[زياد صيدم]

قبل اربعة عقود ونيف قامت وكالة الغوث لرعاية اللاجئين الفلسطينيين فى مخيمات قطاع غزة بالاستعانة بمهندس معمارى يهودى اسمه " ابو مسعود " لتصميم وبناء مساكن للاجئين التى هدم الاحتلال منازلهم بحجج وذرائع امنية.. أتذكره وكنت ابن العاشرة حينها وهو يعتمر قبعته القش ويمسك بلفائف ورقية طويلة وخرائط وما شابه..اذكره اليوم بصدق تصميمه ومهنيته كزميل معمارى ثبت لى صدق وجمال ما صممه حاضرا ومستقبلا ..اليوم وللأسف الشديد تقوم البلدية فى مخيم النصيرات باستثمار بخس لتعهد للقطاع الخاص باستغلال تلك الفراغات والمتنفسات للأحياء السكنية بالتعدى الصارخ على حق الاطفال باللعب والترفيه لاسيما وهذا المربع الترفيهى والمتنفس تحيط به عمارات من 6 طوابق واقلها من 3 ..نعم هذه هى الحقيقة فاليهودى المعمارى " ابو مسعود " كان امنينا ومخلصا فى عمله وشرف مهنته .. لأنه تنبأ مستقبلا بان بيوت الكرميد ستصبح عمارات شاهقة بهذا الحجم فتكون تلك المتنفسات صمام امان للأجيال وتزايد البشر الطبيعى من ناحية ترفيه وتهوية واضاءه طبيعية وبإحياء للمناسبات الاجتماعية المختلفة بين الاهالى وما شابه...
فموافقة " الدائرة الفنية " فيها لهو اضرار بشرف المهنة الهندسية وقدسيتها وخاصة من لجنة تدين بالإسلام دينا وفى شهر رمضان خاصة فكيف تفتى بمشروع سيغير الحى كله ويشقلب كيانه ؟ ويستبدل الهدوء والراحة بضجيج العربات التى تنقل المياه العذبة لبيعها للناس ثانية وتعطل مجال الرؤيا لسكان الحى بعضهم البعض وهم يجلسون ارضا هربا من الحر مع استمرار انقطاع الكهرباء فتبدد الالفة فيما بينهم على الرغم من تعدد الانتماءات السياسية لهم والتى لم تفلح بزعزعة الصداقة بين الاهالى والجيران حتى اللحظة ليأتى هذا المشروع بسوره المزمع انشاءه وقد بدأ العمل فى اساساته ليعزل الناس ويمنع تواصلهم الحسى من رؤية بعضهم البعض .. كما انه يحجب الهواء ويثير الازعاج والضجيج فمكانه ابدا ليس بداخل حى سكنى وإنما بعيدا وخارجا عن الاحياء السكنية فيكفى تواجد بئر ماء مالحة فى هذا المتنفس منذ العام الماضى وقد اخذ حيزا من المكان وتغاضينا عنه...
لهذا فانى اجد بان حق الطفولة والأجيال فى هذا الحى الآمن والوديع حتى اللحظة و المكتظ اساسا بالسكان والعمارات المحيطة قد صودر ارهابا واجحافا فى ظل غياب القانون والعدالة وحضور كاسح لمافيا الكسب الحرام بأى ثمن وبأى وسيلة كانت ...
وما يثير حفيظتى والسكان الجيران اللذين تحدثت معهم يكمن فى استمرار اصرار البلدية - التى جاءت تعيينا بأمر عسكرى وليس انتخابا شعبيا - على عدم الاتصال بالناس ؟ ولا حتى بمن تقدم بالشكوى عبر موقعها الالكترونى ؟! اصرار منها على تنفيذ مشروعها الربحى ومنفعتها على حساب حق الطفولة وبيعهم بثمن حتما لن يكون إلا بخسا .. وا أسفاه على لجنة البلدية الفنية وفقدها لشرف مهنتها وقدسيته فى زمن تغيب فيه قيم الحق والعدالة والحرية فى قطاع يئن تحت سياط العدو والصديق معا .. تلهبه بلا رحمة او هوادة فحسبنا الله ونعم الوكيل .