التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,856
عدد  مرات الظهور : 162,343,723

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > الله نور السموات والأرض > مرافئ الروح في رحاب الإيمان > الإعجاز.القرآني.والمناسبات.الدينية والمناظرات
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 23 / 01 / 2012, 21 : 10 AM   رقم المشاركة : [1]
عبد القادر الأسود
شاعر وباحث، عضو اتحاد الكتاب العرب أصدر 8مجموعات ولديه 15 مخطوطة 3منها دراسة أدبية

 الصورة الرمزية عبد القادر الأسود
 





عبد القادر الأسود is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

الدر النظيم ... التعوذ ، البسملة ، الفاتحة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

أمرَ الله تعالى بالاستعاذة عند أوّلِ كلِّ قراءة فقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم ِ} .
ويجوز فيها الإسرارُ والإعلان . أمّا في مجالس القرآن فإنّها تقرأ في البدء، ولا يكون بعدها ثمّةَ حاجةٌ لترديدها من باقي القراء ، إلاّ إذا كان هناك فاصل من حديث في أمر الدنيا . أمّا إذا كان الحديثُ متعلِّقاً بالتلاوة ، كبيان حكمٍ أو تصحيح تلاوةٍ ، فإنه يتعوَّذُ سِرّاً عند المتابعة .
ويحمل هذا الأمر" بالتعوذ "على النَدْبِ في كلِّ قراءة في غير الصلاة . واختلفوا في التعوُّذِ أثناء الصلاة . فمنهم من قال إنها واجبة . وتعوَّذَ الإمامان الجليلان أبو حنيفةَ النعمان والشافعي ـ رحمهما الله ـ في الركعة الأولى وحسب ، لأن قراءةَ الصلاة كلَّها واحدةٌ عندهما؛ بينما رأى الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ أنْ لا تعوُّذَ في الصلاة المفروضة وإنما في صلاة قيام رمضان فقط .
وقد أجمع العلماء على أنّ التعوُّذَ ليس من القرآن ولا آية منه ، وأنّ
لفظه هو كما جاء في كتاب الله تعالى .
رُوي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنّه قال : قلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ؛ فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( يا بنَ أمِّ عبْدٍ ، أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم ، هكذا أقرأني جبريل عن اللوح المحفوظ عن القلم )) .
وجاء في فضل التعوُّذِ : أنَّ رجلان اسْتَبّا عند النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجعل أحدُهما يَغضَبُ ويحمَرُّ وجهُهُ وتَنتفخُ أوداجُه ؛ فنظرَ إليه النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ((إني لأَعلمُ كلمةً لو قالها لَذَهبَ ذا عنه ، أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم .....)) أخرجه البخاري .
ورُويَ عن ابنِ عمرَ رضيَ الله عنهما أنّه قال :كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا سافر فأقبل عليه الليلُ قال :
(( يا أرضُ ربّي وربُّك اللهُ ، أعوذُ باللهِ مِنْ شَرِّكِ ومِنْ شَرِّ ما خُلِقَ فيك، ومِن شَرِّ ما يَدبُّ عليك ، ومِنْ أَسَدٍ وأَسْود ، ومِن الحيّةِ والعقربِ ومِن ساكنيِّ البَلَدِ ووالدٍ وما ولد )) .
ورَوتْ خولةُ بنتُ حكيمٍ قالت : سمعتُ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (( ما نَزَل منزلاً ثم قال أعوذُ بكلمات اللهِ التامّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ ، لم يَضُرُّهُ شيءٌ حتّى يرتحل )) . أخرجه مسلمٌ والتِرمِذيُّ ومالكٌ في الموطَّأِ .
أما في معناها فإنها في كلام : الاستجارةُ والتحيّزُ إلى الشيء امتناعاً به من مكروه يخشى ؛ يُقال : عُذتُ بفلان واستعذت به ؛ أي لجأت إليه . وهو عياذي ، أي ملجأي . وأَعذتُ غيري به وعوَّذتُه بمعنى .
والشيطانُ واحدُ الشياطين ؛ على التكسير ، والنون أصلية، لأنّ الشيطان من فعل شَطَنَ إذا بَعُدَ عن الخير . وشَطَنَتْ دارُه "كشطّت " أي بَعُدت ؛ وبئرٌ شَطونٌ أي بعيدةُ القَعْر . والشَطنُ: الحبْلُ ، أيضاً ؛ سمّيَ بذلك لبُعدِ طَرَفيْه وامتدادِه . وسمّي الشيطانُ شيطاناً لبُعدِه عن الحقِّ وتمرُّده؛ وكلُّ عاتٍ متمرِّدٍ ، من الجِنِّ والإنسِ والدوابِّ شيطان . والعرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشياطين .
والرَجيمُ أي المبعَدُ من الخيرِ المُهانُ . وأصلُ الرجمِ : الرميُ بالحجارة ،
وقد رَجمتُه أرجمُه ، فهو رجيم ومرجوم . والرجم : القتلُ ، واللّعنُ ، والطردُ ،
والشتم أيضاً.
والشيطان: إبليسُ ـ لَعَنَهُ الله ـ والرجيمُ : المرجوم المبعد المطرودُ مِن كلِّ رحمةٍ وخير .

















بسم الله الرحمن الرحيم

قال بعضُ العلماءِ : هو قَسَمٌ من ربِّنا ـ تبارك وتعالى ـ أَنزلَه أَوَّلَ كلِّ سورةٍ ، ليُقسم لعبادِه بأنَّ هذا الذي وضعتُ لكم في هذه السورةِ حقٌّ ، وإنّي أَفي لكم بجميعِ ما ضَمِنتُ في هذه السُورةِ من وعْدي ولُطفي وبِرّي .
وقال آخرون : إنها تَضَمَّنتْ جميعَ الشرع ، لأنها تَدُلُّ على الذات العليَّةِ وعلى الصفات السنيّة .
وهي عند الشافعيِّ الآيةُ الأُولى من سورة الفاتحة ، بينما لم يعدّها الإمام مالك كذلك ، رحمهما الله . واتّفقَ العلماءُ على أنّها بعضُ آيةٍ من سورَةِ النملِ، ثمّ اختلفوا : فمنهم مَنْ عدّها آيةً مُستقلَّةً في أوَّلِ كلِّ سورةٍ ، ما عَدا سورةِ التوبة (( براءة )) ذلك لأنّ بدايتَها تَبرُّؤُ الله ـ تباركت أسماؤه ـ من المشركين والمنافقين وتقريعٌ لهم ووعيدٌ ، وهو أمرٌ فيه من اسمِه الجبار والمنتقم والشديد ، و ليس فيه من اسمِه الرحمن الرحيم .
ومنهم مَنْ قال : إنّ بسم الله الرحمن الرحيم بعضُ آيةٍ من أوّلِ كلِّ سورةٍ ، ومنهم مَن قال إنّها في الفاتحة دون غيرِها ، ومنهم مَنْ قال إنّها كُتِبتْ للفصلِ ، بين سورِ القرآن الكريم ليس إلاّ .
والباءُ فيها زائدةٌ لأنّها أتت للخفض ، وهي تُسمّى باءَ التَضمين أو باءَ الإلصاق كقولك : كتبتُ بالقلم ، فالكتابةُ لاصقةٌ بالقلم . وهي مكسورةٌ أبداً ، وخافضةٌ لما بَعدَها فلذلك كَسَرتْ ميمَ " اسمِ " وفي إعرابها نقول : الباءُ حرفُ جرٍّ زائد .
وكان عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ يقول فيها لكُتّابِهِ:(طَوِّلوا الباء وأظهِروا السين ، وفرِّجوا بينهما ، ودَوِّروا الميم تعظيماً لكلامِ اللهِ تعالى) .
وقد أسقطوا الألف بعدها للتخفيف ، إذ الأصلُ أن تقول باِسم الله ... وفي الكلام إضمارٌ واختصارٌ تقديرُه : قل ، أو ابدأ بسم الله . والمعنى: بالله تكوّنت الموجوداتُ ، وبه قامت المخلوقات .
فأمّا معنى الاسم ، فهو عينُ المسمّى وحقيقةُ الموجود ، وذاتُ الشيءِ وعينُه ونفسُه واسمُه ، وكلُّها تُفيد معنىً واحداً . والدليلُ على أنّ الاسمَ عينُ المسمّى قولُه تعالى : { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسمُه يحيى } فأخبر أنّ اسمَه يحيى، ثمّ نادى الاسمَ وخاطبَه فقال : { يا يحيى } فيحيى هو الاسم ، والاسم هو يحيى .
وقوله تعالى : {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا..} وأراد الأشخاص المعبودة ؛ لأنّهم كانوا يعبدون المسمّيات .
وقوله تعالى : { سَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الأعلى } و{ تَبَارَكَ اسمُ رَبِّكَ } .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لَتَضْرِبَنَّ مُضَرُ عِبادَ اللهِ حتّى لا يُعبَدَ له اسمٌ )) أي حتى لا يعبد هو .
وأصله سِمْو " من السُمُوِّ " وجمعُه : أسماء ، مثلُ قِنْوٍ وأَقْناء وحِنْوٌ وأحْناء ، فحُذفت الواو للاستثقال ، ونقلت حركة الواو إلى الميم فأُعربت الميم بحسب محلها في الإعراب ، ونقل سكونُ الميمِ إلى السين فسكنت ، ثم أُدخلتْ ألفٌ مهموزةٌ لسكون السين " اسم " ؛ لأجل الابتداء يدلّك عليه التصغير والتصريف يقال : سُمَيّ " في التذكير " وسُمَيَّة " في التأنيث " لأنّ كلَّ ما سَقط في التصغير والتصريف فهو غيرُ أصلي .
وكلمةُ بِسْمِ : جارٌّ ومجرورٌ ، والباء ـ هنا ـ للاستعانة لأنَّ المعنى : أَقرأُ مستعيناً بالله ، أو باسم الله ، ولها معانٍ أُخَرُ وهي :
ـ الإِلصاقُ حقيقةً أو مجازاً ، نحو : مَسَحْتُ برأسي ((على الحقيقة))
ومررْتُ بزيدٍ (( على سبيل المجاز )) .
ـ والسببيّةُ : نحو { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ .. } أي بسببِ ظلمهم .
ـ والمُصاحَبَةُ نحو : خَرَجَ المجاهدُ في سبيل الله بماله ، أي مُصاحِبَاً له ، ويقال كذلك خرج المهزوم بثيابه .
ـ والبَدَلُ (( أو العِوض )) كقوله عليه الصلاة والسلام : ((ما يَسُرُّنِي بها حُمْرُ النَّعَم)) أيْ بَدَلها . كما لو قلتَ هذا بذاك .
ـ والقَسَمُ : أي أحلفُ باللهِ لأفعلنَّ كذا ، أو بالله عليك إلاّ فعلتَ كذا وكذا .
ـ والظَرْفيَّةُ نحو : نحو قوله تعالى (( إنّ أوّلَ بيتٍ وضعَ للناسِ للذي ببكّةَ )) أي فيها ، وكذلك قولك : نهرُ بردى بالشام .
ـ والتَعْدِيَةُ نحو : {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ } . لأنّ هذا الفعل ((ذهب )) فعلٌ لازمٌ في مثل قولك : ذهب فلان ، فالجملة هنا فعل وفاعل فقط دون مفعول به ، فإذا أردنا أن نعدَّيَه ليتَّخذ مفعولاً به وجب أن نقول : ذهب فلانٌ بفلانٍ .
ـ والتَبعيضُ كقول عنترة:
شَرِبَتْ بِمَاءِ الدُّحْرُ ضَيْنِ فأصْبَحَتْ ........... زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ
أي بعضاً من مائه . ولذلك قال بعضُ الفقهاء في (( فامسحوا برؤوسكم )) أي ببعضها .
ـ والمقابلة: " اشتريتهُ بألف " أي : قابلتُه بهذا الثمنِ .
ـ والمجاوزة مثلُ قولِه تعالى: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام} أي عن الغمام ، ونحو قوله سبحانه : { الرحمنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } أي عنه .
ـ والاستعلاء كقوله تعالى : { ومنهم إن مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أي على قنطار .
وقد تُزادُ مُطَّرِدةً وغيرَ مطَّرِدةٍ ، فالمطَّردةُ في فاعل " كفى " نحو : {وكفى بالله شهيداً } وفي خبرِ ليس و " ما " أختِها ، كقوله تعالى: { أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ }و{ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عما يعمل الظالمون } وفي: بحَسْبِك زيدٌ .
وغيرَ مطَّردةٍ في مفعولِ " كفَى " كقول أحدهم :
فكفى بنا فَضْلاً على مَنْ غيرُنا ....................... حُبُّ النبيِّ محمدٍ إيانا
أي : كَفانا فضلاً .
وفي المبتدأ غيرَ " حَسْب " أوفي خبر " لا " أختِ ليس ، كقول أحدهم:
فكُنْ لي شفيعاً يومَ لا ذو شفاعةٍ ............ بمُغْنٍ فتيلاً عن سَوادِ بنِ قاربِ
أي : مُغْنياً ، وفى خبرِ كان مَنْفِيَّةً نحو:
وإنْ مُدَّتِ الأيدي إلى الزادِ لم أكنْ ....... بأعجلِهم ، إذْ أَجْشَعُ القومِ أَعْجَلُ
أي: لم أكنْ أعجلَهم.
وفي الحال وثاني مفعولَيْ ظنَّ منفيَّيْنِ أيضاً كقوله :
دعاني أخي والخيلُ بيني وبينه .................. فلمَّا دعاني لم يَجِدْني بقُعْدَدِ
أي : لم يَجِدْني قُعْدَداً .
وفي خبر " إنَّ " كقول امرئ القيس :
فإنْ تَنْأَ عنها حِقْبَةً لا تُلاقِها .................... فإنك ممَّا أَحْدَثَتْ بالمُجَرِّبِ
أي: فإنك المجرِّب .
والاسمُ لغةً : ما أبانَ عن مُسَمَّى ، واصطلاحاً : ما دلَّ على معنىً في نفسه فقط غيرَ متعرِّضٍ بِبُنْيَتِهِ لزمانٍ ، بعكس الفعل فهو متعلق بزمان ما، الماضي " الفعل ماض " أو الحاضر " الفعل المضارع " أو المستقبل " فعل الأمر والمضارع إذا سبق بالسين أو سوف " والتسميةُ : جَعْلُ ذلك اللفظِ دالاًّ على ذلك المعنى .
واختُلِف : هل الاسمُ عينُ المُسَمَّى أو غيرُه ؟ وقد بسَطْنا في ذلك آنفاً ، وما يَعنينا من ذلك : أنَّ الاسمَ ـ هنا ـ بمعنى التسمية ، والتسميةُ غيرُ الاسم، لأنَّ التَسْمِيةَ هي اللفظُ بالاسم والاسمَ هو اللازمُ للمُسَمَّى .
ثم إنَّ في الكلامِ حَذْفُ مضافٍ ، تقديرُه : باسم مُسَمَّى اللهِ. و الاسم مشتقٌ من السُّمُوِّ وهو الارتِفاعُ ، لأنه يَدُلُّ على مُسَمَّاه فيرفعُه ويُظْهِرُهُ ، وذهب بعضهم إلى أنّه مشتقٌّ من الوَسْمِ ، والوَسْمُ العلامةُ لأنّ الاسمَ علامةٌ على مُسَمَّاه .
وقيل في " بسم " : أنّ الباءَ بَهاءُ اللهِ عزَّ وجلَّ ، والسينَ سناءُ اللهُ عزَّ وجلَّ ، والميمَ مجدُ الله عزَّ وجلَّ ، فقد جاء في الحديث الشريف عن أبي سعيدٍ الخِدريِّ رضي الله عنه أنّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن عيسى بنَ مريمَ أسلمَتْهُ أمُّه إلى الكُتّابِ ليتعلّم ، فقال له المعلّم : قل باسمِ الله . قال عيسى : وما باسم الله ؟ فقال له المعلّم : ما أدري . قال "أي عيسى عليه السلام " الباءُ : بهاءُ الله ، والسينُ : سناءُ اللهِ ، والميمُ: مملكةُ اللهِ )) . فاعْجَبْ لمتعلِّمٍ يُعلِّمُ أستاذَه .
ولفظُ الجلالةِ " الله " عَلَمٌ على ذاتِ الخالقِ ـ عزَّ وجلَّ ـ تفرَّدَ به ـ سبحانه ـ ولا يُطلَق على غيرِه ، ولا يُشارِكُه فيه أحد .
و" الله " اسمٌ لواجبِ الوجود ، وليس من أحد واجب وجودُه سواه سبحانه وتعالى ، قسّم علماء التوحيد الوجود إلى: واجب ، وهو وجود خالق للموجودات جميعها ، ووجود جائز أو ممكن ، وهو وجود العالم وما فيه ، ووجود مستحيل كوجود شريك للخالق: (( .. وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ )) .
وأصلُ هذه الكَلِمَةِ " إله " فأُدخلت الألفُ واللام فيها تفخيماً وتعظيماً لمّا كانَ اسمَ اللهِ عزَّ وجَلَّ ، فصار "الإله"فحُذفت الهمزةُ استثقالاً لِكَثرَةِ جَرَيانها على الألسُنِ ، وحُوِّلتْ هُوِيّتُها إلى لامِ التعظيم فالتقى لامان ، فأُدغِمتْ اللامُ الأولى في الثانية ، فقالوا " الله " .
وهو اسمٌ عَلَمٌ غيرُ مشتقٍّ من صفةٍ . قال الله تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } .
و" اللهُ " أكبرُ أسمائه ـ سبحانَه ـ وأجمعُها ، وهو اسمُ اللهِ الأعظمُ ـ عندَ أهلِ التحقيق ـ الذي حوى الأسماءَ كلَّها ، وبين الألفِ واللامِ منه حرفٌ مُكنّى غيبٌ من غيبٍ إلى غيبٍ ، وسِرٌّ من سِرٍّ إلى سِرٍّ ، وحقيقةٌ من حقيقةٍ إلى حقيقةٍ . لا ينال فهمه إلاَّ الطاهرُ من الأدناس ، كما قالوا .
ومن العلماء مَن عَدّه مشتقاً ؛ واختلفوا في اشتقاقه ، فقال بعضُهم هو من التألُّهِ ، وهو التنسُّكُ والتَعَبُّدُ ، يُقالُ : أَلَهَ إلاهَةً ، أي عَبَدَ عِبادة . فقد قرأَ سيّدُنا عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : " ويَذَرَكَ وإلهَتَكَ " أي عبادتك .
وقيل هو من " الإلْهِ " وهو الاعتمادُ ، يُقالُ : أَلَهْتُ إلى فلانٍ ، آلَهُ إلْهاً، أي فَزِعتُ إليه واعتمدتُ عليه .
وقيل هو من قولهم " أَلِهْتُ في الشيء " إذا تحيّرتَ فيه فلم تَهْتَدِ إليه . وقيل هو من " أَلُهْتُ إلى فلان " أي سكنتُ إليه .
وقيل أصلُه مِن " الوَلَهِ " وهو ذهاب العقل لفقدان من يعزّ عليك . وأصلُه " أَلُهَ " ـ بالهمزة ـ فأُبدل من الألف واوٌ فقيل الوَلَهُ ، مثل ذلك ((إشاحٌ ، ووشاحٌ )) و ((وكاف ، وإكاف )) و (( أرّختُ الكتابَ ، وورّخته )) و (( وُقِّتَتْ ، وأُقِّتَتْ )) .
فكأنه سمّيَ بذلك ؛ لأنّ القلوبَ تَوَلَّهُ لمحبَّتِهِ وتَضْطَرِبُ وتَشتاقُ عند ذكره .
وقيل : معناه محتجبٌ ؛ لأن العرب إذا عَرَفَتْ شيئاً ، ثم حُجِبَ عن أبصارِها سمّتْه إلهاً ، قيل : لاهتْ العروس تَلُوهُ لَوهاً ، إذ حُجِبت .
والله تعالى هو الظاهر بالربوبيّة ـ بالدلائل والأعلام ـ المحتجبُ من جهةِ الكيْفيَّةِ عن الأوهام .
وقيل : معناه المتعالي ، يقال : " لاه " أي ارتفع . وقيل : هو مأخوذٌ من قولِ العربِ : أَلِهْتُ بالمكان ، إذا أقمتُ فيه .وقيل من " أَلَهَهُمْ " أي أحوجهم فالعبادُ مَوْلوهون إلى بارئهم أي محتاجون إليه في المنافع والمضارِّ ، كالواله المضطرّ المغلوب .
وغلَّظَ بعضٌ بقراءة اللام من قوله : " الله " حتى طبقوا اللسان به الحنك لفخامة ذكره .
ولم يتسمّ به غيرُه ـ سبحانه ـ ولذلك لم يُثنَّ ولم يجمع : فاللهُ اسمٌ للموجودِ الحقِّ الجامعِ لصفات الإِلهيّة ، المنعوت بنعوت الربوبيّة ، المنفرد بالوجود الحقيقيّ ، لا إله إلا هو ، سبحانه وتعالى .
و" الرحمن " : اسم فيه خاصيّةٌ من الحرف المكنّى بين الألف واللام الذي سلف ذكره آنفاً .
و " الرحيم " : هو العاطف على عباده بالرزق في الفرع والابتداء في الأصل رحمة لسابق علمه القديم وفضله .
أي بنسيم روح الله اخترعَ من مُلكِه ما شاء ، رحمةً لأنه رحيم . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه { الرحمن الرحيم } اسمان رقيقان أحدهما أرقُّ من الآخر ، فنفى الله تعالى بهما القنوط عن المؤمنين من عباده .
{ الرحمن الرَّحِيمِ } قيل هما بمعنىً واحد مثل { نَدْمان ، ونَديم } و {سَلمان ، وسَليم } و { هَوان وهَوين } ومعناهما : ذو الرحمة ، والرحمة : إرادة الله الخير بأهله ، وهي على هذا القول تكون صفةَ ذات . وقيل : هي ترك عقوبة من يستحق العقوبة " وفعل " الخير إلى من لم يستحق ، وعلى هذا
القول تكون صفةَ فعل ، يُجمَع بينهما للاتّساع .
وفرَّقَ الآخرون بينهما فقال : بعضهم الرَّحْمن على زِنَةِ فَعْلان ، وهو لا يقع إلاّ على مبالغة القول . وقولك : رجلٌ غضبان ، للمُمتلئِ غَضَباً ، وسكران لمن غلب عليه الشراب .
فمعنى " الرَّحْمن " : الذي وسِعت رحمتُه كلَّ شيءٍ . وقال بعضُهم : "الرَّحْمنُ " العاطف على جميع خلقه ؛ كافرِهم ومؤمنِهم ، بَرِّهم وفاجرِهم ، بأنْ خَلَقَهم ورَزَقَهم . قال الله تعالى : {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } .
و" الرحيم " بالمؤمنين خاصّةً بالهداية والتوفيق في الدنيا ، والجنَّةِ والرؤيةِ في الآخرة . قال تعالى : { وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً}.
فـ " الرَّحْمنُ " خاصُّ اللفظِ عامُّ المعنى و " الرحيم " عامُّ اللفظِ خاصُّ المعنى . و " الرَّحْمن " خاص من حيث إنّه لا يجوزُ أنْ يُسمّى به أحدٌ إلاّ اللهُ تعالى ، عامٌّ من حيث إنّه يشمَل الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع . و" الرحيم" عامٌّ من حيث اشتراكُ المخلوقين في المسمّى به ، خاصٌّ من طريق المعنى ؛ لأنّه يَرجِعُ إلى اللطف والتوفيق .
و" الرَّحْمنُ " اسمٌ خاصٌّ بصفةٍ عامّةٍ ، و " الرحيم " اسمٌ عامٌّ بصفةٍ
خاصَّةٍ .
وقيل : الرَّحْمنُ بأهل الدنيا ، والرحيمُ بأهل الآخرة . وجاء في الدعاء: يا رحمنَ الدنيا ورحيمَ الآخرة .
و" الرحمن الرحيم " : صفتان مشتقّتان من الرحمة ، وقيل : الرحمنُ ليس مشتقاً لأن العربَ لم تَعْرِفْه في قولهم : {وَمَا الرحمن} وأجيب عنه بأنهم جَهِلوا الصفةَ دونَ الموصوفِ ، ولذلك لم يقولوا : وَمَنْ الرحمن ؟
وذهب بعضهم إلى أن " الرحمن " بدلٌ من اسمِ الله لا نعتٌ له ، وذلك
مبنيٌّ على مذهبه من أنَّ الرحمن عنده عَلَمٌ بالغلَبة . واستدَلَّ على ذلك بأنّه قد جاء غيرَ تابعٍ لموصوفٍ ، كقوله تعالى: { الرحمن عَلَّمَ القرآن } و { الرحمن عَلَى العرش استوى } .
وقد رُدَّ عليه بأنّه لو كان بدلاً لكان مبيَّناً لِما قبله، وما قبلُه ـ وهو الجَلالةُ ـ لا يفتقرُ إلى تبيينٍ لأنها أعرفُ الأعلامِ ، ألا تراهم قالوا : { وَمَا الرحمن} ولم يقولوا : وما اللهُ .
أمَّا قوله : " جاء غيرَ تابع " فذلك لا يمنعُ كونَه صفةً ، لأنه إذا عُلم الموصوفُ جاز حَذْفُه وبقاءُ صفتِه ، كقولِه تعالى : { وَمِنَ الناس والدوابِّ والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } أي نوع مختلف ، وكقول الشاعر :
كناطحٍ صخرةً يوماً لِيُوْهِنَها ................ فلم يَضِرْها وأَوْهَى قرنَه الوَعِلُ
أي : كوعلٍ ناطح .
و" الرحمةُ " لغةً : الرِقّةُ والانعطافُ ، ومنه اشتقاقُ الرَّحِم ، وهي البطنُ لانعطافِها على الجَنين ، فعلى هذا يكون وصفُه تعالى بالرحمة مجازاً عن إنعامِه على عبادِه كالمَلِك إذا عَطَف على رعيَّته أصابَهم خيرُه . ويكونُ على هذا التقدير صفةَ فعلٍ لا صفةَ ذاتٍ.
وقيل : الرحمةُ إرادةُ الخيرِ لمَنْ أرادَ اللهُ به ذلك ، ووَصْفُه بها على هذا القولِ حقيقةٌ ، وهي حينئذٍ صفةُ ذاتٍ ، وهذا القولُ هو الظاهرُ .
وقيل : الرحمةُ رِقَّةٌ تقتضي الإِحسانَ إلى المرحومِ ، وقد تُستعملُ تارةً في الرقّة المجرّدة وتارةً في الإِحسان المجرَّد ، وإذا وُصِف به الباري تعالى فليس يُراد به إلاّ الإِحسانُ المجرّدُ دونَ الرقّةِ ، وعلى هذا رُوي : " الرحمةُ من الله إنعامٌ وإفضالٌ ، ومن الآدميين رقةٌ وتعطُّف " .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " وهما اسمان رقيقان أحدهما أرقُّ
من الآخر أي : أكثرُ رحمة " .
وقال عليه الصلاة والسلام : (( إن الله رفيقٌ يحبُّ الرِفقَ ، ويُعطي عليه ما لا يُعْطي على العنف )) ، وأمَّا الرحيمُ فالرفيق بالمؤمنين خاصة .
واختلف أهلُ العلمِ في (( الرحمن الرحيم )) بالنسبة إلى كونِهما بمعنىً واحدٍ أو مختلفين .
ومنهم مَنْ قال : لكلِّ واحد فائدةٌ غيرُ فائدةِ الآخر ، وجَعَل ذلك بالنسبة إلى تغايُرِ متعلِّقِهما إذ يقال : (( رَحْمنُ الدنيا ورحيمُ الآخرة )) يُروى ذلك عن النبي صلَى الله عليه وسلم . وذلك لأنَّ رحمتَه في الدنيا تَعُمُّ المؤمنَ والكافرَ ، وفي الآخرة تَخُصُّ المؤمنين فقط . ويُروَى : رحيمُ الدنيا ورحمنُ الآخرة ، وفي المغايَرة بينهما بهذا القَدْر وحدَه نظرٌ لا يَخْفى .
وذهب بعضُهم إلى أنهما مختلفان ، ثم اختلف هؤلاء أيضاً : فمنهم مَنْ قال : الرحمنُ أبلغُ ، ولذلك لا يُطلق على غيرِ الباري تعالى ، واختاره الزمخشري ، وجعلَه من باب غَضْبان وسَكْران للممتلىءِ غَضَباً وسُكْراً ، ولذلك يقال : رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة فقط " فكان القياسُ الترقِّيَ من الأدنى ، إلى الأعلى ، كما يُقال : شُجاعٌ باسلٌ ، ولا يقال : باسِلٌ شجاع .
ثم أجاب بأنه أَرْدَفَ الرحمنَ الذي يتناول جلائلَ النِّعَمِ وأصولَها بالرحيمِ ليكونَ كالتتمَّةِ والرديف ليتناولَ ما دَقَّ منها ولَطَف .
ومنهم مَنْ عَكَس فجعلَ الرحيمَ أبلغَ ، ويؤيده روايةُ مَنْ قال : رحيم الدنيا ورحمان الآخرة لأنّه في الدنيا يَرْحم المؤمن والكافرَ ، وفي الآخرة لا يَرْحم إلا المؤمن . لكن الصحيح أنَّ الرحمنَ أبلغُ ، وأمَّا هذه الروايةُ فليس فيها دليلٌ ، بل هي دالَّةٌ على أنَّ الرحمنَ أبلغُ ، وذلك لأنَّ الرحمةَ في القيامة أكثرُ بأضعافٍ، وأثرُها فيها أظهرُ ، على ما يُروى أنه خَبَّأ لعباده تسعاً وتسعينَ رحمةً ليوم القيامة ووضع لهم رحمة واحدة في الدنيا فبها يتراحم الخلق كلّهم .
يُروى أن سيدنا موسى عليه السلام سأل ربّه كيف أن الخلق كلّهم يتراحمون برحمة واحدة ، فقال انظر يا موسى ، فنظر فرأى أمّاً جالسةً أمام التنور والعجين عن يمينها والحطب عن شمالها وابنها في حجرها منحنية عليه وهو يرضع ، وهي تغالب الدخان واللهب فقال : سبحانك يا ربِّ ما أعظم رحمتك ، أكلُّ هذا برحمة واحدة ؟ ! ماذا لو لم تكن هذه الرحمة ؟؟ فقال الله ـ سبحانه ـ : انظر يا موسى ، ونزع الرحمة من قلب هذه الأم ، ولفحت النار وجهها وغلبها الدخانُ فأبعدت عن النار وجهها ، فخرجت حَلمةُ ثديها من فم الطفل فبكى ، فقالت : أنا أتحمل كلَّ هذا من أجلك؟ وقذفت به في التنّورِ قائلة : أنت أولى بها مني ، فاستغاث موسى بالله ، فأعاد الرحمة إلى قلب الأمّ فسحبت الطفل من التنور ولم يتأذى بالنار بإذن الله .
والظاهر أن جهةَ المبالَغَةِ فيهما (( الرحمن ، الرحيم )) مختلفةٌ ، فمبالغةُ "فَعْلان " من حيث الامتلاءُ والغَلَبَةُ ومبالغةُ " فَعيل " من حيثُ التَكرارُ والوقوعُ بمَحَالِّ الرحمة .
وقيل أنَّ بناءَ " فَعْلان " ليس كبناءِ " فَعِيل " ، فإنَّ بناءَ " فَعْلان " لا يقع إلاّ على مبالغةِ الفِعْل ، نحو : رجل غَضْبانُ للمتلئ غضباً ، وفعيل يكون بمعنى الفاعلِ والمفعول ، قال :
فأمَّا إذا عَضَّتْ بك الحربُ عَضَّةً ............... فإنك مَعْطوفٌ عليك رحيمُ
فالرحمنُ خاصُّ الاسمِ عامُّ الفعل . والرحيمُ عامُّ الاسمِ خاصُّ الفعلِ ، ولذلك لا يَتَعَدَّى فَعْلان ويتعدَّى فعيل . قال ابنُ سِيده : " زيدٌ حفيظٌ علمَك
وعلمَ غيرك " .
والألفُ واللام في " الرحمن " للغلَبة ، ولا يُطلق على غير الباري تعالى عند أكثر العلماء ، لقوله تعالى : {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن } فعادَلَ به ما لا شِرْكَةَ فيه ، بخلاف " رحيم " فإنه يُطلق على غيره تعالى أيضاً ، قال تعالى في حَقَّه عليه الصلاة والسلام :{ بالمؤمنين رؤوف رحيم } .
وفي وصل الرحيم بالحمد ثلاثةُ أوجهٍ ، الذي عليه الجمهور : الرحيمِ بكسر الميم موصولةً بالحمد . وفي هذه الكسرة احتمالان : أحدهما ـ وهو الأصحُّ ـ أنها حركةُ إعرابٍ، وقيل : يُحتمل أنَّ الميم سَكَنَت على نية الوقف، فلمَّا وقع بعدها ساكن حُرِّكت بالكسر . والثاني من وَجْهَي الوصل : سكونُ الميمِ والوقفُ عليها ، والابتداءُ بقطع ألف « الحمد » رَوَتْ ذلك أم سلمة عنه عليه الصلاة والسلام . وقرأ بعضهم : الرحيمَ الحمدُ "بفتح الميم" ووصلِ ألفِ الحمد ، كأنه سكَّن للوقف وقطعَ الألفَ ، ثم أَجْرى الوقفَ مُجرى الوصلِ ، فألقى حركة همزة الوصل على الميم الساكنة .
سورة الفاتحة

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)
وهي مكيّة على قول الأكثرين . وقيل بل مدنيّة وقيل : نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة ولذلك سميت مثاني ، والأصح أنها مكيّة، لأنّ الله تعالى مَنَّ على الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله في سورة الحُجُر الآية 87 : ((ولقد آتيناك سبعاً من المثاني .. )) والمراد منها فاتحة الكتاب ، وسورةُ الحُجُرِ مكيّةٌ، فلم يكنِ اللهُ لِيمُنَّ عليه بها قبل نزولها، وقد تقدّم الكلام في عدد آياتها .
ومن أسمائها : فاتحةُ الكتاب ، وأمُّ القرآن ، والسبعُ المَثاني وتسمّى سورة الحمد لله ، والواقية ، والشافية .
وقد سماها جمهور العلماء : أمّ الكتاب ، إلا أن بعضاً منهم كره تسميتها بذلك لأنّ أمَّ الكتاب هو اللوح المحفوظ ، أو هي الآيات المحكمات لقوله تعالى : (( .. آيات محكمات هنَّ أمُّ الكتاب وأُخَرُ متشابهات )) وقد ثبت في الحديث الصحيح عند الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم )) ويقال لها : سورة الحمد ، لأنها ابتُدِئت بحمده سبحانه ، ويقال لها : الصلاة، لقوله عليه الصلاةُ والسلام فيما رواه عن ربه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : (( يقول الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى : مجّدني عبدي ، وإذا قال : الحمد لله رب العالمين ، قال الله: حَمِدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم ، قال : أثنى عليَّ عبدي ، فإذا قال : مالك يوم الدين ، قال الله تعالى : فوّض إليَّ عبدي ، وإذا قال : إيّاك نعبُد وإيّاك نستعين ، قال الله تعالى : هذا بيني وبين عبدي ، وإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم ، قال الله تعالى : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )) .
وسميت الفاتحةُ : صلاةً ؛ لأنها شرطٌ فيها . على قول بعض المذاهب ، ويقال لها : الشفاء ؛ لما رواه الدارِمي عن أبي سعيد مرفوعاً : (( فاتحة الكتاب شفاء من كل سم )) . ويقال لها : الرقية ؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليمَ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( وما يدريك أنها رقية ؟ )) .
وروي أنَّ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما سماها : أساس القرآن ، قال : فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم ، وسماها سفيان بن عيينة : الواقية . وسماها يحيى بن أبي كثير : الكافية ؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها ، ويقال لها الكنز .
{ الحمدُ لله } الحمد في كلام العرب معناه : الثناء الكامل ، والألف واللام لاستغراق الجنس ، فهو ـ سبحانه ـ يستحق الحمد بأجمعِه ، والثناءَ المطلقَ .
و " الحمدُ " نقيضُ الذمِّ . وهو أعمُّ من الشكر ، لأنَّ الشكرَ يكون مقابلَ النِعمةِ بخلافِ الحمدِ ، تقول : حَمَدْتُ الرجلَ على شجاعتِه ، وعلى عِلمِه ، وتقول : شكرتُه على إحسانِه . والحمدُ يكون باللسان ، وأمّا الشكرُ فيكون بالقلب ، واللسان معاً .
وقال بعض العلماء : إن الحمدَ أعمُّ من الشكر ، لأنَّ الحمدَ تعظيمُ الفاعلِ لأجلِ ما صدَرَ عنه من الإِنعام . سواءٌ أكان ذلك الإِنعامُ واصلاً إليك
أو إلى غيرك . وأمّا الشكرُ فهو تعظيمُه لأجل إنعام منه وصل إليك.
والحمدُ للَّهِ بضمّ الدال على الابتداء ، وخبره فيما بعده . وقيل : على التقديم والتأخير ، أي لله الحمد ، وإذا وقع الجارُّ والمجرورُ والظرفُ صلةً أو صفةً أو حالاً أو خبراً تعلقا بمحذوفٍ ، وذلك المحذوفُ إن شئتَ قدَّرْتَه اسماً وهو المختار ، وإنْ شئتَ قدَّرْتَه فِعْلاً ، أي: الحمدُ مستقرٌّ لله أو استقرَّ لله .
وقيل : بنصب الدال على الإضمار ، أي أحمدُ الحمدَ ؛ لأنَّ الحمدَ مصدرٌ لا يُثنّى ولا يجمع .
و" لله " على قراءة النصب يتعلَّق بمحذوفٍ لا بالمصدرِ لأنها للبيان تقديره : أَعْنِي لله . ولذلك فقراءةُ الرفع أَمْكَنُ وأَبْلَغُ من قراءةِ النصب ومن قراءةِ الكسر ، لأنَّ الرفعَ في بابِ المصادر التي أصلُها النيابةُ عن أفعالها ، يَدُلُّ على الثبوتِ والاستقرارِ ، بخلافِ النصب فإنه يَدُلُّ على التجدُّدِ والحدوثِ .
وقُرئ أيضاً بكسرِ الدال ، ووجهُه أنها حركةُ إتباعٍ لكسرةِ لامِ الجر بعدها ، وهي لغة تميم وبعضِ غَطَفانَ ، يُتْبِعُون الأول للثاني للتجانس ، من ذلك قول الشاعر:
وَيْلِمِّها في هواءِ الجَوِّ طالبةً ............. ولا كهذا الذي في الأرض مطلوبٌ
الأصل: ويلٌ لأُمها ، فَحَذَفَ اللامَ الأولى ، واستثقل ضمَّ الهمزةِ بعد الكسرة، فَنَقَلها إلى اللام بعد سَلْب حركتها ، وحَذَفَ الهمزةَ ، ثم أَتْبع اللامَ الميمَ ، فصار اللفظ : وَيْلِمِّها .
وقُرئ أيضاً : " لُلَّهِ " بضمِّ لامِ الجرِّ ، وهي إتْباعٌ لحركة الدالِ ، وقد فضَّلها الزمخشري على قراءة كسر الدال معتلاً لذلك بأنَّ إتباع حركة البناء لحركة الإِعراب أحسنُ من العكس وهي لغةُ بعضِ قيس .
{ لله } قيل إنَّ اللامَ ـ حرفُ جرِّ للاستحقاق أي الحمدُ مستحقٌ لله ،
ولها معانٍ أُخَرُ ، منها المُلْكُ ، نحو : المالُ لزيدٍ ، والتمليكُ نحو : {جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} والنَسَبُ نحو: لزيدٍ عَمُّ ، والتعليلُ نحو : لتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بالحق ، والتبليغ نحو: قلتُ لك كذا وكذا ، والتعجبُ ويكون في القسم خاصّة ، كقول الشاعر:
للهِ يَبْقى على الأيام ذو حِيَدٍ .................... بمُشْمَخِرٍّ به الظَّيَّانُ والآسُ
والتبيين نحو : قوله تعالى : { هَيْتَ لَكَ } والصيرورةُ نحو قوله تعالى : {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } والظرفية : إمَّا بمعنى في ، كقوله تعالى : { وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة } أو بمعنى عِنْد ، كقولهم : كتبتُ الكتابَ لخمسٍ من الحضور ، أي عند خمس ، أو بمعنى بَعْدَ ، كقوله تعالى : { أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس } أي : بعد دلوكها ، والانتهاء ، كقوله تعالى : { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ } والاستعلاء نحو قوله تعالى : { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سجّداً } أي على الأذقان .
{ رَبِّ العالمين } الربُّ لغةً : السيِّدُ والمالك والمعبود ، والمُصْلِح . واختلف فيه : هل هو في الأصل وصفٌ أو مصدرٌ ؟ فمنهم مَنْ قال : هو وصفٌ ثم اختلف هؤلاء في وزنه ، فقيل : هو على وزن فَعْلٍ كقولك : نَمَّ يَنُمُّ فهو نَمٌّ ، وقيل : وزنه فاعِلٌ ، وأصلُه رابٌّ ، ثم حُذفت الألف لكثرةِ الاستعمال ، كقولهم : رجل بارٌّ وبَرٌّ .
ومنهم من قال : هو مصدَرُ ربَّهُ يَرُبُّه رَبَّاً أي مَلَكَه ، فهو مصدَرٌ في معنى الفاعل ، نحو : رجل عَدْلٌ وصَوْمٌ .
ولا يُطْلَقُ على غير الباري تعالى إلا بقيدِ إضافةٍ ، نحو قولِه تعالى: {ارجع إلى رَبِّكَ } ويقولون : هو ربُّ الدار وربُّ الإبل.
وقراءةُ الجمهورِ مجروراً على النعتِ " لله " أو البدل منه ، وقُرئ
منصوباً ، وتقديرُه : أَحْمَدُ " ربَّ " العالمين ، وقُرئ مرفوعاً فيكون خبراً لمبتدأ محذوفٍ أي هو " ربُّ " .
و" العالمين " : خفضٌ بالإِضافةِ ، علامةُ خفضِه الياءُ لجريانه مَجْرى جمعِ المذكرِ السالمِ ، وهو اسمُ جمعٍ لأنَّ واحدَه من غير لفظِه ، ولا يجوز أن يكونَ جمعاً لعالَم ، لأنَّ الصحيحَ في " عالَم " أنّه يُطلَقُ على كلِّ موجودٍ سوى الباري تعالى ، لاشتقاقِه من العَلامة بمعنى أنه دالٌّ على صانعه ، وعالَمون بصيغة الجمع لا يُطلق إلا على العقلاء دونَ غيرهم ، فاستحالَ أن يكونَ عالَمون جمع عالَم ؛ لأنَّ الجمع لا يكون أخصَّ من المفرد ، ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ " عالَمين " جُمعُ جمعٍ لأنَّ المرادَ به الملائِكةُ والجنُّ والإِنسُ . وقيل العالمون : أهلُ الجنّةِ وأهلُ النار .
وقيل : هو عبارة عن جميع المخلوقات ، واحتجوا بقوله تعالى : { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين * قَالَ رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا..} . واشتقاقُه من " العلم " و" العلامة " لظهورهم ولظهورِ أثرِ الصنعةِ فيهم .
{ الرحمن الرحيم } نعتٌ أو بدلٌ ، وقُرئا منصوبَيْنِ مرفوعَيْنِ ، وقد ذكر تفصيل ذلك في البسملة .
{ مالك يوم الدين } يجوز أن يكونَ صفةً أيضاً أو بَدَلاً ، وإن كان البدلُ بالمشتقِّ قليلاً ، وهو مشتقٌّ من المَلْك " بفتح الميم" وهو الشدُّ والربط .
وقُرئ " مالِك " بالألف ، يقال : مَلِكٌ بَيِّنُ المُلْكِ بضم الميم ، ومالكٌ بيِّنُ المَلْكِ بفتح الميم وكسرها ، فالمفتوحُ منها يعني الشدَّ والربطَ ، والمضمومُ يعني القهرَ والتسلُّطَ على من تكون منه الطاعة سواء أكان هذا التسلط باستحقاقٍ أو بغير استحقاق ، والمكسورُ هو التسلطُ على المَطيعة وغيره ، ولا يكونُ إلا باستحقاق والمِلْك ـ أي بالكسر ـ كالجنس للمُلْك ـ أي بالضم ـ فكل مِلْك ـ بالكسر ـ مُلك ، وليس كل مُلك مِلكاً، فعلى هذا يكون بينهما عمومٌ وخصوصٌ مطلقٌ ، وبهذا يُعرف الفرقُ بين مَلِك ومالِك ، فإن مَلِكاً مأخوذ من المُلْك بالضم ، ومالِكاً مأخوذ من المِلْك بالكسر ، والقراءتان متواترتان، وقد صحّ اتصافِ الربِّ تعالى بهما .
ثم إنَّ الزيادةَ في البناءِ تدلُّ على الزيادةِ في المعنى وإنَّ ثوابَ تالِيها أكثرُ من ثواب تالي " مَلِك " كما أنَّ " مالِك " أَبْلَغُ في مدح الخالق سبحانه .
وإضافةُ " مالك أو مَلِك " إلى يوم الدين من باب الاتِّساع، إذ متعلَّقُهما غيرُ " يوم " والتقدير : مالكِ الأمرِ كله يومَ الدين . وهناك مَنْ قرأ : { مَلَكَ يومَ الدينِ } فجعلها جملة فعليّة .
و" الدِّيْنِ " : مضافٌ إليه ، ودانَ عصى وأطاع ، وذلَّ وعزَّ، فهو من الأضداد . والدين : القضاءُ أيضاً ، ومنه قوله تعالى : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله } أي في قضائِه وحكمه ، و" الدين " : الحالُ ، سُئل بعضُ الأعراب فقال : لو كنتُ على دِينٍ غيرِ هذه لأَجَبْتُكَ أي : على حالة غير هذه الحالة. و" الدينُ " الداءُ : ومنه قول الشاعر :
يا دينَ قلبِك مِن سَلْمى وقد دِينا . . . . . . . . .
ويقال : دِنْتُه بفعلِه أَدِينُه دَيْناً ودِيناً - بفتح الدال وكسرها في المصدر - أي جازَيْتُه . والدِّينُ أيضاً الطاعةُ ومنه : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً } أي : طاعةً ، ويستعار للمِلَّة والشريعةِ أيضاً ، قال تعالى : { أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ } يعني الإِسلام ، بدليل قوله تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } والدِّينُ : سيرة المَلِك ، قال زهير بن أبي سلمى :
لَئِنْ حَلَلْتَ بجوٍّ في بني أسَدٍ ................. في دينِ عمروٍ وحالَتْ بينَنَا فَدَكُ
يقال : دِينَ فلان يُدانُ إذا حُمِل على مكروهٍ ، ومنه قيل للعبدِ ، مَدين
ولِلأمَةِ مَدِينة . وقيل : هو من دِنْتُه إذا جازيته بطاعته ، وجَعَل بعضُهم المدينةَ من هذا الباب .
والمالك إنما يكون للمكان أما الزمان فلا يكون إلاّ لله سبحانه وتعالى لأن مالك الشيء هو من يستطيع التصرف فيما يملك ، وما من مالك للزمان سواه تباركت أسماؤه ، فهو الوحيد الذي يستطيع أن يحكم على الزمان ويتصرف فيه ، ولذلك خصه بالذكر فقال: " مالك يوم الدين "
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } : " إيّاك " مفعولٌ مُقدَّمٌ على " نَعْبُدُ " قُدِّم للاختصاصِ وقالوا بأنّه ضميرٌ واختلفوا فيه على أربعةِ أقوال أحدُها : أنه كلَّه ضميرٌ . والثاني : أنّ " إيَّا " وحدَه ضميرٌ وما بعده اسمٌ مضافٌ إليه، وثالثُها: أن " إيَّا " وحدَه ضميرٌ وما بعدَه حروفُ تُبَيِّنُ ما يُراد به . ورابعها : أنَّ " إيَّا" عمادٌ وما بعده هو الضمير .
و" إياك " بالتخفيف معناه شمسَك ، فإنَّ إياةَ الشمس ضَوْءُها بكسر الهمزة ، وقد تُفتح ، وقيل : هي لها بمنزلة الهالة للقمر ، فإذا حَذَفْتَ التاءَ مَدَدْتَ ، قال الشاعر :
سَقَتْه إياةُ الشمسِ إلاَّ لِثاتِه ................... أُسِفَّ فلم تَكْدِمْ عليه بإثْمِدِ
و" نعبُدُ " : فعلٌ مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم ، وقيل : لوقوعِه موقعَ الاسم ، وهذا رأيُ البصريين، ومعنى المضارعِ المشابِهُ ، يعني أنه أشْبَه الاسمَ في حركاتِهِ وسَكَناتِهِ وعددِ حروفِهِ، ألا ترى أنَّ ضارباً بزنة يَضْرب فيما ذَكَرْتُ لك وأنه يَشِيع ويختصُّ في الأزمان ، كما يشيعُ الاسمُ ويختصُّ في الأشخاصِ ، وفاعلُه مستترٌ وجوباً .
والعِبادة غاية التذلل ، ولا يستحقُّها إلا مَنْ له غايةُ الإِفضالِ وهو الباري تعالى ، فهي أبلغُ من العبودية ، لأنَّ العبوديةَ إظهارُ التذلل ويقال : طريق مُعَبَّد ، أي مذلَّل بالوطء . ومنه : العبدُ لذلَّته ، وبعيرٌ مُعَبَّد : أي مُذَلَّل بالقَطِران .
وقيل: العبادةُ التجرُّدُ ، ويُقال : عَبَدْت الله بالتخفيف فقط، وعَبَّدْتُ
الرجلَ بالتشديد فقط : أي ذَلَّلته أو اتخذتُه عبداً .
وفي قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } التفاتٌ من الغَيْبة إلى الخطاب ، والالتفاتُ: أحد فنون البلاغة في الأدب العربي .
و" إيَّاك " واجبُ التقديمِ على عاملهِ ، لأنَّ القاعدةَ أن المفعولَ به إذا كان ضميراً وَجَب تقديمُه .
والكلام في " إياك نَسْتعين " كالكلام في " إياك نعبدُ " والواو عاطفة .
وأصل نَسْتعين : نَسْتَعْوِنُ مثل نَسْتَخْرِجُ في الصحيحِ ، لأنه من العَوْنِ ، فاستُثْقِلت الكسرةُ على الواو ، فنُقِلَت إلى الساكن قبلها ، فَسَكَنت الواوُ بعد النقلِ وانكسر ما قبلها فَقُلِبَتْ ياءً . وهذه قاعدةٌ مطردَة ، نحو: ميزان ومِيقات وهما من الوَزْن والوَقْت .
والسينُ فيه معناها الطلبُ ، أي : نطلب منك العَوْنَ على العبادة ، وهو أحدُ المعاني التي لـ استفعل ، وله معانٍ أُخَرُ : الاتخاذُ نحو : استعْبَدَه أي : اتخذه عبداً ، والتحول نحو : استحْجَرَ الطينُ أي : صار حَجَراً.
وقرئ " نِسْتعين " بكسر حرفِ المضارعةِ ، وهي لغةٌ مطردةٌ في حروف المضارعة ، وذلك بشرطِ ألاَّ يكونَ حرفُ المضارعة ياء ، لثقلِ ذلك . على أن بعضهم قال : يِيجَل مضارع وَجِلَ ، وكأنه قصدَ إلى تخفيفِ الواو إلى الياء فَكَسر ما قبلها لتنقلبَ ، وقد قرئ : { فإنهم يِيْلمونَ } .
والاستعانة : طلبُ العَوْن ، وهو المظاهَرَةُ والنُّصْرَةُ ، وقَدَّم العبادةَ على الاستعانة لأنها وَصْلَةٌ لطلب الحاجة ، وأطلق كُلاًّ من فِعْلي العبادة والاستعانة فلم يَذْكر لهما مفعولاً ليتناولا كلَّ معبودٍ به وكلَّ مستعانٍ ، عليه ، أو يكونُ المراد وقوع الفعل من غير نظرٍ إلى مفعولٍ نحو : { كُلوا واشربوا } أي افعلوا هذين الفعلينِ .
{ اهدنا الصراط } إلى آخرها اهْدِ : صيغةُ طلب ومعناها الدعاءُ ،
وهذه الصيغةُ تَرِدُ لمعانٍ كثيرةٍ فإذا وَرَدَتْ صيغة افعَلْ من الأعلى للأَدنى قيل فيها أمرٌ ، وبالعكس دعاءٌ ، وهي من المساوي التماسٌ . وفاعلُه مستترٌ وجوباً أي : اهدِ أنت ، و "ن" مفعول أول، وهو ضميرٌ متصلٌ يكونُ للمتكلم مع غيرِه أو المعظِّم نفسَه ، ويستعملُ في موضع الرفع والنصب والجر بلفظٍ واحدٍ نحو : قُمنَا وضرَبَنَا زيدٌ وَمَرَّ بنا . والصراطَ: مفعول ثان ، و " المستقيمَ ": صفةٌ للصراط .
وأصل " هَدَى " أن يتعدى إلى الأول بنفسه وإلى الثاني بحرفِ الجر وهو إمَّا : إلى أو اللام ، كقوله تعالى :{ وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } {يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } ثم يُتَّسَعُ فيه ، فيُحذَفُ الحرفُ الحرفُ فيتَعَدَّى بنفسِه ، فأصلُ اهدِنا الصراط : اهدنا للصراط أو إلى الصراطِ ، ثم حُذِف .
والهدايةُ : الإِرشادُ أو الدلالةُ ، كما تأتي بمعنى التقدم أيضاً ، ومنه هَوادِي الخيل لتقدُّمِها . وتأتي كذلك بمعنى التبيين نحو : {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أي بَيَّنَّا لهم ، أو الإِلهامُ ، نحو : { أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى } أي ألهمه لمصالِحه ، أو الدعاءُ كقوله تعالى : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أي داعٍ . والهدايةُ دَلالةٌ بلطفٍ ومنه الهَدِيَّةُ وهَوادي الوحش أي المتقدِّماتُ الهاديةُ لغيرها
و" الصراطُ " : الطريقُ المُسْتَسْهَل ، وبعضُهم لا يقيِّدُه بالمستسهلِ ، وهو مشتقٌّ من السَّرْطِ ، وهو الابتلاعُ : إمَّا لأن سالكه يَسْتَرِطه أو لأنه يَسْتَرِط سالكَه ، ألا ترى إلى قولهم : قَتَلَ أرضاً عالِمُها وقتلت أرضٌ جاهلَهَا ؟ وبهذين الاعتبارين قال أبو تمام :
رَعَتْه الفيافي بعدما كان حِقْبةً ............... رعاها وماءُ المُزْنِ يَنْهَلُّ ساكِبُهْ
وعلى هذا سُمِّي الطريق لَقَماً ومُلْتَقِماً لأنه يلتقِمُ سالكه أو يلتقمُه سَالِكُه .
وأصلُه السينُ ، وإنما أُبدلَتْ صاداً لأجل حرف الاستعلاء وإبدالُها صاداً مطردٌ عنده نحو : صَقَر في سَقَر ، وصُلْح في سُلْح، وإصْبَع في اسبَع ، ومُصَيْطِر في مُسَيْطر ، لما بينهما من التقارب .
والصِّراطُ يُذَكَّر ويؤنَّث ، فالتذكيرُ لغة تميم ، وبالتأنيث لغة الحجاز، فإنْ استُعْمل مذكَّراً جُمِعَ في القلة على أَفْعِلة ، وفي الكثرة على فُعُل، نحو : حِمار وأَحْمِرة وحُمُر ، وإن استعمل مؤنثاً فقياسُه أَن يُجْمع على أَفْعُل نحو : ذِراع وأَذْرُع . و "المستقيم " : اسم فاعل من استقام بمعنى المجرد ، ومعناه السويُّ من غير اعوجاج وأصله: مُسْتَقْوِم ، ثم أُعِلَّ كإعلالِ نَسْتعين. {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}
قوله تعالى : { صِرَاطَ الذين } بدلٌ منه بدلُ كلٍ من كل ، وهو بدلُ معرفةٍ من معرفة .
وقيل: إن " الصراطَ " الثاني غيرُ الأول والمرادُ به العِلْمُ بالله تعالى و "الذين " في محلِّ جرٍّ بالإِضافة ، وهو اسمٌ موصولٌ ، المشهورُ فيه أن يكون بالياء رفعاً ونصباً وجراً .
و" أَنْعَمْتَ " : فعلٌ وفاعلٌ صلةُ الموصول ، والتاءُ في "أنعمتَ " ضميرُ المخاطبِ ضميرٌ متصل مرفوعٌ . و " عليهم " جارٌّ ومجرور متعلقٌ بأَنْعمت .
و " على " حرف استعلاء حقيقةً أو مجَازاً ، نحو : عليه دَيْنٌ ، ولها معانٍ أُخَرُ ، منها : المجاوزة كقولك : رَضِيَتْ عليَّ أمي، أي : عني ، وتأتي بمعنى الباء كما في قوله تعالى { حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ } أي بأَنْ لا أقول ، وبمعنى في ، كما في قوله جل وعلا {.. مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سُلَيْمَانَ } أي : في ملك ، والمصاحبة نحو قوله سبحانه : { وَآتَى المال على حُبِّهِ ذَوِي القربى ..} والتعليل نحو قوله جل شأنه : { وَلِتُكَبِّرُواْ الله على مَا هَدَاكُمْ } أي : لأجل هدايته إياكم وبمعنى مِنْ :{ والذين هم لفروجهم حَافِظُونَ * إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ } أي : إلا من أزواجهم ، وهي مترددةٌ بين الحرفية والاسمية ، فتكونُ اسماً كقولك : نزل فلان مِنْ على السطح ومعناها من فوقه .
وفي " عليهم " لغاتٌ قُرئ ببعضها : عليهِمْ بكسر الهاء مع سكون الميم، عليهِمي بكسر الهاء وزيادة ياء بعد الميم ، عَلَيْهُمُ ، عليهُمُو : بضمّ الهاء وضمّ الميم ، وبضمها وزيادة واو بعد الميم ، عليهُمي عليهُمِ بضم الهاء وزيادة ياء بعد الميم أو بكسره ، عليهِمُ بكسر الهاء وضم الميم .
و" غيرِ " بدلٌ من " الذين " بدلُ نكرة من معرفة . و" المغضوب " خفضٌ بالإِضافةِ ، وهو اسمُ مفعول ، والقائمُ مقامَ الفاعلِ الجارُّ والمجرور فـ
"عَليهم " الأولى منصوبةُ المحلِّ والثانيةُ مرفوعتُه ، وأَلْ فيه موصولةٌ والتقديرُ : غيرِ الذين غُضِبَ عليهم . والصحيحُ في ألْ الموصولة أنها اسمٌ لا حرفٌ .
و" غير " مفردٌ مذكرٌ أبداً ، إلا أنه إنْ أريد به مؤنثٌ جاز تأنيثُ فعلِه المسندِ إليه ، تقول : قامت غيرُك ، وأنت تعني امرأة .
وقرئ " غيرَ " نصباً ، على أنها حالٌ للذين ، وقيل هو نصبٌ على الاختصاص والمعنى أخصُّ أو أعنى غيرَ .
" وَلاَ الضآلين " : " لا " زائدةٌ لتأكيد معنى النفي المفهومِ من " غير " لئلا يُتَوَهَّم عَطْفُ " الضالِّين " على { الذين أَنْعَمْتَ } و " الضَّالين " مجرورٌ عطفاً على " المغضوب " .
والإِنعام : إيصالُ الإِحسان إلى الغير ، ولا يُقال إلا إذا كان الموصَلُ إليه الإِحسانُ من العقلاءِ ، فلا يقال : أَنْعم فلانٌ على فرسِه ولا حماره .
والغضبُ : ثَورَان دم القلب إرادَة الانتقامِ ، ومنه قولُه عليه الصلاة
والسلام : اتقوا الغضبَ فإنه جَمْرةٌ تُوقَدُ في قلب ابن آدم ، ألم تَرَوْا إلى انتفاخ
أَوْداجه وحُمْرةِ عينيه، وإذا وُصف به الباري تعالى فالمرادُ به الانتقام لا غيره .
والضَّلال : الخَفاءُ والغَيْبوبةُ ، وقيل : الهَلاك ، وقيل : الضلالُ : العُدول عن الطريق المستقيم ، وقد يُعَبَّر به عن النسيان كقوله تعالى : { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا .. } .
" آمين " ليست من القرآن إجماعاً ، ومعناها : استجِبْ ، فهي اسمُ فعلٍ مبنيٌ على الفتحِ ، وقيل : ليس باسم فِعْل ، بل هو من أسماءِ الباري تعالى والتقدير : يا آمين ، وفي آمين لغتان : المدُّ والقصرُ .

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع عبد القادر الأسود
  أنا روحٌ تضمُّ الكونَ حُبّاً = وتُطلقُهُ فيزدهر الوُجودُ
عبد القادر الأسود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14 / 02 / 2013, 33 : 09 AM   رقم المشاركة : [2]
د. محمد رأفت عثمان
طبيب أمراض جلدية و تناسلية

 الصورة الرمزية د. محمد رأفت عثمان
 





د. محمد رأفت عثمان has a reputation beyond reputeد. محمد رأفت عثمان has a reputation beyond reputeد. محمد رأفت عثمان has a reputation beyond reputeد. محمد رأفت عثمان has a reputation beyond reputeد. محمد رأفت عثمان has a reputation beyond reputeد. محمد رأفت عثمان has a reputation beyond reputeد. محمد رأفت عثمان has a reputation beyond reputeد. محمد رأفت عثمان has a reputation beyond reputeد. محمد رأفت عثمان has a reputation beyond reputeد. محمد رأفت عثمان has a reputation beyond reputeد. محمد رأفت عثمان has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

رد: الدر النظيم ... التعوذ ، البسملة ، الفاتحة

شكراً لك و جعل الله ما كتبت في ميزان حسناتك , تقبل مروري .
د. محمد رأفت عثمان غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
النعيم, البسملة, التعوذ, الحر, الفاتحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سورة الفاتحة في كوب ماء ناهد شما القرآن الكريم 1 26 / 12 / 2019 39 : 02 PM
الدر النظيم من معاني الذكر الحكيم ، المقدمات عبد القادر الأسود الإعجاز.القرآني.والمناسبات.الدينية والمناظرات 0 23 / 01 / 2012 15 : 10 AM
سورة الفاتحة مرمريوسف أدعية و أذكار و فوائد دينية 5 21 / 05 / 2010 11 : 08 AM
عبد المعين الملوحي وشظايا من تداعيات طلعت سقيرق كلمات 0 21 / 08 / 2009 54 : 03 PM


الساعة الآن 29 : 11 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|