بين الملكين.
[align=right]
اعتاد المغاربة أن يستقبلوا الزيارات الملكية بالأهازيج و الشعارات الوطنية و الاصطفافات الجماهيرية الحاشدة على جنبات الشوارع ممجدين للسلطان العظيم، و يبدو أن هذه العادة المتواترة عتيقة في التراث السياسي المغربي و قد تعود لزمن الدولة الإدريسية. و سواء كان الحاكم عادلا أم جائرا فإن المغاربة لا يكترثون بالأحكام التاريخية، المثقفون و غير المثقفين، الشعب الذي يحتفي بجلالة الملك محمد السادس هو الشعب الذي احتفى بالمغفور له الحسن الثاني، و المثقفون الذين حرصوا على ادانة ممارسات النظام العنفية المتشددة تابوا من النضال و خفضوا وتيرته عقب ارتقاء محمد السادس العرش.قد يحتاج القارىء غير المغربي إلى أسماء محددة و باحداثيات تاريخية و حاضرة دقيقة، غيرأنني موقن من أن المهتم بالتحول الجذري في النضال الشعبي المغربي لن يكون إلا مواطنا عربيا يعيش نفس الواقع المتردي في وطنه، و إذا كان الكاتب السياسي الغربي مضطرا إلى التدقيق في اسم المسؤول المنتقد فإن الوضع العربي الشامل يجعل التوثيق اجترارا لواقع أصبح مشهورا
إن الحرص على وحدة الوطن المغربي و الرغبة في تقليص صلاحيات الملك غير قابلان للإمتزاج إذا كان المقصد الأساسي تحقيق الانتقال الديمقراطي، لأن الديمقراطية التي يوفرها النظام الملكي ذو المواصفات العصرية هي نفس الديمقراطية التي ينتجها النظام الجمهوري وفق مفهومه السياسي العلمي و هي الديمقراطية التي تتغياها الإنسانية. و الإستشهاد بالمستوى الديمقراطي للمملكة المتحدة الخاضعة لنظام ملكي و المستوى الديمقراطية للجمهورية المصرية مثلا يكفي لاثبات الوحدة الغائية لأنظمة التسيير السياسية المشهورة في المعرفة البشرية. أعتقد أن دعوة مراجعة ملاءمة الملكية للحالة المغربية تتأسس على منطلق تجريدي يقتضي تجريد المغرب من نظامه السياسي و عقيدته و انتمائه القومي، مهما اتسعت أو ضاقت أهميته الموضوعية، و يفضي إلى نشوء مجتمع متناقض الإتجاهات الأيديولوجية. داخل التيار الأمازيغي، الذي يعارض الايديولوجيا العربية الاسلامية المغربية، ارتكانا إلى تحليل تاريخي غير قابل للتغيير و المراجعة، انبثق فكر فرعي يتعصب للماضي الامبريالي الفرنسي و ينادي باسترجاع الاستعمار و استيرد الفكر الغربي لتطوير المغرب و تحريره من التبعية الخانقة للمتغيرات العالمية. إنها أطروحة قائمة تناقش كيفيات تحسين الحالة المغربية، و لا يعارضها أحد بسبب فحواها أو مصدرها.
هدف تحقيق اليقظة العلمية(بالتوازي مع الاحتفاظ بالدين أو نبذه) نقطة تقاطع الخطابات السياسية المغربية المختلفة و المتعددة و هو الهدف الأساسي للديمقراطية المتوخاة من الفعل السياسي و الاجتماعي. يجب أن نتفاهم بشأن مسألة حساسة جدا: لا أحد يشكك في دفاع الحركة الأمازيغية المغربية عن مصالح الشعب المغربي، المتضرر بأكمله من ارتدادات الفترة السابقة و رؤيتها لسبل الاستقرار و استمرار الحكم، و كينونته الاستراتيجية، غير أن المفارقة المثيرة للتساؤل تتمثل في الخطة التي اقترحها المثقفون الأمازيغ للإرتقاء بقضايا الوطن المغربي. إنهم يناضلون بالانابة عن المواطنين مستخدمين دعوة ايديولوجية تكرس لأزمة المناعة الذاتية الاقتصادية و الثقافية و العلمية المفتقدة في المغرب. يجب أن لا ينسى ممثلو التنظيمات الأمازيغية أن المغرب عانى و يعاني من سياسات الغرب المتسمة بالاقصاء و الاحتكار، فيما أعتقد تأسيسا على فرضية وطنية التيار الأمازيغي و معتنقيه، فالغرب الاحتكاري هو نفس الغرب الذي يبشرون له و ينادون باقتحامه للخصوصية المغربية من أجل بناء المغرب الحديث و الوازن.
خلال عهد الحسن الثاني، لم يتنصل المغاربة من طقوس الولاء، تمسكوا بها، و دأبوا على ملء الشوارع لأداء فريضة الوطن في التعبير للملك عن الحب و التأييد المطلق المرادف لهمينته المطلقة على المنابع الحيوية للقرار المغربي. فما هو التأييد، على المدى البعيد، الذي سيمنح للملك الجديد بعد اعترافه الثقيل بأخطاء سلفه؟ لدى محاول كل واحد منا الاجابة، تمنى أن لا ننخدع بالصيغة المبسطة للسؤال.
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|