مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
تلاميذ غزة - الكتاب الفلسطيني - طلعت سقيرق
[align=justify]هل قهوة الصباح مرة إلى هذا الحد ؟؟..هل كان على المدينة أن تلبس ثوب المدرسة المشغول بالحرائق كي يذهب هؤلاء التلاميذ إلى مدارسهم وفي عيونهم شكل غريب من أشكال الصبر والاحتمال والوجع والفاجعة ؟؟.. هل هم في عمر يستوعب كلّ هذا الذي جرى من وحش فقد إنسانيته ونسي تماما معنى الطفولة وما تتطلبه ؟؟..
ارتدوا ملابسهم ..حملوا كتبهم .. مدوا خطواتهم على الأرصفة المدمرة .. كانت المقاعد الفارغة تحمل أسماء طلاب استشهدوا .. وكان على الصغار أن يقفوا ويقرؤوا الفاتحة على روح من رحل من زملائهم الذين كانوا معهم قبل أيام .. لماذا كل هذا الحقد على كل ما هو فلسطينيّ ، وما معنى أن نقتل الطفولة وننحرها بدم بارد ؟؟..
نعرف ، ونعي تماما ، أن سيئة الذكر " إسرائيل " ما عادت قادرة على استيعاب ما يحدث، لم يعد بإمكانها تفسير هذا الذي يجري ، فكل هذه الهمجية واستعمال،بل الإفراط الزائد في استعمال، السلاح ، في مدينة مثل غزة ، لم يؤد إلا إلى بزوغ رجال مثل الفجر الذي ينير الطريق ويعرف كيف يتحدى ويصمد ويقاوم ويستبسل ويعلم هذا الوحش الأهوج أنه قادر على قلع أسنانه وجعله ببساطة شديدة يندحر وهو يلوك الخيبة ..كل ما فعلته سيئة الذكر " إسرائيل " من تدمير مروع وقتل للمدنيين أطفالا ونساء ، يدل على أنّ الجيش المسلح بأحدث الأسلحة وبموافقة أمريكية عاجز تماما أمام رجال كانت زنودهم رغم أسلحتهم البسيطة بالتأكيد أمام آلات الفتك ، تجعل جيش العدوان يلوك الخيبة تلو الخيبة .. فكان كل هذا الحقد على المدنيين ، ومنهم تلاميذ غزة الذين عادوا إلى مدارسهم تاركين الكثير من أحلام الطفولة ، ولعب الصغار ، وحتى كلمات الأطفال،بين ركام البيوت المهدمة والأجساد الممزقة .. هل سيكون تلاميذنا بخير ؟؟..
طبيعيّ أن تؤثر الوحشية الصهيونية على نفسيات هؤلاء الصغار .. طبيعي أن تحفظ ذاكرة كل واحد منهم الكثير مما حدث،ولن نقلل من شدة وأذى ما حدث .. وطبيعي أن يحتاج تلاميذنا إلى الكثير من الرعاية والشرح ومحاولة إعادة التوازن إلى ذواتهم .. هذه حقائق لا نستطيع أن ننكرها بعد هول المجزرة التي حدثت في غزة .. حتى العلاج النفسي مطلوب بل هو ضروري لمن تركوا طفولتهم على عتبة دار مهدمة ونظروا بعين مفتوحة إلى زملاء لهم تـُشوه أجسادهم وتحرق ويموتون دون سبب .. لكن هل سنستطيع مهما حاولنا ، ومهما بذلنا من جهد ، أن نقول لهؤلاء التلاميذ إن السلام ممكن مع سيئة الذكر " إسرائيل" ؟؟...
ستمر الأيام وتكر ، لكن الذاكرة لا يمكن أن تستوعب أن الوحش الصهيوني سيكون إنسانا ذات يوم ، إنسانا كبقية البشر ، يتصرف كما يتصرفون ، ويملك الأحاسيس والمشاعر التي يملكون..ما قام به هؤلاء الوحوش لا يمحى من الذاكرة ، وصعب أن تقنع طفلا رأى ما رأى ، من دمار وخراب وقتل وحشي دون تمييز ، أن هناك مفردة اسمها " السلام " يمكن أن نستعملها مع من يبحث عن الفلسطينيّ ليقتله أينما كان ، وفي كل حال من الأحوال .. فأطفالنا الذين عادوا إلى مدارسهم وهم يتحدثون عن المقاومة وعن حبهم لأرضهم بشكل يجعل المستمع يقف في ذهول ، لن ينسوا ما حدث خلال سنوات طويلة ، وآخرها ما حدث في غزة .. كانوا شهودا يسمعون ويرون ويذوقون المر ويكتوون بالنار ، فهل نصدق أنّ ذاكرة هؤلاء يمكن أن تنسى ؟؟.. لا وألف لا .. إنهم يتسلحون بالعلم الذي يصرون عليه ، وبذاكرة لا يمكن أن تنسى أو تغفر بأي حال ..