أصحاب الغمامة
أصحاب الغمامة
في أواخر الستينيات من القرن الماضي وفي
تلك القرية دائما، التقى رهط على رأسهم
عمي دحان أو ملك الغرام ، كما يُلقّب ،
بغرفة من غرف منزل شاب يسمى رَقُّوع
في جلسة تطوعية لطرد حشرة الناموس
المزعجة من القرية وهذه التسمية كناية عن
جلسات تعاطي الكيف أوالقنب الهندي.
أفرط القوم في التدخين حتى نال ذلك من
عقولهم وعيونهم التي أطبقت أجفانها حتى
كاد النفع من وجودها ينعدم وبفعل هذا
الإفراط تكوّنت غمامة من الدخان لبّدت
حيز الغرفة. ومن غريب الصدف أن
تواجد يومها بالقرية طبيب العيون في زيارة
عمل من زياراته النادرة لها ، وفي جولة له
بأزقتها بعد انتهائه من فحص المرضى ،
التقى بمجموعة عمي دحان بعد خروجهم
من غرفة الإدمان تلك ينطح الواحد منهم الآخر و
يتعثرون في مشيهم ويصطدمون بكل ما يعترض
طريقهم ، فاثأروا انتباهه ما جعله يتوقف
عندهم ويسألهم عن حالهم فأجابه ملك الغرام :
كما ترى، فنحن لم نعد نبصر ولا نرى.
أخذهم الطبيب معه إلى عيادة القرية وبعد فحص
عيونهم قرر نقل أربعة منهم إلى مستشفى
المقاطعة هم : الملك ، رقوع ، قيس ودحمان .
أجريت للجميع عمليات جراحية على كلتي العينين
وعلى واحدة فقط بالنسبة لقيس وقد قرر الجرّاح
استبقائهم بالمستشفى إلى غاية نزع الضمادات .
أقام المرضى جميعهم بغرفة كبيرة فيها ينامون وفيها
يتناولون وجباتهم .
وجد قيس الفرصة مواتية للخصم من وجبات صحبه
دون رضاهم ولا حتى علمهم، فكان يستولي على
نصيب الملك من اللحم ، والحلو من دحمان أما السَلطة
فمن رقّوع و قد ساعد فقر الخاضعين للإقتطاعات
الذين يرتب لديهم ما كان يسلب من وجباتهم ضمن قائمة
الكماليات التي لا يتمكنون من تناولها إلا نادرا على
عدم لفت الإنتباه .
في اليوم الثالث من الإقامة الإستشفائية وفي أثناء
وجبة الغذاء قرر رقّوع أن يهدي قليلا من اللحم
لعمي دحّان فمد يده نحوه به وقال : أرجو أن تقبلوا
مني يا صاحب الجلالة هذا .
فرد هذا الأخير : قبلنا ... فما هو ؟
فقال رقّوع : أمسك وستعرف .
استقام الملك في جلوسه وقال مستغربا: لحم ؟
وهل كنتم تأكلون اللحم ؟
أجاب قيس بسرعة خاطفة حتى يقطع الطريق على
الآخرين : يبدو أن أخينا رقُّوع محظوظ اليوم .
ومن سريره قال دحمان مفندا : لا أعتقد أن الأمر
يتعلق بالحظ ، فمنذ مجيئي إلى هنا لم تخل وجباتي
من اللحم .
ثم تدخل الملك بثالثة الأثافي: لكم استغربت من محتوى
هذه الوجبات التي كانت تقدم لنا ، إذ لا يعقل أن تحتوي
على السلطة والحلو دون اللحم ...!!!
رقوع : ماذا ؟ .... السَلطة ؟!!!
تلاه دحمان : وأنا لم أتناول الحلو أبدا ؟!!!
الثلاثة المقتطع منهم : وأنت يا قيس ...؟
قيس بمكر ودهاء: بالنسبة لي كل وجباتي
كانت تحتوي على اللحم والسلطة والحلو
دون الأكلة الرئيسية التي منعت عني حتى
لا تزيد من الألم بعيني و ربما يكون الأمر
نفسه بالنسبة لكل واحد منكم، فقد يكون اللحم
لا يناسب وضعية عمّي دحّان ، وقد تكون
السَلطة مضرة لرقّّوع وللغرض نفسه يكون
الحلو قد حجب عن دحمان ... ربما....الله أعلم ... !!
الملك : ربما ... الله أعلم ....
انكب المرضى من جديد على صحونهم
في صمت يخفي الكثير من التساؤلات حول
مكونات الوجبات المقدمة، وبينما هم كذلك
دخل عليهم العون المكلف بالإطعام لجمع
الصحون ، فبادره الملك بالسؤال : ما هذا
الانتقاء الغريب للأكل يا أخي ..؟
العون : ما ذا تعني ؟
الملك : هذا يحرم من اللحم وهذا من السلطة و
ذاك من الحلو وذاك من الأكلة الرئيسية ...؟
العون : ليس هناك أي انتقاء ...( في هذا الأثناء
ينسحب قيس بحذر إلى الخارج ) ....كل الوجبات
متماثلة ولا اختلاف فيها ......
ملك الغرام : ماذا ؟ يعني الماكلة كيف كيف ؟
العون : نعم ...... كيف كيف ....................
أحتار القوم في هذا الأمر وعجزوا عن تفسيره
لكن السؤال الذي لم يجدوا له جوابا هو: من
هو الفاعل ؟ وهل هو من نفس مجموعتهم ، أم من
خارجها ؟ وإذا كان من الداخل فمن يا ترى بمقدوره
فعل ذلك ؟ وهنا طرح سؤال جوهري آخر هو: من
في المجموعة أجرى عملية على عين واحدة ؟
في حركة فجائية قام الملك بتفقد دحمان ورقّوع للتأكد
من تعصيب عيني كل واحد منهما وبقيت الشكوك تحوم
حول قيس ، وما إن دخل حتى باغته دحمان بمسح لعينيه
فوجد أن اليمنى غير معصبة ، فجثا مع زميليه على جثته
الضخمة و انهالوا عليه ضربا وعضا ولكما وقرصا إلى أن
تمدد على السرير كالمشلول ثم فرضوا عليه التصرف
في وجباته طيلة المدة المتبقية وتوزيعها عليهم لجبر الأضرار
التي لحقت بهم على النحو التالي : اللحم لعمي دحان والسلطة
لرقوع أما الحلو فلدحمان ولا يترك له إلا الأكلة الرئيسية .
انتشرت هذه القصة كالنار في الهشيم بين ناس القرية كبيرهم
وصغيرهم ، ذكرهم وانثاهم وكانت من بين القصص التي
كانوا يتفكهون بها ويتندرون ، ومع مرور الوقت أصبحت
تعرف عندهم بقصة " أصحاب الغمامة " .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|