أديب بالفطرة
كالعادة أتوسد الحائط و أنا جالس على أرضية الغرفة أحاول أن أكمل كتابة قصتي الأخيرة التي أريدها أن تكون جيدة، لقد استغرقت وقتا طويلا في كتابتها و أريد أن أجد لها خاتمة تليق بها فلا يعقل أن أضيع كل هذا الوقت ثم أخرج في النهاية خاسرا، هل يمكن أن أستيقظ يوما ما فأجد شخصيات القصة تدعوني لأشرب معها قهوتي الصباحية و نتمشى قليلا في شوارع المدينة؟!، أنا أعلم أن هذا الأمر مستحيل فهي مجرد شخصيات تبتكرها عقولنا و لا نلتقي بها إلا في الخيال رغم أن الأشباح أصبحت تحتل مساحة كبيرة من حياتنا، إنها الورقة العاشرة التي أمزقها و لم أثبت لحد الآن على جملة واحدة أضيفها لقصتي التي أوشكت على إنهائها لولا هذا الجفاف التام للأفكار، و ما زاد من قلقي تأخر عفاف – زوجتي – في إعداد طعام العشاء فأنا أشعر بالجوع الشديد و لا يمكنني التفكير و أنا جائع، و ضعت قلمي و أوراقي على الأرض و أخفضت رأسي قليلا أنتظر العشاء و أنا أمني نفسي بوجبة شهية تسكت جوعي و تأتيني بأفكار جيدة... صوت خافت ينادي "محمد".. ذلك الوجه البريء المدور يبدو مألوفا لدي، أين رأيته من قبل؟.. لكن الشاب بادرني بالسؤال: ألم تعرفني بعد؟ عجيب أمرك يا سيدي كنت أظن أن حضرتك لا يمكن أن تنسى شخصا مهما مثلي.
- شخص مهم! لا لم أعرفك يا هذا، من أنت و كيف دخلت إلى هنا؟
أنا ذلك الشاب من القصة التي تكتبها، و قد وجدت أنك تأخرت كثيرا في وضع حل لعقدة القصة فأردت أن أدهشك بأفكاري التي حتما ستعجبك.
- و بماذا تنصحني يا هذا و هل لك علم بكتابة القصص؟، أ لست مجرد شحاذ يفترش أوراق الجرائد و الكرتون و يتوسل المارة في شوارع المدينة كي يؤمن حياته أم أنك أصبحت بين ليلة وضحاها أديبا و مفكرا كبيرا؟!.
- هكذا أبدو للجميع من أول وهلة لكنني أكثر نفعا من ذلك فتلك الجرائد التي أفترشها أجد فيها أكثر مما تظن، فأنا أطالع كل ما فيها من أخبار ثقافية و اجتماعية و غيرها... و هذا أكسبني خبرة لا بأس بها في الثقافة و بإمكانك أن تسألني عن أي شيء و أنا أجيب.
- و هل تعتقد أنك بهذا تصبح أديبا؟ لو كان الأمر كذلك لافترشنا جميعا الجرائد و الكرتون على الأرصفة لعلنا نصبح شيئا ما ذات يوم؟ يا لك من شحاذ غبي.. أ تعلم؟ أنا أريد أن أكمل قصتي لذا من فضلك دعني و شأني فلا أريد أن أتأخر أكثر من هذا و أما فيما يخص أفكارك اللامعة فانفع بها نفسك هو خير لك.
- حسنا، حسنا.. استمع قبل أن أخرج من عندك لهذه الفكرة التي حتما ستعجبك و إلا قد تندم كثيرا لو طردتني قبل أن تستمع لها.. لما لا تجعل في قصتك أنني وجدت مبلغا كبيرا من المال و هكذا تغيرت حياتي و عشت في سعادة إلى الأبد، و تريح نفسك من كل هذا اللف و الدوران و تريحني أنا من معاناتي.
- إن كنت بهذا الذكاء لماذا لا تأخذ مكاني و تقوم بعملي فهكذا تحصل على المال من عرق جبينك و تساعد نفسك بنفسك أم أنك لم تفكر في هذا أيها المفكر الكبير؟!، عجيب أمر هذه الدنيا الجميع يلهث وراء المال، حتى الشخصيات القصصية و الخيالية التي ظننتها أفضل منا على الأقل في هذا الموضوع لا تقوى على مقاومة إغراءاته، الأحسن لك أن تعود للزاوية الضيقة في الشارع الذي جئت منه فأنا في غنى عن تفاهاتك التي لا تعد و لا تحصى، فحتى أنت تريد أن تستغل سذاجتي لتحصل على المال ليس إلا...
يرحل الشاب و يتركني على حالي أفكر في طريقة جيدة لأنهي قصتي، لو استطعت الانتهاء منها لحصلت على مبلغ معتبر من المال سيعيلني على مصاريف البيت التي أثقلت كاهلي، أتأمل عكازيّ الموضوعين بجانب الخزانة، لم أشأ أن أتخلص منهما رغم أني شفيت تماما من الإصابة التي كنت تعرضت لها، قصة إصابتي حكاية أخرى و لا أريد أن أتطرق لها في مثل هذا الوقت..
أستيقظ على صوت عفاف و هي تطلبني.. العشاء أصبح جاهزا،فجأة تأتيني فكرة مذهلة، لما لا أجعل مما حصل لي تكملة القصة وهكذا أجعل لقصتي مغزى و أريح نفسي، علي أولا شكر صديقي الذي أوحى لي بالفكرة و لكن كيف يمكنني أن أجده فهو مجرد وهم أتخيله كلما أغمضت عينيّْ.
عفاف تخبرني أن العشاء أصبح جاهزا و هي بانتظاري في المطبخ لنتعشى لكني أطلب منها أن تنتظر قليلا فقد أوحى لي ذلك الشحاذ بفكرة لا بأس بها، وعلي الإسراع في تدوينها قبل أن تذهب مني.
-(عفاف مستهزئة ) لتذهب أنت و شخصياتك التافهة تلك للجحيم، لقد جعلوك واحدا منهم حتى أني أصبحت أتخيلك جالسا برفقتهم، أم أن جميع الكتاب مثلك مجانين يحدثون أنفسهم و يتخيلون أشياء لا علاقة لها بالواقع، إني أصبحت أغار عليك حتى من عيون هؤلاء الأشخاص و أخاف أن يأخذوك مني يوما ما.
-لا تخافي فهم مجرد أوهام لا علاقة لها بالواقع و لن أتركك مهما حدث فأنت أغلى عندي من كل هؤلاء...
صيف 2012
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|