القاص المبدع و الراقي
نعيم الأسيوطي ،،،
كم كانت دهشتي منتشية
و هي تقرأ لك هذا النص القصصي الكبير
و كأنني الكاتب بكل تلاوين الصور والتركيب ،،،
سئلت مرة عن ماهية الفرق بين القصة و القصيد أو القصيدة
و حتى أصل للقراءة العميقة لصديقنا الأديب الكبير محمد صالح الجزائري
و القائلة بشعرنة لغة القصة أو أن بها الكثير من الشعر،، فكان جوابي بأنه
في نظري المتواضع يبقى الأدب بإجناساته المتعددة رحما لن يقبل إلا ما هو جميل و راق إبداعيا كفكر لن يسمو قطعا إلا بالإقامة في أعماق الذات و الإنصات إلى كينونتها قصد ابتكار الأسئلة القلقة لها بما هي "الذات" المعلنة للتواشج بين النص و القارئ على خلفية تيمة تحوي آلام و توترات الآخر و المتقصية لعدة تقاطعات تجيز الإبحار في مكنونها و مضمر تفاعلاتها الحسية الوَلاّدة للإبداع و خاصة خطابه الميتا-جمالي المرهون بتركيبته في شقها غير العادي و غير المتداول المسطح ،،
من هذا البعد التنظيري يمكنني القول بأن المبدع الشاعر و القاص لن يركب أبدا مزلاج وضع أوجه الشبه بين هاذين الجنسين " ما دامت الموهبة و الحمولة الفكرية المصقولة بالتجربة العرفانية حاضرة و دون السقوط في التكلف " علما أن الكتابة الإبداعية كل لا يتجزأ ،،،
فقاسم الإشتراك بين القصة و الشعر لن يكون إلا الإبداع الجمالي عينه الحامل لصوره المبثوثة بلاغيا على خلفية استثمار لغتنا الغنية و التي هي في نظري المتواضع ثمرة شراكة و تواطئ معلن لانتهاك الإجناسي للسرد أو الشعرنة باعتمادها على الهيمنة الدلالية ،،
و هنا أريد محو سربال الغشاوة على عين الحقيقة التي هي ،،
ليس كل من صفف فقرا كلاميا موزونا يعد بالشاعر ،،
أو كتب كلاما فضائحيا كما الجرائد الصفراء ثم نعته بقصيدة النثر
أو كتب كلاما في السرد المجاني الرخيص و النرجسي
في ذاتيته الفجة التي تحكي عن الأنا الرخيصة
الحاملة لغليونها القشي
و متأبطة لأسفار الفراغ النفعي المنبطح
نسميه قصة قصيرة ،،
فالشاعر الحقيقي في نظري المتواضع
هو الراصد للشعرنة الخصيبة بين الدهشة
التي هي الواقع الأول للتفلسف
و ممارسة قرائية ثم كتابة
ليس لها غير اختيار التجريب
كأفق إبداعي مفتوح ،،،
أما القاص المبدع في نظري المتواضع
هو المشتغل على الدفع الإرباكي للأسس
و دمغ المادة الحكائية بميسم الإيهام
و بتساوق مع منزع التخييل
و السفر في المتخيل لا في الكائن
حتى لا يصبغ الذاكرة بالعمى المعرفي
و الإستطيقي للصدى المكثوم خارج السرد ،،،
هذه بعض من رؤاي للإشتغال على الإجناسين
بما هما إبداع و تطوير و تنقية جمالية لفكر المتلقي
الذي لا ينتظر منا الضحك على قرائياته العطشى
لما يختزنه الإبداع من فهم ثري للكتابة
و الإنهمار في قوالب غير تقليدية برزخية القراءة
و هجينة التموقع ،،،
شكرا لك أيها القاص المبدع على هذا الانتشاء
الذي سلك درب بلاغة البرهان الإقناعي كاختيار جمالي
لبهاء الصور التي طرحتْ سؤالها السرمدي على المتلقي
من نافذة متخيل مدهش متحرك غير قابع في غليون أصفر ،،،
أقول لأختي دينا
بأن الطين المقصود هنا
هو الوهم أو السراب كما قرأته
و هو دلالة للصورة السوداوية للحدث ،،،
فيض إبداع لروحك الولادة جمالا
أيها القاص المجدد ،،،