صديقتي .. اعرفها منذ ان كنا في اولى مراحلنا الدراسية ..
هي ليست ككل الصديقات ،هي لا تشبهني .. فالذي احبه هي لا تحبه ، والذي يعجبها لا يعجبني ..
ولكنها صديقتي ..
شاهدة على دموعي وابتسامتي، على لحظات جنوني .. واتزاني ..
تعرف كيف تضحكني عند الألم، وكيف تسمعني ..
هي معي عند كل خيبة أمل، تمسك بيدي، وتنطلق بي الى فضاء رحب .. اغسل همومي بزخات مطر حبها، ثم نعود لنواجه الحياة بصخبها وخيباتها .. وفرحها .. تداوي جراحي بنظرة صادقة، وبابتسامة عذبة ..
كم اهوى ابتسامة صديقتي ...
صديقتي ..
معها لا اشعر بالزمن، معها ارجع لساحات المدارس ..
نلعب .. نلهو .. شقاوتنا لا حد لها .. زميلاتنا .. وإظهار ألف عيب فيهن، كانت هوايتنا، فهذه طويلة جدا، وتلك نحيفة جدا، وهاذيك لا تهتم بشعرها، وهؤلاء جادين جدا ولا يضحكن ..
حكايات المعلمات، واسرار البنات، كتبناها على لوح الذكريات، كلما إلتقينا نخرج تلك اللوحات، بألوان كل الفصول، نحفظ تفاصيلها عن ظهر قلب .. لوحات مليئة بالفراشات، وبالدبابير .. بألوان الحياة، وبألوان الموت، لوحات سيريالية ثمينة .. وكيف لا؟ .. وهي لوحات حياتنا وذكرياتنا، آمالنا وطموحاتنا، خيباتنا وألمنا ...
صديقتي ..
وانا .. تهنا في دهاليز الرياضيات بين تفاضل وتكامل، بين الجبر وهندسة الفراغ ..
ضجرنا من حصص الفيزياء، التي لعبت بنا بالقوة والحركة، وسافرنا مع موجاتها .. الى عالم الاطياف ..
حوّلنا دروس الكيمياء في المختبرات، الى عالم من السحر والخيال، لم نحاول قط حفظ الجدول الدوري الحديث، فقد كان خارج نطاق اهتمامنا، بعناصرها الفلزية واللا فلزية .. وغازاتها النبيلة والغير نبيلة ..
حفظنا الاسماء التاريخية، والمواقع الجغرافية، الموشحات الاندلسية، والمعلقات .. والشعر الحديث والقديم، سور القرآن الكريم، والاحاديث النبوية الشريفة ..
كنا نهرب من عيون المشرفات والمعلمات، لركننا الخفي هناك .. تحت السلم .. مع صديقاتنا، اللاتي كانو يومها صديقات.. رحلن جميعا، وبقيت انا .. وصديقتي .. هناك .. في الركن الخفي ..
صديقتي ..
عندما أرسل لها بكلماتي المبعثرة، تدرك حجم الوجع في قلبي، وتفهم مفردات غربتي، وتشعر بروحي تهيم في أزقة الوطن، وتعي أن شوقي وصل لحدود الشمس، فاحترق بنار الحنين .. وماهي الا ساعات .. وربما دقائق، يأتيني صوتها عابرا المحيط الذي يفصلنا عن بعض، يحتنضن قلبي ووجداني، يطفئ لهيب قلقي ..
احلق معها في سماء مليئة بالعصافير الملونة، تفتح لي صفحات بيضاء، وتدعني اخربشها بألواني، ارسم حروف من مرّوا بحياتنا ..
ارسم شمسا ساطعة وطيور النورس، وبحر كبير وقارب صغير ذا شراع ابيض .. وجهته الوطن ..
ارسم ورودا، نضعها على نعش امنياتنا التي ماتت ودفناها .. وارسم لصوصا تنبش تلك القبور وتحييها من جديد، علّها تتحقق يوما .. من يدري ؟ ..
مع صديقتي ..
ارسم المطر والشتاء.. فهي تعشق المطر، وتتلذذ بالبرد ..
ارسم النيل الذي تعشقه، على وقع صوت العندليب عبد الحليم حافظ .. حبنا الاول ..
ارسم ملامح رشدي اباظة، وعمر الشريف .. فارسا احلامنا ..
ارسم شقاوة السيندريلا سعاد حسني، ودلع شادية، وغنج الشحرورة صباح، ورقة سيدة الشاشة فاتن حمامة، وجمال نادية لطفي، وصوت .. ماجدة ...
صديـــــقتي ..
لا تشبهني .. فأنا لا اهوى هواياتها، وهي تستنكر هواياتي ..
ولكنها صديقتي ..
صديقة عمري، ورفيقة دربي ..
صفحة الماضي .. ومرآة الحاضر .. وصحبة المستقبل ..
صديقتي ..
كم احب صديقتي ..
حفظها الله وسدد خطاها وهداها الى كل خير يرضاه، واسعدها في الدنيا والاخرة، وجمعني بها في جنات الخلد على سرر متقابلين .. اللهم آمين ..
اهداء إلى : وفاء محمد أحمد ... صديقتي.
