[فاطمة يوسف عبد الرحيم]

اصطحبت الجدة حفيدتها راما الصغيرة إلى أقصى حديقة المنزل،تفيّأت معها في ظلال دالية العنب، حدّقت الصغيرة في عيون الجدة لتستلهم منها بدايات قصة.
بدأت تسرد:يحكى أنّ بطلا أسطوريّا اسمه "السندباد" زاربلاد الشام،تثاءبت الجدة.
راما : أكملي يا جدة،أكملي.. ،غفت الجدة ذرفت راما دمعة,رنت حائرة للسماء اللامعة بالنجوم،غمزت لها نجمة، كركرت ضحكة، هوى من السماء شهاب لامع سقط في يد الصغيرة، فتحت اليد: ما هذا،رجل صغير بحجم الأصبع! يحمل سيفا مصقولا وله شعر مجدول،حدّق في عينيها اللوزيتين مذهولا:من أنت يا صغيرة ؟
راما:أنا راما الحلوة من بلاد الشام.
ابتسم لها: أنا السندباد عابرالقارات وعندي حنين لبلاد الشام،تعالي لتكوني لي دليلا للتعرف على معالمها العريقة،أمسكت بيده وطاراوحطّاعلى أحد أعمدة الكهرباء.
راما: هذه"مقبرة الشهداء" سكن جدي الأبديّ، نزوره بعد صلاة الجمعة ونطمئنه أن عمارته ذات الطوابق السبع التي بناها من جنى كفاحه مازالت قائمة لأن قرار الإزالة لم يصدر بعد،كم آلامه الشتات وتمنى جمع أولاده فيها بعد سلب وطنه.
سندباد:- ولم الإزالة؟
راما :الحكومة عاقبته لأنه بنى في أرض ليست وطنه،ورفضت توثيق ملكية البنيان لأنه ليس مواطنا وينتسب إلى وثيقة فلسطينية.
سندباد: أوليست بلاد العُرب لكلّ العرب.
راما:لا أفهم(أمسكت بيده وطارت معه)هذه المخيمات الفلسطينية،أتسمع الأنين!! من مقابر المجازر- حدّق ذاهلا- هذا مصطلح حديث للقتل الجماعي حين ينفّذ القتل في النساء والأطفال وكبارالسن.
سند:أليس القتال مبارزة بين الفرسان؟
راما: كلا... نبدأ من"مجزرة مخيم تل الزعتر"ولأنّ"برستيج "الموارنة" الحضاري لا يسمح بوجود شعب معتر مشرد لاجيء فقير يعيش على أطراف ارستقراطيتهم الصدئة،كان لا بدّ من إزالتهم بطريقة" الأكروبات"،وذلك بوضع الناس في إطارات السيارات ثمّ إشعال النار بهم ودحرجتها،أوربط أقدام كبارالسن ،كلّ قدم في سيارة وجعل كل سيارة تسير باتجاه معاكس للأخرى، ما رأيك بالقتل على طريقة الأكروبات(حدّق فيها مذهولا) والمجزرة الثانية إبداع ما بعده إبداع!! (وما زال الذهول يكتسح السندباد) منذ سنوات هاجم المدينة العدو الإسرائيلي واصطف على مشارف المخيم كغربان مصاصي الدماء،أضاؤوه بالقنابل الفسفورية أُرسلوا لهم مجموعة من السكارى يعرفونهم ولا يعرفونهم لإقامة كرنفالا شعبيا أهرقت خلاله كؤوس الدماء الغزيرة على أسنة الحراب،شربوا الخمرة الدامية بكؤوس من كريستال والمازّة عيون الأطفال وآذان الفتيات الصغيرات المقرمشة"طيييبة" سكروا على صدى أنين الجرحى،اغتصبوا النساء وعلقوهن من الأثداء، بقروا البطون وقطعوا الرقاب، استخدموا سلاحا بدائيا البلطة،( هس،هس عالسكيت) وبعد ثلاثة أيام من القتل المتوالي،عبقت رائحة الموت النتنة، عندما عرضت صور" مذبحة صبراوشاتيلا"من قبل وكالات الأنباء الأجنبية، كُتب تحذير قبل المشاهدة "لا يسمح بمشاهدتها لضعاف القلوب والأطفال".
:ألم تستنجدواوتتنادوا.. وامعتصماه، واأسداه ،وا نسراه ,وا.. وا
راما: بلى،لكنهم في القصور ضربت على آذانهم ذلة الترف والمؤامرة سنين عددا.
سندباد: ما لشاطئكم لونه احمر؟
راما: هذه دماء الأطفال التي فاضت بها البحار الظمأى للسياحة الدمويّة حين ذبحوهم وحمّلوهم داخل شباك صيد وألقوا بهم في البحر.
سند ثائرا: ألا يوجد أبطال تدافع عنهم.
:بلى، أبطالهم جاؤوا من الأحراش بعد أن قلمت أظفارهم واقتلعت أنيابهم ومن هنا رحّلوهم على أسنة الرماح،ومنحوهم ميثاق الأمان على أنفسهم وعيالهم، نثروا الملح والحلوىوبالزغاريد والرصاص بعثروهم كالرماد في الفيافي العربية.
سندباد: وهذا النور القادم من بؤرة المخيم!!
راما: هذامسجد دفن فيه عشرات الشهداء،بعد معركة بسبب اختلاف المصالح،لقد درّبناهم وقدّمنا لهم السلاح فلمّااشتدّ ساعدهم حاربوناوأقيم فوق ضحايانامسجدا. وهذه الساحة كانت تجمّعا سكانيّا للاجئين اغتاظ منهم أحد زعماء الموارنة فأقسم أن يهدم الحيّ ليكون ساحة لكرة القدم وبُعثروافي غياهب الظلم والقهر.
راما: فلنحلّق إلى الشمال حيث الخراب والدمار,عند الميناء يقطن سكان"مخيم نهرالبارد"والميناء واجهة سياحيّة للمدينة، لذا وجب اقتلاعهم،تبعثر سكان المخيم في المناطق المجاورة سكنواالخيام والأرصفة في حالة يرثى لها.
سندباد: هل هناك سبب مقنع لدمارهم ؟
راما:اختلقوا سببا اسمه " فايروس الإرهاب"ووجب رشهم بالمبيدات البشريّة
سندباد:ألم يبنوا لهم بيوتا غيرها؟
راما: ابتلعوا المساعدات التي قدمت لإعادة الإعمار لقناعتهم أنّ هذا الشعب اعتاد كبوة الخيام وله مقدرة عجيبة على إعادة بناء ذاته من جديد.
ألقى السندباد نظرة: ما هذه الأسوار،هل أقيمت للقطعان؟
ضحكت راما... ههههها : يا عموسندباد، هذا مخيم" عين الحلوة"هؤلاء استشرى فيهم وباء واحتاروا في تشخيصه ،يقال"فايروس إرهاب" أم انفلونزا المقاومة الوطنية، لكن المصلحة للسياسة العليا تقتضي التشخيص الأول فضربت حولهم الأسوار ولا فرق بينه وبين سورالفصل العنصري الذي أقامته اسرائيل في الأرض المحتلة،من هذا المخيم أبدعت ريشة حنظلة الشجراويّ" ناجي العلي" حكايا الشعب المناضل صورا كركاتيريّة و تحجرت ريشته حين اغتيل في مدينة الضباب.
سندباد: اثناء انتقالي لاحظت مغارة هل هي لأبي علي والأربعين حرامي ؟
راما :لا،هذه مغارة "جعيت"ا الرائعة الجمال، لا يوجد لدينا مُغر تتسع للحراميّة إذ أصبح الشرفاء أربعين والحرامية لا أعداد تحصى لهم،وهذه سيدة حريصا شاهدة على الصراع الدائر في بلاد الشام.
سندباد: من هذه المرأة النائحة؟
راما: إنّها سعاد الفلسطينية التي اغتصبت مرتان من ذوي الأحقاد خلال الحواجز الطيّارة وعندما وصل صوتها إلى محكمة العدل الدولية لتحاكم المغتصب لعفتها ولكرامتها قُطع لسانها وحُرق ملف القضية، وهاهي تائة تبحث عن ذاتها وعن عفتها التي انتهكت، تلّوّح يإشارات مبهمة لايفهمها أحد.
سندباد: أرى الناس ملوّحين والدمع يغسل المآقي ، لمن؟
راما: للذين أغوتهم الغربة، هروبا من واقع مؤلم ووجود مرفوض، زيّنوا لهم الهجرة إلى الغرب حيث الرفاهية والرقي والتمدن وبعثروا في متاهات الغرب, مواطنون من الدرجة الثانية أوالعاشرة،أضاعوا ذواتهم وأصبح أبناءهم ما هم أبناءهم، الندم حرّقهم، حسراتهم تتوالى على زمن أزقة المخيم الدافئة بنسمات الأحبة، وهوية لاجيء أفضل من أيّ جنسية أجنبية غريبة عن ثقافتهم !
سندباد: هذه غزّة هاشم، ماذا عنها؟
راما: الحكي عنها يطوووووول ويقطّع نياط القلب .
انطلق السندباد صارخا من القهر:-آه, آه, آه, آه نادت راما: سند ،باد ،سند،باد ،سند،باد، صدى صوتها يرن بين غمزات النجوم لوحت له لكنّه تبعثر قهرا فوق الكواكب، حزنت راما، من بعيد ضحكت لها نجمة فرقعت راما ضحكة، ضحكة، ضحكة، أيقظت الجدة قالت:- كان ياما كان...
راما: جدتي ،وهل سيكون أسوأ مما كان...

[عبد الحافظ بخيت متولى]

القاصة الجميلة الأستاذة فاطمة
جميلة هذه القصة التى تدثرت بثوب قصص ألف ليلة وليلة وتناصت معها من الإطار العام للبناء القصصى بيد انها عبرت فى سياحة قصصية ايضا عن الواقع الفلسطينى واختزلت كثيرا من تاريخ هذا الواقع وحاضره بمهارة جميلة وقد نجحت القاصة فى توظيف الحوار فى القصة توظيف يخدم الحدث وتفاعله ونمو الخيط الدرامى فى القصة بل أن الحوار أضفى عليها نوعا من الحيوية وبرر الانتقال عبر محطات السرد فى القصة تبريرا فنيا جميلا كما أن القاصة لجأت إلى نوع من التقنيات الفنية مثل التراكم السردى والاستهلال التشويقى والنهاية المأسوية التى تناسب موضوع القصة
تحية إليك أيتها القاصة الجميلة

[فاطمة يوسف عبد الرحيم]

الصديق العزيز عبد الحافظ
تحية وبعد
في دياركم ثورة أو صحوة قد تكون وصلت متأخرة ، لكنها وصلت وأشعلت في ذاكرتي نيران مذابح مارسها العدو بيده على أبناء شعبي الفلسطيني في لبنان وكثيرا ما مارسوا الذبح بأيدِ عربية ، هذه المذابح وقعت منذ ثلاثين عاما ومنذ ثلاثين عاما أو أكثر والشعوب تغتال وتسرق وتذبح والكل نيام ، فثورة المصريين سلميّة ونتمى لهم النصر على ذواتهم وعلى الحيتان التي تغتال رزق الشعوب ، وما أردت أن أقوله من هذا السرد الدرامي لمأساة شعب فلسطين "تذكّروا فلسطين وأبناءها"
فشكرا لك على هذه القراءة المعبرة عن حس وطني وعربي مهما كانت استراتيجيات القصة التي ذكرتها متميزة يبقى الهدف نحن الشعوب المأزومة المهزومة تحت سياط الذل.... إلى أين ؟؟؟؟؟

[عبد الحافظ بخيت متولى]

أشكرك فاطمة على شعورك النبيل وانت قاصة جميلة تملكين حسا جميلا ولغة راقية وادوات فنية جيدة وسوف اتابعك كثيرا
كل محبتى وعظيم تقديرى