لقد ودعنا الصديق الغالي طلعت سقيرق ونكاد في حالات اللاوعي نكذب أنفسنا بأن المرحوم قد فارقنا بهذه السرعة , فما زالت صورته الفتيّة النضرة تضغط على ذاكرتي , وما زلت أتذكره من خلال لقاءات قليلة
جمعتني به مع ابنته العزيزة سهير وابن اخيه العزيز كنان ,
رحمه الله كان إذا لقيته باسم الوجه وضاحك القسمات , إذا سامر أمتع , وإذا ناقش أقنع , لا تدحض له حجة ولا يرد له رأي , كان عمله شغله الشاغل ودأبه المتواصل , وهم فلسطين والوطن يسكنه إلى أن فتك به.
وهنا أتساءل والقلب يعتصره الألم
هل غاب عنا طلعت سقيرق ؟؟؟
ولكن كيف غاب عنا ؟؟؟
أجل لقد رحل , الجميع يقول هذا !!! وقبل الرحيل دخل في عالم الصمت المحيّر وكنا على غير انتظار , فاجأتنا نومته الأخيرة , فاستيقظت في أنفسنا الأسئلة على الآمال , وتفجرت فينا براكين الحزن واللهفة .
بهدوء رحل طلعت سقيرق , تماماً كما عاش كل سنوات حياته وفكره وعمله .
اليوم أتحدث عنك أستاذ طلعت سقيرق , فماذا عساي أن أقول ؟؟ وكيف للكلمات أن تعطي ثمانية وخمسين عاما هي حياتك بكل ما فيها من تضحية ورجولة ومحبة وشهامة وعطاء . لقد كنت معطاءاً إلى مالاحدود
مع القريب والبعيد , وفياً مع الأصدقاء, مخلصاً للمبادئ , متفائلاً بالمستقبل, متنكراً لذاتك في سبيل الآخرين , مبتسماً حتى في أحلك الظروف ,
وداعك أخي طلعت ... صعبٌ ومرٌ وقاس , ويبقى عزاؤنا الوحيد ما تركته لنا من تراث واسع وعميق وأصيل في مجالات كثيرة , وأهمها تراثك الأدبي والثقافي في مجال الأدب والثقافة من أشعار وقصص وروايات , والأهم كتابك الفلسطيني الذي سيخلدك إلى الأبد .
أجل , لقد افتقدناك جميعاً : أسرتك وأهلك وأحباءك وطلابك وأصدقاءك وأمسيات الشعر والأدب ومجلة فلسطين , كلنا افتقدنا خطواتك الواثقة , صمتك وهدوءك , حماسك واندفاعك , احتراق الشرايين فيك , دفاعك عن قضيتك ووطنك العربي الكبير وعن فلسطين الحبيبة من النهر إلى البحر التي عشقتها وآمنت بها .
كان جسمك في الشام وقلبك ينبض في حيفا , كان قلبك يرتعش في الشام وتحترق فيك الروح في القدس , كانت الروح ترفرف بك في فلسطين كلها والآمال تخفق في دنيا العرب .
أحمِل العمر وأمضي ياأبا محمود ... إمضي إلى حيفا , إلى صفد , إلى عكا , إلى بيسان , إلى القدس, إلى غزة , وأرح رأسك على وسادة من زهر البيلسان في الناصرة .
متعبٌ أنت فاسترح , وعد إلى الوطن الذي حملته كل هاتيك السنين , وألقي بجسدك المتعب في أحضانه , فقد اشتاق لك الوطن وآن له أن يحملك في أحضانه .
سلامٌ عليك طلعت سقيرق , أباً وإنساناً ومحباً وعاشقاً ومربياً وحامل رسالة ,
سلامٌ عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حياً على أرض فلسطين.
وأخيراً وليس آخراً :
ماغاب من مرّ وعبرّ ... وترك ما ترك من انطباع وأثر ...
فهو في النفس ذكرى ... وفي الوجدان عبر ...
ما هوى نجمه , ولكن ضوءه تلألأ وانتشر ...
وما انطوى اسمه... ولكن ذاع صيته وانتشر ...
وما ذوى جسمه ... ولكن تسامى ونضر ...
الرحمن مضيفه , والجنة مثواه , فنعم المضيف ونعم المستقر ,
ألا يارحمة الله .. أمطري وأكثري المطر ....
سلامٌ عليك ياأبا الفكر .