[محمد السنوسي الغزالي]

خيم الصمت امام المدرسة .. لم تكن هناك طالبة غيرها.. تنتظر والدها كالعادة ..دائما يتأخر.. تبدت السماء بلون رمادى شاحب .. يخبىء وراءه شمس مختنقة كأنها فى كسوف تام .. لاهو مطر منتظر .. لاهو هدوء راكد .. بينما جو بارد يكتنف المدينة .. انما انذار بقدوم الربيع .. كما تبدى الشارع ساكنا ، لايخترقه الا حفيف الاشجار.. او اوراق ترميها نسمات الهواء من آن لآخر .. وعلبة صفيح فارغة حوصرت فى زاوية السياج ..مر برأسها هذا الصباح المقفر ، تأخرت ايضا بسبب والدها .. رمقتها المعلمة بنظرة لوم .. بعد الظهيرة خرجت تنتظر.. افواج الفتيات فى البداية كانت تمر من امامها نحو محطة الحافلات ثم خلا الشارع ، وخفتت وطأة الارجل الا منها وحارس المدرسة العجوز ، افاقت على صوته :
- لم يحضر والدك بعد؟؟
* نفس السؤال المكرر واليومى واللئيم !! ليس لدى العجوز ما يقوله .. رد ت فى اقتضاب :
- لا ...
*عليها ان تنتظر .. ليس بامكانها ركوب الحافلة مع زميلاتها .. هكذا قال ابيها .. والوقت يمر بطيئا.. ولم تحن بعد ساعة حضور والدها.. لازال الصمت يلف الشارع .. فجأة التفتت بفضول نحو مصدر صوت السيارة المسرعة.. اخترقت اذنيها تصفيرة اعجاب..لم تأبه ، لكن فى اوصالها سرت رعشة خفيفة.. لم تحاول النظر اليه مرة اخرى.. بعد لحظات اسندت رأسها على السياج.. اقتربت سيارة والدها.. انتشلت حقيبتها من فوق السياج:
- هل تأخرت ؟
- كالعادة يا أبى كالعادة .. لم تتأخر عن توقيتك !!
رمقهات بنظرة باهتة .. ثم انطلق بالسيارة ...
# # #
• كان المطر يهطل بغزارة.. اتجهت صوب غرفة الحارس لتحتمى بها .. بينما تلحقها الصديقة مسرعة:
- ايتها العنيدة .. اتنتظرين والدك فى هذا الجو .. ان البرك تملأ الشوارع .. هيا ستذهبين معى انا وشقيقى ..
- ولكن!!؟..
- هيا ولاتجادلى..
انطلقت بهم السيارة .. احست بنشوة مفاجئة .. فليحدث ما يحدث.. كانت السيارة تشق المياه كأنها مركب ..مرت من جانبهم سيارة والتفاتة عابرة منها..فإذا به يفتش بعينيه فى السيارة حتى رآها..ابتسم ..لم تأبه له..لكنها احست بنفس الرجفة تسرى فى عروقها، تهز رأسها لصديقتها علامة الموافقة :
- نعم .. صحيح..
- ماهو الصحيح؟ انا اسألك عن موعد الامتحان ؟
- اه.. اعذرينى..لم يعلنوا عن الموعد بعد
* صمتت.. علا قسمات وجهها استغراب.. لكنها لم تفكر كثيرا.. لقد وقفت السيارة امام المنزل..
* تلصصت الام وراءها فزعة:
- اين والدك؟!!
- لم انتظره.. المطر شديد هذا اليوم..
- وكيف وصلت ؟
- مع احدى صديقاتى..
- احدى صديقاتك؟!!
* كان صوته مزمجرا وهو يسأل عنها:
- اين هي ؟؟
*ضوضاء .. ونشيج .. وصراخ من خلف الباب
# # #
* هزت رأسها فى حزن بالغ للمدرسة.. ورمقتها بنظرة خالية من اى معنى.. وفى شرودها صوت آخر يتردد صداه فى الاعماق تبينت احساس بالتجاوز.. لكنها لم تدرك كنهه.
* خلا الشارع الا منها والعجوز.. لكنها غير متلهفة على حضوره .. بعد لحظات مرت السيارة:
- رحلة قصيرة .. لاتخافى لست شرسا..
- ابى سيأتى بعد ساعة!!
- سنرجع قبل موعده ، صدقينى..
* صدقته ..تابعها العجوز بنظرات باهتة..هز رأسه فى حيرة .. لكنه لم يهتم.. تنهدت.. احست بشىْ ما يملأ كيانها بالنشوة.. كان وديعا وصادقا .. مرت اللحظات بسرعة.. ثم عادت الى مكانها .. بعد قليل حضر والدها .. والسؤال الباهت:
- هل تأخرت؟؟
* اجابته بصوت تسكنه الغبطة:
- لا .. لم تتأخر.. لم تتأخر البتة!!..

[رولا نظمي]

قصة رائعة جدا جدا ككاتبها أستاذي محمد السنوسي
دمت بحفظ الله تعالى ورعايته

[محمد السنوسي الغزالي]

اقتباس  عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رولا نظمي قصة رائعة جدا جدا ككاتبها أستاذي محمد السنوسي دمت بحفظ الله تعالى ورعايته

الاروع هو حضورك ومرورك من هنا رولا..شكرا لك