التعليم في إسرائيل تطبيق للأيديولوجية الصهيونية
التعليم في إسرائيل تطبيق للأيديولوجية الصهيونية
يمثل التعليم أداة مهمة في عملية تشكيل وعي سياسي والتزام إيديولوجي قومي يتجاوز الالتزام المحلي، والتعليم يعتبر الركيزة الأولى في تحديد معالم المجتمع، وهو أساس لنهضته، ويحمل على عاتقه مهمة متميزة في إنتاج النخب والقيادات السياسية وفي التنمية الاقتصادية ورفع معنويات الشعب والأمة، والتعليم يلعب دورا رياديا في عملية بناء الدولة، ولذلك تنبهت الحركة الصهيونية والقيادات السياسية الإسرائيلية لأهمية التعليم لما له من أثر ودور في خدمة أهداف الحركة الصهيونية، ولوظيفة جهاز التربية والتعليم في إسرائيل بعدان واضحان يتمثل الأول في غرس القيم الدينية والصهيونية، والثاني في تطوير القضايا التعليمية والرغبة في امتلاك المعرفة. فالمشروع الصهيوني اعتبر التعليم جزءا لا يتجزأ بل الأهم في عملية بناء الدولة والأمة وصياغة الهوية الجماعية بشكل قائم على الانتقاء والتعبئة، فالحركة الصهيونية استعملت التعليم لإنتاج معنويات قومية وتعميمها في سبيل بلورة "الإنسان الجديد" وهذا ما أشار به (إحاد هعام) إلى مدراء الحركة الصهيونية بقوله "احتلوا المدارس"، فكان الهدف المعلن للمؤسسة التعليمية في المستوطنة الجديدة أن تعد الجيل الشاب كي يكون عضوا في المجتمع الصهيوني الإسرائيلي وبذلك المساهمة في تحقيق أهداف الصهيونية.
لقد طورت الأيديولوجية الصهيونية رموزا مشتركة تعبر عن الطموح إلى البعث القومي والحضاري والاجتماعي للمجتمع اليهودي وعلى الجهاز التربوي ترجمة هذه الأيديولوجية إلى أهداف تربوية وبرامج وأساليب تدريسية يتم بواسطتها تلقين الأيديولوجية للأجيال القادمة وغرسها في نفوسهم. ولا بد من الإشارة إلى تشكل الذات بواسطة جهاز التعليم الذي يحدد منظومة المصطلحات والوعي والمعرفة واحتمالات السلوك لدى الفرد، ومن هنا فقد خضع التعليم في إسرائيل منذ البدايات لأسس أيديولوجية متمثلة في المعتقد الصهيوني، واعتبر التعليم أداة روحية وركيزة لبناء الهوية والهوية الجماعية للطالب عبر الأيديولوجية الصهيونية وما انبثق عنها من معتقدات اجتماعية بواسطة غرسها بشكل انتقائي في كافة مناهج ومضامين التعليم، فكانت إحدى مهام التعليم هي بعث الصهيونية بكل مستوياتها ودرجاتها.
الباحثة البيوم درور خلصت إلى أن إحدى مميزات عملية تحديد سياسة التعليم قبل قيام الدولة أن العملية التربوية ارتبطت بالميول الأيديولوجية، وبالنشاط الاجتماعي والسياسي العميق وأن السياسة التعليمية تحددت بموجب قرارات عملية براغماتية قصيرة المدى لكنها وجهت من قبل رؤيا صهيونية بعيدة المدى.
لقد كانت أهداف التعليم كما حددها قانون التعليم الحكومي الرسمي أقل في المجال الاجتماعي وأكبر في المجال القومي حيث ضمن قانون التعليم الرسمي استمرار الرؤية الصهيونية في جهاز التعليم.
ومن الأمثلة على أن التعليم في إسرائيل ما هو إلا تطبيق للأيديولوجية الصهيونية ما جاء في دراسة أعدها الباحث الإسرائيلي إيلي بودبا المحاضر في جامعة حيفا والتي جاء فيها أن جهاز التعليم الإسرائيلي قد اختار النهج القومي الذي يخضع الماضي لاحتياجات الراهن والمستقبل على حساب الحقيقة والموضوعية في كتابة التاريخ بهدف خلق ذاكرة جماعية متميزة. مؤكدا على أن كتب التاريخ الإسرائيلية التي أخضعها للبحث انشغلت بتعميق القيم الصهيونية ورعاية الأساطير وتمجيد أبطالها. وأشار بوديا إلى ردة فعل غريبة في إسرائيل على زيارة السادات لإسرائيل حيث حرص كبار المسؤولين في الدولة على الدعوة إلى تعميق القيم الصهيونية على حساب ثقافة السلام.
الوزيرة ليمور لفنات قامت بإخراج كل ما ليس مستمدا من الرواية الصهيونية التاريخية التي تعتبر أن فلسطين كانت خالية من السكان عدا قلائل هربوا عام 1948م. وقد ِأعلنت قرارا أن التربية الصهيونية هي من بين أولوياتها، وبأمر منها صدر كراس يحوي مائة مصطلح أساسي ثلثها في التراث اليهودي والثلث في الصهيونية والثلث في المصطلحات الديمقراطية وأصبحت هذه المصطلحات ملزمة لجميع الطلبة.
ورد في منهج تدريس الموطن للمدارس الرسمية الصادر في العام 1954م عدة أهداف أولها تجذير الفكرة لدى الطلبة على أن أرض إسرائيل هي وطن الشعب اليهودي. كالشعار الذي رفعته الحركة الصهيونية "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
جاء في نص المادة الثانية من قانون التعليم الرسمي في دولة إسرائيل التشديد على وجود الشعب اليهودي وعلى تراثه وتاريخه وحضارته، متجاهلين تماما وجود الشعب الفلسطيني وتاريخه وحضارته، وكأنه لا يعيش في هذا البلد سوى شعب واحد هو الشعب اليهودي، وقد جاء في نشرة وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية أن طابع دولة إسرائيل اليهودي مؤسس على الثقافة والتاريخ اليهودي، وعلى الأيديولوجية الصهيونية.
فالتعليم في إسرائيل يعتبر جزءا مهما لا يتجزأ من المشروع الصهيوني. بل هو أحد مقومات المشروع الصهيوني، وهو تطبيق وتجسيد للأيديولوجيا الصهيونية.
فرحان موسى علقم
كاتب وباحث فلسطيني
مختص في الشأن الإسرائيلي
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|