رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
لم يقطع هذا الحوار سوى صوت مندوبي شركة السياحة حيث قاموا بنقل
" الكروب " السياحي بباصات أنيقة إلى الاماكن التي سوف تحتضنهم 15 يوما بلياليها
وفي الطريق كان الأمر أشبه ما يكون بالحلم ، فعدنان قد جلس إلى جانب سعاد
وقد باتا أكثر انسجاما وكأنهما يعرفان بعضهم البعض منذ سنين ، وجلس وليد بخجل
إلى جانب بيرنا يحدثها إن سألت ، ولكنه قضى معظم الوقت صامتا حتى وصلا
إلى مكان إقامتهم ونزلوا في فندقين مختلفين تقل المسافة بينهما عن 300 متر .
نزل عدنان و وليد في الطابق الأول في غرفة مشتركة أشعرتهم بالحاجة إلى النوم ولكنهما لم يفعلا
ما ان بدلا ثيابهما وقفز كل واحد على سرير حتى انتفض عدنان وجلس وقال لوليد : اسمعني جيدا ..
إن بدأنا مشوارنا منذ بدايته بالنوم سوف تنقضي الأيام ونحن نياما بمعظمها .. وإن لم نتابع الأمر قد يسد فراغنا آخرون " !
فهم وليد ما قصده صديقه تماما وانصاع لمشورته واتفقا على تناول العشاء باكرا بعد أن يعرضا على الفتاتين مشاركتهما إن قبلتا ذلك !
- ولكن قل لي ، بماذا حدّثتها بداية ؟ قال وليد .
- ألا تعرف أخاك يا حبيب حين يضع صبية في رأسه !
كل ما في الأمر إني تظاهرت بالخوف الشديد عند أحد المطبات الهوائية
فتظاهرت بالحديث معك دون الحديث ، ثم نظرت نحوها وقلت : الحمد لله
إن صديقي نائم وإلا كان قد صرخ بي ، فبادرتني بسؤال : " هل هذه أول مرة "؟
حقيقة لم أسمعها جيدا فاقتربت برأسي نحوها مستفهما ، وهي بدورها اقتربت مني
وكررت ما قالت ، ثم مِلنا نحو حافة المقاعد ، وتعرف بقية ما دار بيننا من احاديث ! "
- لقد احسست بأن شخصيتها قوية وتبدو مغامرة وتتمتع بموهبة قيادية ، عندما استمعت إليها
وهي تحدثك شعرت بمدى قدرتها على الكلام ، هل يعني ذلك بأنها مثقفة .. هل هي متحزبة ؟ "!
ردّ عدنان بتهكم :
- نعم .. ولكن أنت تنظر إلى شيء لا ينظر إليه أخاك ، إني اتطلع إلى شيء آخر يا " مسأف "
(يضحك ويقصد بقوله يا مثقف ) ثم أضاف :
- اخي انظر إلى "رفيقتك " الباردة رغم جمالها ، هي من النوع الذي لا يعجبني ، هي كالطاووس منظر فقط !
وانت تحب الألوان هههههه ابسط يا عمّ .. ولكن لا تكن كلوح الخشب وتتصنع الخجل أو الأخلاق كعادتك !
- أخي أنت تعرفني جيدا فلا تذهب بعقلك بعيدا ،
قلت لك منذ بداية التخطيط للرحلة بأني سأذهب وانا بريء وأعود بريئا !
- بريء ..! انتبه على نفسك مني يا بريء .. حتى لا تفقد عذريتك أيها " البتول " هههه ،
سوف أربي شنبي لو تصمد امام لمسة من يدها .. أنت من نظرة كنت ستقع على الأرض ! الأيام بيننا على أي حال .
:
صاحبنا عدنان هذا ، أنعم الله عليه بوجه وسيم ، جميل الطلعة طويل القامة رشق ودائم التأنق ، يمتلك خبرة واسعة في مهنته ،
وموهبة يُحسد عليها في اجتذاب الزبائن ، يعرف مع من ومتى ، يتحدث
إلى إحداهنّ بجدّ ووجه عبوس ، ومتى يضحك ويمرح ، ويعرف من هي تلك الزبونة التي تشتري والتي تتسلى ،
مغترّ قليلا ، ألا انه طيب القلب جدا ، وهو حنون جدا جدا ، وهو رجل كريم لا يتردد ولا يتراجع ، مهنته
كبائع ألبسة نسائية منذ زمن بعيد قد نزعت عنه الخجل ، وهو خبير - كما كان يقول - بأمزجة النساء ، فمتجره لا
يخلو من الزبائن على مدار اليوم بالرغم من ارتفاع أسعاره وبالرغم من تمرده على بعضهن في كثير من الأحيان!
أما وليد فهو خطاط ماهر ، يعشق مهنته ، شاب مثقف إلى حد ما ، هيئته تشبه ممثلي أبطال الأفلام التاريخية
، متوسط الطول رياضي متقدم ، يمتلك عضلات ظاهرة تلفت الأنظار قوي البنية ، الصلابة الظاهرة على شخصيته
لا تعكس رقة نفسه ، مخلص وودود ، وقد كان على عكس عدنان لا يعرف من أمر النساء شيئا .. !
لم يقرب امرأة قط في حياته كلها بالرغم وقوعه في الحب ومرات فهل هو أمام حبّ جديد ؟!
:
جاء المساء بكل ألوانه الزاهية ، وأنواره الساطعة ، وحكاياته الحميمة التي
تتحدث عنها تلك الطرق الضيقة والمتعرجة المتعددة بين الأشجار ..وجلسات
تلك الاستراحات الصغيرة حيث يتسابق السياح إليها متلهفين لملئها ، والتي تنبعث
منها أصوات الموسيقى الهادئة هنا ، والصاخبة هناك ، ولكن استراحة من تلك ، كانت
تضع تكرارا اسطوانات المغنيين العالميين في ذلك الزمن الجميل " julio iglesias " وSalvatore Adamo "
" و المغنية الفرنسية الساحرة Marie Laforet التي كانت اغنيتها " Viens, Viens "
على ألسنة عشاق ذلك الزمن الجميل الذي حمل عدنان و وليد إلى تلك البقعة من العالم وهم بالأصل
من سكان بلد قد تقدم على غيره من البلاد العربية في تداول الفن الغربي عموما .. هم في
دولة شيوعية ولكنها تفاجئك بالكثير من التراث الشرقي والأسماء العربية، عندما سأل وليد عرف
فيما بعد أن الأتراك احتلوا تلك البلاد لمئات السنين والجالية التركية كبيرة فيها ، أبناءهم يعملون
في أعمال متواضعة كسائقي سيارات الأجرة وعمال في الحانات والمطاعم وتجارة السوق السوداء
للعملة والدعارة ! وها بعض العرب خصوصا الليبيين والعراقيين ، يتهافتون على هذه البلدان الفقيرة
والرخيصة للتمتع بطبيعتها في مختلف الاتجاهات ،والانتقال إليها لا يحتاج سوى ساعات قليلة من الزمن
وها هو عدنان و وليد قد هربا من بلد يتّقد بالنيران بعد أن كان واحة لسياح العالم بجماله وتراثه وكرم
أبناءه وتعدد ثقافاته .. أتوا إلى بلد لم يعرفوا أنه يعيش هو أيضا ضمن دائرة امبراطورية هي الدولة الأقوى في العالم .. ثاني ..
يحكمهم حزب شيوعي شمولي قد أجبرته ظروفه الاقتصادية على نوع من الانفتاح بدأها من الباب السياحي
الذي أول ما اخترق كان بنيته الاجتماعية من الناحيتين السلبية والايجابية ..!
|