مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
حرائق ليست صغيرة - الكتاب الفلسطيني - طلعت سقيرق
[align=justify]يظن البعض أنّ الحرائق المشتعلة في داخلنا، والممتدة على مدار سنوات طويلة ، بل طويلة جدا ، يمكن أن تمحى هكذا ما أن يجتمعوا ويوقعوا على أوراقهم البيضاء أو السوداء لا أدري !!.. ظنا منهم أنّ ما حدث قد صار بحكم المنتهي ولا معنى لأن نلوك سيرته من جديد ، ما دمنا نبدأ عهودا جديدة ، ربك أعلم بما تحمل من مصائب لها أول وليس لها آخر!!..فالمهم أنّ الصكوك التي ستمهر سيكتبون عليها ربما بلغات كثيرة يصعب علينا إحصاؤها أنها صكوك سلام بين دولتين ، الدولة الأولى هي سيئة الذكر " إسرائيل " والدولة الثانية هي دولة حضرتنا..ولا داعي هنا لأن نحسب المساحات التي ستعطى لنا والمساحات التي ستبقى لهم ، ولا داعي لأن نقرأ الشروط التي ستقام عليها دولتنا – إذا قامت !!- ولا داعي لأن نعرف المسموح لنا في دولتنا وغير المسموح ..ولا داعي أيضا لأن نعرف حتى نسبة الهواء التي سيسمحون لنا بتنشقها ، إذ أعتقد أن ذلك سيخضع لمفاوضات كثيرة تنشف الريق لأن ما سنتنشقه من هواء يعني الكثير الذي يجب أن يحسب حسابه!!..دعك من كل هذا ، وهو كم طويل عريض يحتاج إلى ألف حساب وتعال نتحدث يا رعاك الله وحفظك وأبقاك عن أمور لن يتحدثوا عنها لأنها ستكون في خبر كان أو إحدى أخواتها أو جاراتها ..!!..
ولن نطيل السيرة حتى لا يمل السادة القراء، سنختصر بالقول ماذا عن ماضينا الذي قضيناه بالغربة ؟؟.. ماذا عن هذه السنوات التي ذهبت من أعمارنا ونحن في الشتات ..ماذا عن أيامنا التي أكلها وحش القهر والحرقة والاكتواء بعيدا عن الوطن.. ونسأل هنا ببساطة شديدة "هل هذه الحرائق حرائق صغيرة يجوز أن نتجاوزها هكذا معتبرين أنها أصغر بكثير من أن توضع على طاولة المفاوضات ليبحث فيها أصحاب الأقلام الملونة الذين يبتون بكل صغيرة وكبيرة "..؟؟..
باعتقادي أنّ لبّ الموضوع هنا وليس في أي مكان آخر .. فكل ما كان بعد ذلك قائم بل محسوب على ما سبق ..يعود ذلك إلى العام 1948 ، وإذا أردنا الحق إلى قبل ذلك..فمعاناة الشعب الفلسطيني طويلة بعمر السنوات التي مضت وامتدت وحفرت نتائجها على الأرض وفي النفوس قبل ذلك.. الفلسطيني كان يمر كل يوم بجديد يخلق جديدا بالنسبة له حتى وصلت الجراح إلى ما وصلت إليه ، وتجاوز هذه الجراح غير جائز بأي شكل من الأشكال لأنها الأساس التي حفرت وشكلت وغرست وخلقت الوقائع اللاحقة .. ولأن هذه الجراح ليست صغيرة ، ولن تكون صغيرة يفترض أن تحسب كلها جملة وتفصيلا دون نسيان أي منها أو تناسي جزء من أجزائها .. فكل شيء يجب أن يوضع في مكانه الصحيح وان يوزن بميزان صحيح ..
علينا أن نبدأ من المسببات وأن نحاسب هذه المسببات ونتعامل معها كما تعاملنا مع النتائج ..فالجرح جرح .. وليس هناك جرح يترك وجرح نقف عنده .. السنوات التي قضيناها تشردا وضياعا وحرقة وعذابا يجب أن تحسب قبل غيرها ..كيف يعوضنا المجتمع العالمي عن هذه السنوات وبأي صيغة ؟؟..هذه ليست مشكلتنا ، لأننا المصابون ، وعلى من يريد أن يداوي أن يوجد الدواء .. هم يتبجحون بالحريات والحق وما شابه ، وهذا الذي ضاع من أعمارنا حق مبين واضح يصعب أن نتنازل عنه أو نبادله بحفنة دولارات .. قد لا نجد الآن الدواء .. قد لا نجد الآن الجواب الحقيقي على كيف سيكون الحل .. لكن هي مشكلة على العالم إذا أراد أن يعمل بضمير حقيقي أن يوجد لنا الحل ..هذه مشكلتهم وليست مشكلتنا!!..