الكتابة بركان جميل
[align=justify]
مازال البعض، ممن كانوا ومازالوا مجرد دخلاء على الكتابة والإبداع، يظنون أنهم يكتبون بتميز ماداموا يحركون القلم ويطلقون ماهب ودب من كلام لا يخرج في معظمه عن المعنى الحقيقي لصف الكلام.. ولأنهم اقتنعوا أنهم كتاب، فقد أخذوا يزاحمون المبدعين الحقيقيين ويحاولون أخذ أماكنهم، غير مدركين أنهم بذلك يخربون الثقافة والذوق العام والإبداع. والمشكلة، أو المصيبة، أن هناك أشخاصاً يظنون أن من حقهم أن يشجعوا هؤلاء المعتدين على الكتابة.. والتبرير الغريب العجيب المضحك عند هؤلاء المشجعين ـ بكسر الجيم ـ أن هؤلاء الكتبة الدخلاء محتاجون إلى لقمة العيش، وكأن الكتابة صارت ملجأ لمن لا ملجأ له، أو كأنها صارت استرزاقاً لمن لا يعرف من الإبداع إلا الاسم.. مع ظني ويقيني أن لقمة العيش، يمكن أن تؤمن بأي طريقة إلا تلك، فالكتابة كتابة، ومن الواجب أن نصون الثقافة ونحميها لا أن نميعها ونستسهلها.. ومن لا يحسن التعامل مع القلم، فما أسهل أن يتعامل مع سواه.. ألا يكفينا ما وصلت إليه الثقافة، وهل من الواجب أن نفتح الباب واسعاً لمن هب ودب، حتى تصير الثقافة عمل من لا عمل له!!..
أذكر أن واحداً من الأصدقاء الأحباء، كتب مسرحية استمر عرضها على خشبة المسرح سبع سنوات كاملة، وجنى من ورائها ما جنى من مال، كون بطل المسرحية من الممثلين الذين يتقنون التهريج.. فماذا كانت النتيجة بعد هذه السنوات السبع؟؟!!.. قال لي صديقي بالحرف الواحد: صحيح أنني كسبت كثيراً من المال لكنني خسرت القيمة الحقيقية لاسمي فهذه المسرحية »التافهة« وضعتني أمام مأزق حقيقي. إذ كيف تستمر سبع سنوات وأنا كتبتها في ليلة واحدة؟؟..
ومن حسن الحظ أن صديقي هذا والذي أفخر به، أصر على الابتعاد عن جو هذه المسرحية حتى يستعيد أنفاسه وأسلوبه وخط كتابته الجيدة.. وظني أنه بذلك ربح نفسه وأفاد الأدب بشكل حقيقي، مؤمناً أن التافه يبقى تافهاً وإن طفا قليلاً على السطح.. ولو أنه أصر على إغماض عينيه، لكان حاله الآن لا يسر صديقاً أو عدواً.. لكن ذكاء المبدع استيقظ داخله ونبهه في الوقت نفسه أن الاستمرار لا يعني الجودة دائماً.. فالمسرحية التي استمرت سبع سنوات كانت مجرد صف كلام!!..
أظن أن الكتابة بركان جميل.. بركان لايدرك قيمته وروعته إلا المبدع الحقيقي.. ولكن هؤلاء الذين يكتبون بأصابعهم دون إشراك مشاعرهم وأحاسيسهم وأعماقهم ما هم إلا كتاب فارغون يسيرون بخطوات حثيثة نحو النهاية المحتومة لكل ما هو غير مبدع، غير جميل، غير حقيقي.. فالكتابة يمكن أن تكون أكبر من زلزال في الذات، ليخرج النص كما يجب أن يخرج، أما أن نركن ونؤمن بأن الكتابة مجرد صف جمل فتلك مصيبة، وأي مصيبة!!..
لم نصل إلى هنا ببساطة، لم نصل بضربة حظ، ولم نصل من خلال تقديم تنازلات لأحد.. بل بذلنا جهداً وعرقاً وتعباً، وأفنينا سنوات طويلة في المتابعة والقراءة والكتابة.. وحين يقال الآن فلان صار كاتباً مجيداً، فهذا القول لا يأتي من فراغ، ولا يأتي دون استناد على جهد طويل علمنا كيف يكون القلم رسولاً والكلمة نوراً يشع ويضيء ويصل إلى كل مكان..
رحم الله شاعرنا عبد الوهاب البياتي فقد قال لي المهم أن تبقى رافع الرأس هكذا.. والآن حين تمر كلماته في البال أعرف كم هي الكتابة أمانة، وكم هي الكلمات رسالة.. وكم علينا أن نقدم للقارئ حتى نصل إليه بجهدنا وإبداعنا وكتاباتنا وجمال أسلوبنا، وليس بأي أسلوب آخر.. كان البياتي يؤمن أن الكتابة روعة مابعدها روعة، وهذا ماكان محور العمر ومازال.. فكيف أترك للحظة واحدة هذا الميزان الذي آمنت به ووضعته نصب عيني..
أكثر مايؤلم أن تخضع الثقافة لغير الثقافة، أن تصبح خارج خطها الحقيقي.. هذا جارح لأنه يضر الثقافة ويجعلها ترجع سنوات بدل أن تتقدم.. لايمكن أن نكون ضد أي كاتب، مهما كانت كتابته واسعة أو ضيقة الإبداع والأفق.. لكن سنكون ضد الثقافة التي لا تحمل إبداعاً بأي حال.. لأن مثل هذه الثقافة تؤذي ولا تنفع.. ومثل هذه الثقافة يجب أن تبعد عن القارئ حتى لا يظن أن الثقافة كلها هكذا.. ونصر من جديد على أن الكتابة بركان جميل رائع.. وحين تشوه فقل على الثقافة السلام..!!..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|