صديقة عزيزة عرفت شخصيتها من خلال المحاورة الالكترونية
فوجدت سعة فكرها بقدر ما يملأ روح العالم
جذبتني في إحدى رسائلها عبارة أخذتني بعيدا إلى حيث تخيلت معها العالم المقدس بعد أن تحدثتْ عن المقدس بعالمها
عالمنا المقدس
قالت رضي والداها عنها، عن روحها عن قلبها عن عواطفها عن جوارحها عن... عن... عن ...وحديثها صحيح بإجماع: ] لأنني أدمنتُ معكَ الحزن الجميل ومذ شرعتَ نوافذ الأبجدية قبالتي وجدتُني أفتش سيدي عن مهدئ يسكّن تباريح شوقي إليكَ[.
كم قرأتُ سطوركِ وكم نقبت مناجمَكِ واستقصيتُ خاماتها فوجدتُني فوق أغلى معدن ،هو ذاك معدن القلب الصافي ليس له مكان في الجدول الدوري لمندلييف،بل هو عنصر من جدول الإنسانية الممزوجة بكيمياء الود،تفاعُلٌ منه العصارة الأولى للكون ومن أجلها كان الكون كله.
سيدتي أقسم أني أجد حلاوة لا تضاهيها حلاوة كلما استرسلت في قراءة كلماتك،حتى أنني أتجدد بعد كل ختمة لها لانطلاق جديد فأعاود القراءة مجددا بلا ملل،ما أسعدني وأنا أنجح في بعث غيمة حبلى وسط صيف المجتمع،لغتنا أيتها الأخت وأفكارنا صارت عملة صعبة بل نادرة لا وجود لها في مؤشرات الأسهم العالمية العمياء،أراك صاحبة تجارة لا تفنى بمرور الزمن تفردت بصنع الفكرة كأنما في يديك خيوط مقدسة تنسجين منها سترات على مقاس القلوب تماما،وكلما خفق قلب استشعر نعومة ما لبس من المعاني.
وما أجمل أن يتواضع المرء وهو يعتلي صرح البشرية بنقائه وعنفوانه،وإني لأتشرب من تواضعك إكسير الآدمية الفطرية البعيدة عن التزلف والتكبر،ولطالما وجدت طعم الارتياح كلما عزفت على أوتارك المرسومة في شكل سطور،وأنت تعرفين كم يستشعر الإنسان الهدوء حين يقرأ ما يريد تماما،وما أريد أنني أبادل عواصفي بأعاصير تجبرني على التقوّي لمواجهتها في كل جولة.
تجوع النفوس ،تصوم ،تفطر ،تصلي ،تحج وتزكّي فكيف ذلك؟
تجوع حين تستهلك أجزاءها في مستنقع الدونية الحمقاء،وتصوم حين تتخمها الثمرة الزائفة سليلة تفاحة آدم،وتفطر حين تشعر بجوعها للطهر وتصلي حين يتدفق منها حرف وراء حرف،وتحج حين يؤذن مؤذن من كعبة الأصفياء،وتزكي حين تطلع نفس أخرى على همومها.
لعلك تعرفين عن المدرسة الدادائية شيئا هي تتبنى فكرة الإبداع في كل شيء حتى إذا سجلتِ كلماتٍ متراصةً دون وعي فذاك إبداع.ربما جاء زمن ماتت فيه أساليبنا التي نراها راقية وولدت أساليب جديدة ولغة جديدة يصير فيها الهمس قصيدة والآهة رواية والأنين ملحمة...
لذا فأنت حين تترجمين ما تحمله نفسك إنما أنت سيدة في قصر المحاورة لا تتهيبين سيفا ولا وترا فقلعتك أعلى من أن تبلغها جحافل واهنة تقتات من خوف الآخرين.
أعود لأراني من جديد وأنا أقرأك كأني على حافة جزيرة يوم أن تصادمت طبقتان تِكتونيّتان في أعماق المحيط فاندفعت موجة (تسونامي) زاحفة إلى الشاطئ وغمرت كل نقطة في الجزيرة فكان ما ظنه الناس غضبا دواء ربانيا؛فحين يحدث الزلزال ذلك يعني أن الأرض تميل للاستقرار والهدوء بعدها وحين تغمر الأمواج الأرض فذلك يعني وضوءا جديدا من كل ذنب واغتسالا لحياة أطهر وأنبل.
أهنئك أختي على انبعاثك الصاخب في كل ثورة.وإني كلما غصتُ بحرا وجدتك تمخرين عبابه بكل ثقة وكلما حلقت في سماء وجدتك تُفردين أجنحة السمو فيها وكلما جبت أرضا وجدتك تطوين مسافاتها بعنفوان المتشوق للمغامرة.
أما الصداعات التي تنتابك وتنتابني فهي أعراض جانبية لدواء لا يصفه الطبيب بل يجده الواحد منا وهو في طريقه فتغلبه نفسه ليأكل حبة ويدمن بعدها،إنه دواء يمسح عنا غبار الدنيا وهمومها.يوصف في شكل تأمل بين الإنسان ونفسه ويبدأ مفعوله بمجرد أن تخط الأنامل أولى الكلمات،وإذا تلاقى الأطباء وتبادلوا الخبرات بينهم غيروا الجرعات وربما بدلوا الوصفات ليرتفعوا أسمى في سلم الإنسانية.
وبين هذا وذاك يبقى السطر وتباريحه أجلّ نعمة وألطف ما نملك فبه نستحيل ربيعا موشًّى بأكاليلَ نورانية ألوانها من روح الله.
إذا أشرق الكون فينا عرفنا ** بأنا هداة لكل البشر
يذوب جليد الحياة فتُروى** بأنهارنا لَحَظات العمُر
وترحل منا الدموع فنبني** بأشجاننا للبرايا ممر
أمام شموخ الحياة نصلي** ونملأ آفاقها بالصور
وحين يذكّرنا الله أنّا ** صغار نبارك ذاك الصغر
أيعقل أن الحياة قياس ** تحدده غرفة المختبر
أيعقل أن القلوب تساوي** بأيامنا كومة من حجر
أيعقل أن الأمانة ألقى** بها الله عند عديم النظر
إذا أخطأ الكون تقديره** فلن يخطئ الناسَ سهمُ القدر
وبين الأجلاء والسائبين ** بقايا من الإثم لا تغتفر
تسير القوافل في دربها ** وما مِنْ نباح الكلاب مفر
وهل يوقف الكلبُ سير الحياة ** بصوت يردده في السفر
لقد كتب الله أن نستفيق ** لنبصر عالمنا ينفجر
وها نحن نبدأ عصرا جديدا ** لنصلح في الكون ما قد كُسر
إبراهيم بشوات
21/07/2010