شيء من زنابق القلب
[frame="10 98"]
[align=justify]
أتدرين يا هدى أنّ عالم الحروف يشتعل أحيانا ويأخذ في النزيف الجميل؟؟.. جربتُ كثيرا أن ابتعد عن خاطر يلح على البال ويتمثل في أن أحاور صورتك ، وما استطعت .. كان عليّ أن أقف أمام كل ملامحك الدافئة وآخذ في تسطير فراشات من نور كي يزهر الصباح أحلى .. ما معنى كل ذلك أيتها الغالية ؟؟.. لا أدري غير أن السطور كانت تنساب رقراقة وعيناي تتأملان وجهك وتشربان من عذوبة لا حد لها ..
يعود الماضي مشرعا ما يشبه بوابة الحلم .. أضحك وأنا انظر إليك خلسة وأنت تتصفحين بخطوات مدوزنة كموسيقى بعض الأرصفة في طرابلس .. كنت أريد أن أمتص بما يشبه القفز المسافة الفاصلة بيني وبينك كي أمرجح ضحكة مجنونة على شفتي فرحا بلقاء بنت الخال .. أتدرين لم يكن القلم ربما قد استوى على عرشه بين الأصابع ليزهر شعرا أو ربيع همسات حالمة .. وقتها كنت آتي إلى طرابلس مع الوالدة زائرا يمضي القليل من الوقت ثم يعود إلى دمشق ممتشقا الكثير من الذكريات ..
كان الصبي وقتها حالما يعدّ أصابعه ويخطئ في العد .. وكانت البنت الصغيرة تطلق نظراتها إلى البعيد ربما باحثة عن أفق مفتوح على درج من أعياد تصعده فتصل إلى وقت مشغول بأصابع من حكايات هامسة .. لا أدري إن كان الصبي والبنت يشتركان بهذا الخيال الجامح الذي سيجعل منهما ذات يوم مدمنين للورق وحبر الكتابة .. هناك أشياء تختبئ في الظل ولا نراها إلا عندما تطوي الأيام شيئا من صفحاتها ..
نفرت أصابع الدهشة على سجادة الوقت واخذ كل واحد منا ينقش شيئا من عتبات الروح على سطور الإبداع .. أجد اسمك واسمي يرافق ما نكتب فأنده على الطفولة البعيدة كي تأتي من البعيد لتشهد كيف استطاعت تلك الأصابع الصغيرة أن تكبر ويشتد عودها لتصير قادرة على نسج فستان اخضر من مواويل ..
هل احبك ؟؟.. بالتأكيد .. حبي لك ليس وليد صدفة أو غيمة عابرة بل هو وليد عمر طويل.. سبقتك في السنوات عمرا ، لكن ها نحن نسير في الدرب الطويل معا .. جميل أن نعبر خطوط الكتابة لنلامس نجمة المساء الضاحكة .. جميل أن تنبت من بين أصابعنا كل هذه الجداول .. جميل أن اصرخ فأجد صرختي في كلماتك ، وان تكتبي فتري ظل حروفك في ثياب حروفي ..
هدى من المبدع أن يكون الوقت بيننا زنار حرف ونشيد أغنية .. خذي شيئا من زنابق القلب كي يبقى النشيد متصلا ..
طلعت
دمشق 22/7/2007
****
طلعت يا صديقي الغالي
أخذتني اليوم من حاضري و ماضيّ القريب بعدما فتحت باب الذكريات على ماضٍ بعيد يخصّ العائلة بأسرها..
مركزه و قلبه بيت جدتنا أو بيت العائلة في حي الزاهرية بطرابلس.. جدّتي والتي أكتشف كلّما مرّ الزمن على غيابها قدر حبي الهائل لها و قد استحالت ذكرى طواها الزمن..
حبٌ يبدو لي اليوم و كأنه بحجم العالم بأسره.. ليفيض نور ذكراها و الدفء الذي كنت أستمده من أحضانها و هي تروي لي حكايات حيفا و عشق جدّنا الشيخ يونس لها في لحظات تسرقها لي من أحزانها، طفولة والدي خطوة بخطوة و التي كانت تحفظها عن ظهر قلبها المفجوع به.. أم نـور أو نجلاء سقيرق جدّتي لأبي و جدّتك لأمك و عمّة والدك، بعينيها الزرقاوين الخرزيتين كسماء صيف بلادنا بصفائهما و جمال وجهها الأخاذ و قد وزعت قدرا من بعض جمال ملامحها على كلّ فردٍ من أفراد العائلة الكبيرة.. و صوتها ما زال يرّن في أذنيّ "إلاّ طلعت" ، قالت لي: " اغضبي ممن شئت و خاصمي من شئتِ حتى أنا.. "إلاّ طلعت".. فقد كانت روح نـور بطلعت و أنت من روح والدك و أشبه الناس به و روح نـور لا ينبغي أن تمزّق.." ، و ما زلت حتى اليوم أذكر هذا و أتساءل بشيء من الدهشة عن سرّ روح نـور بعشق القلم و الصداقة العميقة بيننا تحديداً ؟؟!!
في ذلك اليوم لعلّي كنت في التاسعة أو العاشرة، و من سوء حظ طفولتي التي بترت و لم تأخذ وقتها كما ينبغي أني كنت أبدو أكبر من عمري بسنوات، أخذنا عمّي سيف الدين إلى أحد الشواطئ أنا و أختي نجلاء و بناته و أنت و أختك أمل و حسام ابن عمّي صلاح، و كان قد اشترى لي ملابس البحر (مايوه)، و عميّ " سيفو" كما كنا نناديه كان يمثل لي قمّة الانطلاق بعيداً عن تقييد والدتي و رقابة عمّي يحي..
و إذ بالشاب اليافع يسرع غاضباً لمنعي من الظهور بملابس البحر لولا اعتراض خالك عليك، فجندت نفسك ترسانة تحميني من العيون مع كلّ دخولٍ و خروج من المياه.. و حين عدنا و دخلت أشكوك لجدّتي قالت: " إلاّ طلعت "
نعم يا جدّتي الحبيبة حتى اليوم و لآخر العمر إلاّ طلعت..
هل كانت وصية جدتي أو علمي بمكانتك الخاصّة عند أبي ؟؟ كلّ ما أعرفه أنّ ذلك اليوم كان تاريخا في نفسي لصداقة نفهمها أكثر و نجد أصداءها أعمق من كلّ المقاييس..
و تمرّ السنوات تموت الجدّة و تأخذنا الحياة بعيداً ليتفرق شمل العائلة كلٌ في أرض و اتجاه و تصبح الصلة مجرد اتصال هاتفي من خلف المحيطات بين الحين و الآخر بالكبار فقط و في وسط هذا أجد نفسي مجدداً و من بين الجميع أبحث عن طلعت...
حبٌ ينبض بصوت جدتي و روح أبي و وثاق متين أقوى من أن ينقطع و أصدق من أن يمزق تحت غبار الزمن و طول المسافات..
الحب.. الحب كم صفدوه حين عرّفوه بالهوى و حددوه بسياجه؟!!
ظلموك أيها الحبّ..
لغزٌ في أرواحنا و نـور في وجودنا الإنساني و سلسالٌ لا ينقطع من أنبل المعاني و المشاعر التي بها تميّزنا و تدرجنا من بشرٍ إلى إنسان..
و الإنسان من دون وفائه الإنساني و أنوار روابط مشاعره الإنسانية يرتدّ إلى الخلف و يعود بشرا.. مجرّد بشر، نوعٌ من أشرس أنواع الوحوش...
بغير معاني الحب الإنسانية يرتدّ حتى يصل إلى أحطّ و أشرس من البشرية ويصبح شارونا و بوشاً و بليراً و هولاكو و..... نيروناً يحرق و يدمّر و يغتصب أوطاناً و أحلاماً و أفراحاً كادت أن تزهر لولا أن احتسى بدمائهم نبيذه و أشعل بأوجاعهم سيكاره....
ليعش أيها الغالي الحبيب حبّ الإنسانية و يسقط هوى البشرية..
لك يا ابن عمتي و صديقي و بعض نفسي و روحي كلّ الحب
هـدى
مونتريال 23 / 2 / 2007
[/align]
[/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|