " قلت لها : " ستة أصابع " ، قالت : " إذن أريني أصابعك الستة الرائعة .." .
مددت أصابعي .. فوجئت المعلمة حينما رأتها ... وقالت وهي تمد بأصابعها وتنقلها مع العد بصوت مرتفع :" واحد – اثنان – ثلاثة – أربعة- خمسة - ستة .. انظروا لدينا طالب رائع .. مميز عنا .. عنده ستة أصابع .. انظروا لأصابعه الستة النظيفة .. إنها جميلة .." حينها شعرت فقط بالفخر .. عندما كان الطلاب حولي يعدون أصابعي الاثنا عشر بدهشة واستغراب ... وعندما عدت إلى البيت .. أخبرت أبي بقصتي .. فمسح شعري بكفه الحاني.. وقال لي :" سأهديك قلم جميل ، لتكتب به بأصابعك الستة الرائعة .." .. ومن وقتها .. وأبي كل فترة يهديني قلم جميل بشكله .. أو بخطه المميز .. أو بلونه الغريب ... وكان هذا آخر قلم أهداني إياه أبي ( رحمه الله ) قبل وفاته ...
جالت عينيه في غرفة المكتب ..ووقفت عند صورة ابنه ... آه تذكرت ... عليّ أن أحضر هدية له بمناسبة نشره لأول قصة له في مجلة عالمية .... ماذا سأهديه ...؟
.كتاب ... لا .. فهو أجد مني في قراءة الكتب ونقدها ... قرص مدمج ... لا أعرف ما الذي يعجبه منها ... نقود ... أيضاً ابني لا يحب النقود ... بل يفضل الهدية عليها ... كسر اختلاط أفكاره ... وتشويش الخيارات المطروحة في قاعة تفكيره ... وقوع القلم مرة آخرى ... حينها انتبه أن القلم أفضل هدية يمكن أن يهديها لأصابع ابنه الستة المميزة التي ورثها عن أبيه ..... .....