مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
ترنيمة فلسطينية - الكتاب الفلسطيني - طلعت سقيرق
[align=justify]لا تدخلوا قلبي،فقد صار الشوق شجرا ، وصارت الدروب بوصلة ، وصارت الدقات نشيدا طويلا لا يعرف الانقطاع .. كم من العمر مضى ؟؟.. كم من العمر تبقى ؟؟.. وكم علينا أن نقطع من مسافات كي نصل إلى هناك ؟؟.. كلّ الأسئلة تقود إلى طريق لا تجد فيه غير صورة فلسطين منتظرة أهلها ، مسكونة بحنينهم لها وحنينها لهم .. فهل هو الحبّ أم الشوق أم ناي الوجد الذي لا ينام ؟؟..
يصعب أحيانا أن نتداخل مع حالتنا كفلسطينيين ، كما يصعب أن نصف أبعاد الهوى الذي نحس به كونه يحمل خصوصية التجربة التي امتدت على مدار سنوات طالت حتى صار الواحد منا يحلم بتلك اللحظة التي يطوي فيها القامة والعمر وسنوات الانتظار ليقبل تراب فلسطين الغالي .. يحلم بتلك اللحظة التي يحول فيها العالم كله إلى صورة تتوقف في سكون أخاذ عند التقاء الوجوه بالوجوه فوق أرض فلسطين ... يحلم بأن تكون العودة أقرب من حبل الوريد حتى تورق سنوات العمر اخضرارا من جديد .. إنها فلسطين ، فلسطين التي نحبّ ونعشق ونريد ونحمل ونتطلع إليها في الحلّ والترحال..فلسطين التي تشكل ملامحنا فلا تظهر صورنا في المرايا إلا مسكونة بحبها ، مشغولة بالشوق إليها ، رائعة في الذهاب فيها حتى ارتفاع النبض ترنيمة حب لا تهدأ..
كنا صغارا يوم قالوا لنا عن بلد في الذاكرة والشريان .. كنا صغارا يوم رووا لنا كلّ شيء عن تلك الحبيبة التي سكنت في القلوب وكانت إرث حب وحق للأجيال القادمة على دروب العمر..علمونا أنّ فلسطين لغتنا ووجهنا ووجهتنا وأنها البلد الذي لا يمكن للحياة أن تحلو دونه ، لأن الحياة خارج فلسطين حياة انتظار وترقب وقلق ، فلا ساعة تمر إلا وتكون دقائقها مسكونة بالحديث عن العودة والرجوع إلى الديار والتعلق بالبيت الذي لا نعرف الاستقرار بعيدا عنه ..
هكذا علمونا ، فحفظنا الدرس جيدا وحولناه مع الأيام إلى كريات دم تجري في العروق لتكون الحياة ومعناها ..لذلك ترى اللاجئ كأنه على أهبة السفر في كل أيامه ، فهو التصق بتوقيت واحد ساعته التي تدور عقاربها شوقا وحبا ونبضا مصنوعة من الحب الفلسطينيّ ..
كم راهنوا على الحب الفلسطيني وخسروا الرهان ..تحدثوا عن النسيان مع دوران الأيام ، فما نسينا .. تحدثوا عن الابتعاد عن ذكر فلسطين حين يذهب جيل ويأتي جيل آخر، فما ابتعدنا بل اقتربنا أكثر وأكثر.. تحدثوا عن أنّ استقرار الفلسطينيّ في هذا البلد أو ذاك سينسيه فلسطين ويبعده عن ترداد اسمها ، فكنا في تناقض مع الاستقرار بل كنا مصرين على أننا لن نعرف الاستقرار الحقيقي إلا في فلسطين مهما جرى ، وأنّ الأيام التي تطول بعيدا عن فلسطين تبقى جرسا يقرع في الرؤوس بأن لا مكان لنا يمكن أن نفهمه ويفهمنا غير فلسطين التي سكنت فينا فكانت البداية والنهاية ..
هو الحب الذي يصعب تفسيره وتحليله وإعادته إلى المفردات الأولى .. الحب الذي يصعب أن نشرح أبعاده لأي كان ، لأنه حب جاء على شكل وقياس كل فلسطينيّ ، فصار حبا فلسطينيا تقرأه في الفلسطينيّ وتعرف أبعاده في نظراته ولفتاته وحركاته .. هو حب خرج عن نطاق الحصر أو التعريف لأنه حب شعب لأرض حرم منها سنوات طويلة ، وبيت أبعد عنه ، وحارة ما عاد يراها ، ورصيف شارع ما عاد يمشيه ، وهواء صادروه فما عاد يتنفسه ..حب الفلسطيني ترنيمة حب ووجد وشوق وعشق وكلمات سطرها القلب بخفقه فصارت دقات لا تعرف غير فلسطين ..