[منى القاسم]

ربيع التغيير

لو خُيّر الشباب العربي أن ينتقي من بين فصول السنة فصلا،يكون فيه إعلان نصر الشعب على أنظمتهم الفاسدة ، لا اخالها تحيد عن اقتناء فصل الربيع، فهو الفصل الذي يعقب فصل الشتاء..

الشتاء فصل تسفر فيه الشمس بوجه حزين ، وبلسان خطيب لرعد ذو صخب و برق

تطول فيه الليالي ببطئ، و تذوب فيه ألوانالطبيعة، فالأشجار تتعرى والسماء يكسوها وشاحا رماديا،

وما أشبه شتاء الطبيعة بشتاءالتغيير ، فليل التغيير طويل، ويعيق حياة الطغاة ، و مطره وثلجه يجمد شرايين حياتهم،ويعيق سياسة نهبهم ، ويعطل آلية بطشهم ، و يسلب أزهار وأوراق فروعهم .
فيهل شهر مارس مؤذنا بربيع جديد، فيبتسم ثغر الأرض ، وتولد الحبات المدفونة في رحمها ، فتنبت براعم صغيرةً ملوّنة ، تتراقص زهوا و حبورا ، وتعود للطبيعة ألوانها، ويملأ شذى الأزهار أرجاء الوجود ...
لقد كان ميلاد التغيير ربيعا في حياة الشباب ، هتك حجب الظلام والغيوم، ففاح بشذى المسك عطره ، وتعارضت بغرائب النطق طيوره. فأذن بانبعاث جيل جديد، يحمل بيمنه خضرةالحياة ، ممتد الجذور فارع الفروع، ربيع يمحو آثار الظلم طال أمده، وطغى على الخلق ، وكاد أن يجفف ينابيع الحياة، بإعدام نسيج العلاقات التي تربط المجتمع العربي ، وهو نسيج تستمد خيوطه الحريرية من مقومات هذا الشعب، تنسج بدينه ولغته وهويته المميزة، إن حياة الشباب العربي هو في امتداد عناصر تميزه ، والحفاظ على نسيج علاقاته ... وواهم أو مخادع من ظن أن استمرار نبض الشباب يكون بامتداد نسل أفراده ، فالمجتمعات العربية تحيا بذلك التغيير ..

أولئك مخادعون يحاولون التهوين من أمر الحصن الذي آوى إليه الشعب العربي ساعة الغضب ، فلم يخيِّب لهم رجاء، وأمدهم بعناصر القوة والمنعة، كل من يحاول اليوم التهوين من أمر تلك المقومات الأساسية للتغيير ، أو يجاهر بمعاداتها لا يعدو أن يكون مغامرا ومقامرا..

إن شباب ربيع التغيير، وبعد صمت طويل ، اختار بناء مجد مستقبله بيده والتخلص من الجمود والرجعية ، محاولا مسح من جبينه الضعف و الخزي و العار الذي طبع بختم حكامه.
صحيح أن أخطاء وخطايا وقعت، لكن أعظمها لا يساوي ليلة من ليالي الأعتصام ، وإنها لمخادعة وإرجاف أن يكون ثمن تلك الخطايا أن يرمي الشعب بالرصاص ويذبح يالسيوف ، و هل الدعوة إلى تقويض شبكة تلاحم الأمة، والتنكر لدينها ولغتها، إلا دعوة للارتداد عن التحرر ، وهي دعوة أشبه بالدعوة إلى تجديد شمس وقمر العرب ، ولعل السادة في الغرب يراهنون على هؤلاء، وهم يستعجلون رحيل جيل التغيير .. .. يجب أن يعلم السفهاء أنه لا يمكنهم قطع الشجرة لأكل ثمارها.