التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,831
عدد  مرات الظهور : 162,257,041

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > نـور الأدب > الشاعر الكبير طلعت سقيرق فقيدنا( 16 تشرين الأول/أوكتوبر 2011) > الأقسام > الشاعر طلعت سقيرق أحجية أدبية لم تفسر بعد (دراسة أعماله) > ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق
ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق دراسات الشاعر والناقد عادل سلطاني

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 01 / 11 / 2012, 59 : 10 PM   رقم المشاركة : [1]
عادل سلطاني
شاعر

 الصورة الرمزية عادل سلطاني
 





عادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

((( ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق -نماذج مختارة- )))

ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق

-نماذج مختارة-
ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق – أنت الفلسطيني أنت – نموذجا

عادل سلطاني ، 24/10/2012
مقدمة
حينما أتأمل الخطاب الشعري السقيرقي يقفز إلى ذهني مباشرة كقارئ ارتباط الهوية بالمكان في نصوصه الشعرية بشكل عام وفي النص المختار كنموذج بوجه خاص ، أين استفزني لسياحة نقدية سأحاول من خلالها اكتشاف تضاريس هذا الجسد النصي الشعري السقيرقي للوقوف على حقيقة ارتباط المكان بالهوية فيه ، فهذه السياحة القرائية لا شك أنها ستكون ممتعة والأمتع فيها الغوص المتأني العاقل الواعي خِلَلَ البنى النصية المتشابكة لتفكيك تلك الارتباطات العضوية القائمة بينها ، وتسليط الضوء على العلاقة التي أردت مقاربتها للكشف عن الهاجس الهوياتي الذي تتنفسه شخصيتنا الشعرية المختارة وارتباطها بالفضاء المكان وبالفضاءالزمان.
لقد تم اختيار هذا النص الشعري ليكون عينة لهذه الدراسة المتواضعة نظرا لاحتوائه على قرائن ارتباط الهوية بالمكان الممتزج برؤية شعرية ناضجة محنكة صقلتها محكات الأيام، ليشرق الألم والأمل الهوياتي الذي ينشده الشاعر كملاذ خلاصي من أزمات الواقع المحاصرة ،أين تصبح القصيدة الشعرية ذلك الملاذ الآمن ليسلط الشاعر عدسته الروحية التخييلية لالتقاط واقع معين ليعيد صياغة واقع جديد متخيل بلغة الشعر متحصنا بقلاع الكلمة الرسالية الملتزمة.
أَنْتَ الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْت
لَا الشَّمْسُ غَائِبَة ٌ .. وَلَا ..
صَوْتُ الْجُذُورِ .. وَلَا .. وَلَا ..
إِنَّ الْأَغَانِي عَالِيَاتْ ..
وَرُؤُوسُنَا ..
أَعْلَى .. وَأَعْلَى .. عَالِيَاتْ ..
وَنُحِبُّ أَنْ ..
وَتُحِبُّ أَنْ ..
نَمْضِي .. وَنَمْضِي فِي الطَّرِيقْ
أَطْلِقْ رَصِيفَ الذِّكْرَيَاتْ ..
أَطْلِقْ نَشِيدَكَ عَالِيًا ..
أَطْلِقْ شُمُوسَكَ وَالْجَبِينْ
أَنْتَ الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْتْ
أَعْلَى مِنَ السَّجَّانِ أَنْتْ
أَعْلَى مِنَ الْقُضْبَانِ أَنْتْ ..
أَعْلَى .. وَأَعْلَى ..
أَنْتَ .. أَنْتْ ..
أَنْتَ الْفِلِسْطِينِيُّ يَا رِئَةَ الزَّمَانِ إِلَى الْمَطَرْ
أَنْتَ الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْتْ
وَأَنْتَ أَنْتْ ..
الْأَرْضُ أَنْتْ ..
وَالدَّارُ أَنْتْ ..
وَالْبُرْتُقَالْ ..
أَنْتَ السُّهُولُ جُمِيعُهَا
أَنْتَ الْجِبَالْ
الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْتْ
أَنْتَ الْمَطَرْ ..
أَنْتَ الْجُذُورُ وَأَنْتَ فِي
جِذْعِ الشَّجَرْ ..
* * *
حَيْفَا يَدَاكْ
وَالْكَرْمَلُ الْمَجْدُولُ مِنْ شَمْسٍ هَوَاكْ
عَكَّا تَرَاكْ ..
يَافَا عَلَى أَشْجَارِهَا ..
شَدَّتْ خُطَاكْ ..
أَنْتَ الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْتْ..
سِرُّ الْهَوَى الْمُلْتَمِّ فِي شَفَةِ الْجَلِيلْ
يَهْفُو إِلَيْكَ وَأَنْتَ تَحْتَضِنُ الْخَلِيلْ
أَنْتَ الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْتْ..
سِرُّ انْتِصَابِ السِّنْدِيَانْ
أَنْتَ الْأَصَابِعُ حِينَ يَنْطَلِقُ الْحَجَرْ ..
أَنْتَ الْمَوَاوِيلُ الَّتِي ..
شَدَّتْ عَلَى خِصْرِ الشَّجَرْ ..
* * *
لِلسِّجْنِ وَالسَّجَّانِ قُضْبَانُ الْحَدِيدْ
وَلَكَ النَّشِيدْ ..
وَلَكَ النَّهَارَاتُ الَّتِي تَأْتِي إِلَيْكْ ..
مِنْ أَرْضِكَ السَّمْرَاء ِ تَأْتِي
مِنْ قَبْضَةٍ شَدَّتْ عَلَى خِصْرِ الْحَجَرْ ..
مِنْ كُلِّ .. لَا ..
مِنْ خَيْمَةٍ مِنْ كُلِّ دَارْ ..
مِنْ طِفْلَةٍ قَبَضَتْ عَلَى حَدِّ النَّهَارْ ..
دَمُنَا مَنَارْ ..
سَنَظَلُّ نَصْرُخُ فِي الطَّريِقِ إِلَى الطَّرِيقِ ..
إِلَى الدِّيَارْ
لِلْأَرْضِ إِنَّا عَائِدُونْ ..
إِنَّا إِلَيْكُمْ عَائِدُونْ ..
يَدُنَا تَشُدُّ عَلَى الزِّنَادْ ..
دَمُنَا مَنَارْ ..
خُطُوَاتُنَا مِنْ كُلِّ دَارْ ..
سَتَهُبُّ إِنَّا عَائِدُونْ ..
فَلَكَ النَّهَارُ لَكَ النَّهَارْ ..
أَنْتَ الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْتْ..
شَجَرٌ وَمِيلَادٌ .. وَأَنْتْ ..
هَذَا النَّهَارُ إِلَى النَّهَارْ ..
لِلسِّجْنِ وَالسَّجَّانِ قُضْبَانُ الْحَدِيدْ ..
وَلَهُمْ ظَلَالُ ظَلَالِهِمْ ..
لَيْلٌ لَهُمْ ..
وَلَهُمْ زَوَالْ ..
أَطْلِقْ جَمِيعَ الْأُغْنِيَاتْ
وَالذِّكْرَيَاتْ
الْأَرْضُ لَكْ ..
وَالدَّارُ لَكْ ..
وَلَكَ النَّشِيدْ ..
أَنْتَ الَّذِي فَجَّرْتَ فِي الشَّجَرِ الثَّمَرْ
أَنْتَ الَّذِي عَبَّأْتَ بِالْمَاءِ الْمَطَرْ
أَنْتَ الَّذِي أَرَّخْتَ فِي الْأَرْضِ الْجُذُورْ
أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ لِلزَّمَنِ الْبُذُورْ
أَنْتَ الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْتْ ..
فِي زَهْرَةِ اللَّيْمُونِ أَنْتْ ..
فِي حَبَّةِ الزَّيْتُونِ أَنْتْ ..
فِي الْبُرْتُقَالْ ..
فَلْيَصْرُخُوا ..
وَلْيَقْبَعُوا خَلْفَ الْأَكَاذِيبِ الْقِصَارْ
وَلْيَرْفَعُوا سِجْنًا وَقُضْبَانًا وَنَارْ ..
فَإِلَى زَوَالْ ..
لَابُدَّ أَنْ يَأْتِي النَّهَارْ ..
أَنْتَ الطَّلِيقُ .. وَأَنْتَ أَنْتْ ..
فِي صَرْخَةِ الْمِيلَادِ أَنْتْ ..
فِي خُطْوَةِ التَّارِيخِ أَنْتْ ..
الشَّمْسُ أَنْتْ ..
الْأَرْضُ أَنْتْ ..
الدَّارُ أَنْتْ ..
لَابُدَّ أَنْ يَأْتِي النَّهَارْ ..

لابدَّ أن يأتي النهارْ ..
***
الشاعر طلعت سقيرق ، 18/05/2008
http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=4217
لَا الشَّمْسُ غَائِبَة ٌ .. وَلَا ..
صَوْتُ الْجُذُورِ .. وَلَا .. وَلَا ..
إِنَّ الْأَغَانِي عَالِيَاتْ ..
وَرُؤُوسُنَا ..
أَعْلَى .. وَأَعْلَى .. عَالِيَاتْ ..
أنت الفلسطيني أنت عنوان عكس الأنا متحولا إلى واجهة لغوية محملة بمعنى دلالي يقول الهوية ، أين صارت القصيدة السقيرقية تشظيا لهذه الواجهة الهوياتية المنفجرة داخل النص الدالة على الهوية ، فهذه الأخيرة في مفهومها العام تتعلق بفهم الناس وتصورهم لأنفسهم ولما يعتقدون أنه مهم في حياتهم، أين يتشكل هذا الفهم من خلال خصائص محددة تتخذ مرتبة الأولوية على غيرها من مصادر المعنى والدلالة .[1]أما الشعور البشري بها فيعتمد على وجود الأنا المستمرة عبر الزمن .[2] وهي نوع من التمثل ، وبقدر ما تشتمل على التفاعل اللغوي بين الناس فإنها نوع من التواصل ، فالتمثل الذاتي لهوية المرء هو المركز المنظم لتمثلاته للعالم المشكل لها .[3]ونجد هذه الأنا مستمرة في زمن النص السقيرقي أينتحولت هذه الشمس الحاضرة لا الغائبة بقوة تخييلية مبدعة خلصت هذه المفردة من دلالتها اللغوية المعجمية لتصبح شعورية محلقة محملة بمعان دلالية جديدة تعكس الحرية الخلاصية التي يحلم بها الشاعر لتصير هذه الشمس مكانا خلاصيا ملاذا يبث النور والدفء لتتكلم الجذور فصوت الجذور ماهو إلا صوت الهوية الفلسطينية المتتشبثة بالوطن المغتصب المسلوب ، فهذا الارتباط الصوتي بالمكان وبالهوية يتجسد من خلال صوت الجذور التي تغني شامخة مرتفعة دالة على حياة المكان لتسمعها الشمس ، لننتقل بعد هذا المقطع إلى ارتباط صوتي آخر كصنو دلالي لصوت الجذور تعكسه الأغاني العاليات المتماهية في صوت الجذور ليمتد صوتها معانقا الشمس كاشفة الانعتاق والخلاص والحرية الحلم المنشودة ، أين تخرج هذه الجذور الراسخة في المكان الوطن في المكان الأرض سوقها المستغلظة المستوية وكأن شطأها هذه الرؤوس الفلسطينية العالية الشامخة المطالبة بالحرية وهي في الحقيقة مصدر الصوت والغناء الخلاصي.

لتبدأ القصيدة صيغة خطابية شعرية جديدة مستهلة بالفعل ونحب بصيغة "النحن الفلسطيني" وتحب بصيغة "الأنت الفلسطيني"
وَنُحِبُّ أَنْ ..
وَتُحِبُّ أَنْ ..
نَمْضِي .. وَنَمْضِي فِي الطَّرِيقْ
أَطْلِقْ رَصِيفَ الذِّكْرَيَاتْ ..
أَطْلِقْ نَشِيدَكَ عَالِيًا ..
أَطْلِقْ شُمُوسَكَ وَالْجَبِينْ
أَنْتَ الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْتْ
أَعْلَى مِنَ السَّجَّانِ أَنْتْ
أَعْلَى مِنَ الْقُضْبَانِ أَنْتْ ..
أَعْلَى .. وَأَعْلَى ..
أَنْتَ .. أَنْتْ ..
أي نحن الفلسطينيون نحب أن نمضي في طريق الحرية كما تحب أنت المضي فيه أيضا من أجل حلم العودة إلى الأرض المغتصبة أين تكون العودة المادية المحاصرة بحواجز التهويد المستمرة للوطن المكان كما الوطن الزمان مستحيلة التحقق على أرض الواقع ليكون حلم العودة متحققا من خلال المتخيل كبناءٍ ذهني وإنتاج فكري بالدرجة الأولى يستند إلى الواقع ويحيل عليه ، ولا يندرج بأي حال من الأحوال في دائرة الإنتاج المادي ، والمتخيل مجموعة من العلامات والحامل والسند الذي يتشكل من خلاله هذا الواقع.[4] والقوى المتخيلة في الذهن تتطور على محورين شديدي التباين والاختلاف منها ما يجد انطلاقه أمام الجدة يتسلى بالفتان والمتنوع والحدث غير المتوقع أما القوى الأخرى فتحفر عمق الكون للكشف عن البدئي والسرمدي معا مهيمنة على العارض والتاريخ .[5] فالشاعر هنا يستبطن المخرج الصوري عاكسا هذا المتخيل العودوي "متخيل العودة " عبر رصيف الذكريات، فالذكريات وحدها كفيلة بتحقيق هذا الحلم ولا طريق إلا طريقها ، أين يترابط التصوير والمتخيل ببعضهما بعضا ، فأن نرى يعني أن نختصر أن نوقف المنطق الخطي للكلمات ، وننفلت من دهاليز التركيبي ونعانق لمرة واحدة كل حياتنا الماضية ، فالإبداع المتخيل يملك قوة تبشيرية وتنبئية لأنه ذو طابع إشاري تعييني وبدائي.[6] حيث استطاع الشاعر هنا أن يتعالى على هذا الواقع المحبط المثبط كنوع من الخداع الصوري المدهش لجأ إليه أثناء استبطان المتخيل العودوي المتمثل حال وقوعه بين حلم العودة الواقعي المستحيل وحلم العودة المتخيل الممكن من خلال أطلق رصيف الذكريات ليعانق حياته الماضية خارجا من إسار الواقع واللغة أيضا ، فطريق الذكريات يعكس ارتباطه بالمكان وهو الجسر الذي يربط الواقع بالحلم عبر برزخ الذكريات لأن البشر يستثمرون بانتظام قدرا كبيرا من الوقت والطاقة لإنتاج ما يمكن تسميته اصطلاحا تخييلات جمعية أو خداعات عن طريق النشاط الشعائري .[7]فما بالك بالشاعر أثناء لحظة التجلي الصاعقة أين يصبح كائنا شعوريا شفيفا محلقا يختصر الواقع مختزلا وقائعه وأحداثه وتاريخه في خطابه الشعري كمنظومة لغوية فكرية شعورية متداخلة يمتزج فيها الذاتي بالموضوعي بالجمالي بالدلالي لتتحول الهوية إلى علاقات داخل النص ترتبط بالمكان ، وبالتالي فإن الرمز المصطنع الذي نعيشه من خلال الصورة واللغة لا يحجب الواقع المرير داخل النص بل حل بنفسه مكان الواقع مدمرا ثنائية الدال والمدلول .[8] وبالتالي نجدالشاعر يكرر الفعل أطلق ليحرر راهنه من كل قيد مما يعكس تذمره الشديد من هذا الواقع المحاصر للهوية مكررا أطلق نشيدك أطلق شموسك والجبين أنت الفلسطيني أنت أيها الراسخ في ثرى هويته أنت الأعلى رغم

الحصار التهويدي القاسي وحصار الأشقاء أيضا أنت أعلى من السجان والقضبان لأنك أنت جذر الهوية الراسخ في المكان كما الزمان، فالتخييل : أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المخيل أو معانيه أو أسلوبه أو نظامه ، وتقوم في خياله صورة أو صور ينفعل لتخيلها وتصورها أو تصور شيءٍآخرَ بها انفعالا من روية إلى جهة من الانقباض والانبساط.[9] فقوة التخييل في هذا النص تنقل المتلقي إلى فضاءات مكانية متجاورة لأن العلاقات المكانية تكون مسيطرة في الإشارات المرئية للغة المكتوبة كوسيلة اتصال مرئية.[10]تعكس دائما تلك الارتباطات الهوياتية بالمكان الوطن كحقيقة أراد الشاعر ترسيخها تاركا أثرها الانتمائي الجلي في ذات المتلقي من خلال لغة شعرية لم تسقط في فخ المباشرة بل كانت لغة شعورية محلقة تعتمد على الاختزال.
الْأَرْضُ أَنْتْ ..
وَالدَّارُ أَنْتْ ..
وَالْبُرْتُقَالْ ..
أَنْتَ السُّهُولُ جُمِيعُهَا
أَنْتَ الْجِبَالْ
الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْتْ
أَنْتَ الْمَطَرْ ..
أَنْتَ الْجُذُورُ وَأَنْتَ فِي
جِذْعِ الشَّجَرْ ..
* * *
حَيْفَا يَدَاكْ
وَالْكَرْمَلُ الْمَجْدُولُ مِنْ شَمْسٍ هَوَاكْ
عَكَّا تَرَاكْ ..
يَافَا عَلَى أَشْجَارِهَا ..
شَدَّتْ خُطَاكْ ..
أَنْتَ الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْتْ..
سِرُّ الْهَوَى الْمُلْتَمِّ فِي شَفَةِ الْجَلِيلْ
يَهْفُو إِلَيْكَ وَأَنْتَ تَحْتَضِنُ الْخَلِيلْ
أَنْتَ الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْتْ..
سِرُّ انْتِصَابِ السِّنْدِيَانْ
أَنْتَ الْأَصَابِعُ حِينَ يَنْطَلِقُ الْحَجَرْ ..
أَنْتَ الْمَوَاوِيلُ الَّتِي ..
شَدَّتْ عَلَى خِصْرِ الشَّجَرْ ..
* * *
لِلسِّجْنِ وَالسَّجَّانِ قُضْبَانُ الْحَدِيدْ
وَلَكَ النَّشِيدْ ..
وَلَكَ النَّهَارَاتُ الَّتِي تَأْتِي إِلَيْكْ ..
مِنْ أَرْضِكَ السَّمْرَاء ِ تَأْتِي
مِنْ قَبْضَةٍ شَدَّتْ عَلَى خِصْرِ الْحَجَرْ ..
مِنْ كُلِّ .. لَا ..
مِنْ خَيْمَةٍ مِنْ كُلِّ دَارْ ..
مِنْ طِفْلَةٍ قَبَضَتْ عَلَى حَدِّ النَّهَارْ ..
دَمُنَا مَنَارْ ..
سَنَظَلُّ نَصْرُخُ فِي الطَّريِقِ إِلَى الطَّرِيقِ ..
إِلَى الدِّيَارْ
لِلْأَرْضِ إِنَّا عَائِدُونْ ..
إِنَّا إِلَيْكُمْ عَائِدُونْ ..
يَدُنَا تَشُدُّ عَلَى الزِّنَادْ ..
دَمُنَا مَنَارْ ..
خُطُوَاتُنَا مِنْ كُلِّ دَارْ ..
سَتَهُبُّ إِنَّا عَائِدُونْ ..
فَلَكَ النَّهَارُ لَكَ النَّهَارْ ..
أَنْتَ الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْتْ..
شَجَرٌ وَمِيلَادٌ .. وَأَنْتْ ..
هَذَا النَّهَارُ إِلَى النَّهَارْ ..
لِلسِّجْنِ وَالسَّجَّانِ قُضْبَانُ الْحَدِيدْ ..
وَلَهُمْ ظَلَالُ ظَلَالِهِمْ ..
لَيْلٌ لَهُمْ ..
وَلَهُمْ زَوَالْ ..
أَطْلِقْ جَمِيعَ الْأُغْنِيَاتْ
وَالذِّكْرَيَاتْ
الْأَرْضُ لَكْ ..
وَالدَّارُ لَكْ ..
وَلَكَ النَّشِيدْ ..
أَنْتَ الَّذِي فَجَّرْتَ فِي الشَّجَرِ الثَّمَرْ
أَنْتَ الَّذِي عَبَّأْتَ بِالْمَاءِ الْمَطَرْ
أَنْتَ الَّذِي أَرَّخْتَ فِي الْأَرْضِ الْجُذُورْ
أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ لِلزَّمَنِ الْبُذُورْ
أَنْتَ الْفِلِسْطِينِيُّ أَنْتْ ..
فِي زَهْرَةِ اللَّيْمُونِ أَنْتْ ..
فِي حَبَّةِ الزَّيْتُونِ أَنْتْ ..
فِي الْبُرْتُقَالْ ..
فَلْيَصْرُخُوا ..
وَلْيَقْبَعُوا خَلْفَ الْأَكَاذِيبِ الْقِصَارْ
وَلْيَرْفَعُوا سِجْنًا وَقُضْبَانًا وَنَارْ ..
فَإِلَى زَوَالْ ..
لَابُدَّ أَنْ يَأْتِي النَّهَارْ ..
أَنْتَ الطَّلِيقُ .. وَأَنْتَ أَنْتْ ..
فِي صَرْخَةِ الْمِيلَادِ أَنْتْ ..
فِي خُطْوَةِ التَّارِيخِ أَنْتْ ..
الشَّمْسُ أَنْتْ ..
الْأَرْضُ أَنْتْ ..
الدَّارُ أَنْتْ ..
لَابُدَّ أَنْ يَأْتِي النَّهَارْ ..

لابدَّ أن يأتي النهارْ ..
أين ظهر المكان بجلاء من خلال هذه المفردات الدالة عليه على غرار ، الأرض ، الدار ،السهول ،الجبال ، أرضك السمراء ، خيمة ، دار ، في الطريق ، إلى الطريق ، إلى الديار ، للأرض ، من كل دار ،الأرض لك ، الدار لك ، أنت الذي أرخت في الأرض الجذور ، الأرض أنت ، الدار أنت ، من خلال متخيلات تعكس هاجس العودة إلى الأرض المغتصبة أين جُسِّدَتْ ظاهرة اللجوء من خلال الخيمة كرمز دال على التيه الفلسطيني وشتاته ، فالارتباط الصوتي بالمكان وبالهوية يتجسد من خلال الدلالات المبثوثة هنا وهناك على شاكلة صوت الجذور ، وإن الأغاني عاليات ، وأطلق نشيدك عاليا ، أنت المواويل التي شدت على خصر الشجر ، أطلق جميع الأغنيات ، ولك النشيد . وهذا من أجل ترسيخ الأنت الفلسطيني كملمح آخر للأنا الشاعرة ، أين وفق الشاعر إبداعيا في توظيف الأنت ليبعد القارئ ويوجهه إلى "الأنت والنحن الفلسطينيين" بعيدا عن الأنا المفرغة من القيمة ، فهذا الأنت ماهو في حقيقة الأمر إلا ذلك الأنا الذكي الذي حوله الشاعر إلى مقطع من نظام رموز ، فالأنا هنا رمز دلالي في صيغة الأنت وانطلاقا من اعتباره دلالة أو إشارة تحيل وضع الناطق "الشاعر"إلى وضع وجودي.[11]حيث بث الشاعر روحه في الأنت والنحن مرسخا المشهد الهوياتي الفلسطيني بحدقة واعية من خلال أنت الجذور وأنت في جذع الشجر ،يافا على أشجارها والبرتقال ، سر انتصاب السنديان ، شجر وميلاد ، أنت الذي فجرت في الشجر الثمر ، لتكون هذه الدلالات الشجرية الخضراء تشكيلا أيقونيا يرسخ البيئة الفلسطينية المتخيلة الخلاصية في النص ، لينبثق الفلسطيني من رحم اللون في دلالة خضراء حية وإيحاءاتها اللونية المختلفة شاقا طريقه الهوياتي من لون البرتقال ولون زهر الليمون ولون حبة الزيتون، ليفاجئنا الشاعر بصورة شعرية تعلو فوق الواقع الحصاري من خلال هذا المقطع الرائع حيفا يداكْ
/ والكرملُ المجدولُ من شمسٍ هواكْ/ عكّا تراكْ .."يافا على أشجارها شدت خطاك"/ أنتَ الفلسطينيُّ أنتْ ../ سرُّ الهوى الملتمِّ في شفة الجليلْ / يهفو إليكَ وأنتَ تحتضنُ الخليلْ ، أنت أيها الفلسطيني أيها الجسد المتوزع على حيفا ، هواكَ الكرمل المجدول من شمس منتظرة آتية لتراك عكا بأسوارها وتاريخها الضارب في العمق يا سر الهوى المتجمع في شفة الجليل أين تنعكس الوحدة التي تحققها دلالة الجبل كعاصم حي أنسنه الشاعر وبث فيه روحه المتوثبة الثائرة التائقة إلى الخلاص المنتظر الموعود ليكون الفلسطيني همزة وصل هوياتي بين جبلين رمزين عكسا الهوية والوحدة في أسمى تجلياتها الدلالية ، لتعود أيها الأنت إلى الوطن السليب ذات حلم ، فللون هنا دلالة بعث الأنا الجمعي الملتحم بالأرض أيما التحام بل النابت فيها راسخا كما الشجر ، فأنت أيها الفلسطيني يارئة الزمان إلى المطر مطر الحرية المنتظر ليحيا الشجر والحجر ، فأنت صوت الهوية رغم موات الضميرين العربي والعالمي، ورغم السجن والسجان ودلالتهما الحصارية الخانقة المؤلمة ، أين جسد هذا المقطع الثائر ثورة العودة التي لن تتحقق إلا بإعداد القوة لمن هجروا عنوة وقسرا من أرضهم من طفلةٍ قبضتْ على حدِّ النهارْ ../دمنا منارْ ../سنظلّ نصرخُ في الطريقِ إلى الطريقِ ../إلى الديارْ /للأرضِ إنّا عائدونْ ../إنّا إليكم عائدونْ ../يدنا تشدُّ على الزنادْ ../دمُنا منارْ ../خطواتنا من كلِّ دارْ ../ستهبُّ إنّا عائدونْ ..، إلا أن الأمل يبقى حيا في دفقات شعورية تتحدى صراخ الكاذبين القابعين خلف الأكاذيب القصيرة الواهية ، ليقولها لأولئك الرافعين السجنَ والقضبانَ والنارَ صريحة مبينة : "إنكم إلى زوال مهما حاصرتم وخنقتم وضيقتم ، وأرهبتم واغتصبتم وهودتم فأنتم إلى هلاك أيها المزيفون الواهون"، فليس لكم داخل التاريخ مكان مشرق إلا العتمة الحالكة ، لأنكم عين الظلم والبغي والإفساد في الأرض ، وحتما سيأتي النهار الفلسطيني يجر بأجنحته المحلقة ساحبا فجر الحرية وصبحها الانعتاقي الموعود ،فأنت في خطوة التاريخ ستجسد حلم العودة المقدسة إلى التراب المقدس لأنك الشمس والأرض والدار يامن ستجر النهار الخلاصي حتما ، ليتخلل سدف القهر وتبزغ أيها الفلسطيني شمسا سيدة على المكان الأرض على المكان الوطن ، لنخلص في آخر المطاف إلى النصر الموعود الذي بشرنا به ديننا من خلال تناص مضمر بين الحجر الناطق وصوت الشجر في الحديث النبوي الشريف "يوم ينطق الحجر والشجر" جسده هذا السطر الرائع صوريا ودلاليا "أنتَ الأصابع حين ينطلقُ الحجرْ" عاكسا انتفاضة الحجر الفلسطيني وبين السطر الثاني من النص تحديدا في العبارة "صوتُ الجذور.." ، فالحجر كما أنطقته اليد الفلسطينية ليكون مظهرا ثوريا رافضا للظلم والقهر الصهيوني ، سينطق أيضا ذات استشراف نبوئي عزيز معلنا زوال الكيان الظالم إلى الأبد.
ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق – يا أهل غزة – نموذجا
عادل سلطاني ، 30/10/2012
يَا أَهْلَ غَزَّة
يَا أَهْلَ غَزَّة َ لَا خَيَارُ
تِهْنَا وَأَهْلَكَنَا الْحِصَارُ
صَدَأ ٌ يَطَالُ رِمَاحَنَا
وَسُيُوفَنَا
وَرُؤُوسَنَا
وَنَنَامُ يَأْكُلُنَا الْغُبَارُ
مَخْصِيـَّة ٌ أَيَّامُنَا
مَذْبُوحَة ٌ آمَالُنَا
نَمْضِي فَتَرْتَبِكُ الْخُطَى
تَرْتَدُّ أَرْجُلُنَا نَحَارُ
يَا أَهْلَ غَزَّةَ أَنْقِذُونَا !!..
****
لَا تَعْجَبُوا ...
فَزَمَانُنَا زَمَنٌ عَجَبْ
نَمْشِي عَلَى جَمْرِ الرُّكَبْ
وَنَصِيحُ آخْ
نَذْوِي عَلَى حَدِّ الصُّرَاخْ
الْمَجْدُ شَاخْ
آخ ٍ وَآخْ
لَا شَيْءَ فِينَا كَيْ نَقُولْ !!.
هَرِمَتْ عَلَى الدَّرْب ِ الطُّبُولْ!!!.
نَامَتْ مِنَ السَّأَم ِ الْخُيُولْ..
أَفْكَارُنَا مَقْصُوصَة ٌ
وَبِرَغْمِ أَلْسِنَةِ اللَّهَبْ
نَمْضِي وَنَضْحَكُ فِي طَرَبْ!!.
تَقْضُونَ مَوْتًا وَالْحِصَارْ
نَارٌ عَلَى نَار ٍ وَنَارْ
تَقِفُونَ فِي وَجْه ِ الدَّمَارْ
وَصُرَاخُكُمْ فِي كُلِّ دَارْ
لَكِنَّنَا ....
صَحْرَاءُ يَطْوِيهَا الْغُبَارْ
يَا أَهْلَ غَزَّةَ أَنْقِذُونَا !!!.
يَا أَهْلَ غَزَّةَ
أَنْقِذُونَا !!..

***
الشَّاعِر طَلْعَتْ سُقَيْرِق ، 15/06/2008
http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=4956
أما نصنا الشعري السقيرقي المختار الموسوم : " يا أهل غزة " فسيكون الموضوع الثاني للدراسة المتسلسلة المتواضعة في محطتنا النقدية هذه ، أين أردت أن أقارب من خلاله دائما ارتباط الهوية بالمكان ، للانطلاق في سياحة نقدية لاكتشاف تضاريسه ونقلها وتقريبها من القارئ. فمن خلال العنوان نجد الشاعر يبث رسالته الشعرية إلى أهل غزة من ثنايا خطابه ذي الخصوصية ، لأن الخطاب الشعري رسالة تختلف اختلافا جذريا عن الرسائل اللاشعرية ، وهي أقرب إلى اللغز مع أن جوابها في اللغة من جهة ومن جهة أخرى في حقيبة القارئ الجاد التي تتضمن أدواته ومناهجه.[12]، فالرسالة السقيرقية الموجهة إلى أهل غزة يختلف مضمونها الهوياتي المرتبط بالمكان عن نظيره المبثوث في الحدث الشعري الأول "أنت الفلسطيني أنت" المتناول بالدرس ، أين تشظى العنوان في المتن مخلفا خطابا هوياتيا متمركزا على غزة كمكان عكس الصمود الفلسطيني الثائر لتنوب في هذا الخطاب عن الباقي من المكان الوطن "كَمَكَانٍ كُلٍّ" ، ويكأن الشاعر فصل بعبقرية شعرية إبداعية فذة بين "المكان الثورة" وبقية المكان الذي اعتبره "لامكان ولاثورة" لماذا ؟ لأنه باختصار شاعر ثائر في المكان والزمان متصالح مع ذاته وإبداعه رصد بحرفية عالية حدث الاعتداء السافر على غزة الصامدة تحت قنابل الفوسفور الأبيض بعدسة المبدع المحنك الواعي، فرغم الحصار والدمار الذي تعرضت له كل بناها التحتية إلا أن صمودها قهر قنابلهم ودمارهم ، عاكسا تخاذل الداخل الفلسطيني والعربي أيضا ، فغزة إذا هي الحضور الهوياتي الثائر نيابة عن الغياب المتخاذل الذي عكس الشغور الهوياتي المرتبط بالمكان أين ملأته غزة بامتياز.ليدخل هذا الحدث الشعري كسابقه دائرة الالتزام ولكنه التزام نابع من وضع الإنسان العربي الذي استحوذ على فكره ، وذلك من خلال تجربة الشاعر الخاصة ووعيه.[13] أين يلمس الدارس هذه الظاهرة النابعة من الهم العربي في كليته واشتماله ، ومن هم خضم المعاناة الفلسطينية المستمرة في الفضائين المكاني والزماني أيضا ، فالهوية تبنى من خلال التجربة المجسدة والارتباط بالآخرين وبما اقترن بالمكان وبحس الانتماء.[14] حقيقة فإن الشاعر بنى هويته داخل هذا الجسد النصي لأنه أحس بالانتماء لهذا المكان الذي عكس له ذلك الحضور الصامد المشخص "في أهل غزة" ، لا ذلك الغياب للآخر المتخاذل على مستوى الداخل الفلسطيني وعلى المستوى العربي ، ولم يجد له مسوغا موضوعيا إلا عين التخاذل ،حيث استهل خطابه بياء النداء في السطر الأول " يا أهل غزة لا خيارُ " مجسدا ظاهرة التيه والهلاك في السطر الثاني من النص " تهنا وأهلكنا الحصارُ" ويكأن لسان حاله يقول للغزاويين : أنتم الأحياء حقا أنتم الحضور المرتبط بالمكان أيها الصابرون الصامدون ، أما بقية المتخاذلين داخليا وعربيا هم المحاصرون التائهون الهالكون ، عاكسا المشهد التخاذلي المتمظهر للقارئ المتلقي من خلال دلالة هذه السطور الجارحة كاشفة سوأة الواقع المتردي "صدأ ٌيطالُ رماحنا" ،"وسيوفنا" ، "ورؤوسنا" ، "وننامُ يأكلنا الغبارُ" ، فغزة تحرق تحت نيران القصف والحصار لتحيا ، وأنتم أيها المتخاذلون صدئت رماحكم وسيوفكم ورؤوسكم ، فهذا المزاح الصوري المدهش المسقط يقول الواقعولاشيء غيره ، فعتادنا صدئٌ ورؤوسنا صدئةٌ أيضا ويكأن الشاعر يقول : "من صَدِئَ عقله صدئ فكره وبالتالي فإن صدأ العتاد للأسف الشديد نتيجةٌ لصدإ الفكر والعقل " وننام أيضا أجسادا بلا أرواح كما الخشب المسندة ليأكل أجسادنا الغبار المادي والمعنوي ، أي صورة عبقرية مدهشة ساقها الشاعر بإبداع شفيف تناغم فيه الفكر والشعور لتنقل لنا هذه المراكب الشعورية صور تخاذلنا الغثائي، فالكائن ماهو عليه وليس ثمة في ذاته قطعة من وجود تكون بينها وبين ذاتها مسافة فليست هناك أية ثنائية في الكائن ، إن كثافة وجود ما هو في ذاته غير محدودة إنه الامتلاء فالهوية هي مفهوم الحد الأقصى للتوحيد فالكينونة هي الامتلاء ولا فراغ فيها يمكن أن يتسلل منه العدم.[15]، فصل الشاعر بين مكانين مكان ثائر ممتلئ بالذات الهوياتية الثائرة باعتباره ذلك الحضور الكينوني الصامد المشرف ،ومكان شكل ذلك الشغور والغياب عاكسا تسلل العدم إليه لأنه بالنسبة للذات المبدعة فراغ مملوء بالتخاذل ،وشتان بين المكانين في إسقاطات شعرية تفضح الواقع المزري لينتقل مشهد العقم من خلال هذا السطر الكاشف حد الوجع " مخصية أيامنا" "مذبوحة آمالنا" أي تيه هذا أيهذه الذات المنهكة المعذبة التائقة إلى الخلاص ، أي شعور ممتعض هذا الذي ملِّئَ مرارة وأسى جرحَا واقعنا الانبطاحي الغثائي وذلك العدمَ أيضا ، فأيامنا مخصية حقا لم تعد تنتج العزة والمجد ، أجل شاعرنا شاخ الزمن وأنهكنا العصر وأنهك ارتباطنا بالمكان المقدس ، فالمقدس يقع خارج متناول الإنسان ذاك الذي لايعرفه ولا يملكه إلا من انتهكه أومن تخطاه ، وحالما يتم تخطي الحدود تستحيل العودة إلى الوراء بحيث يتعين مواصلة السير إما في طريق القداسة أو في طريق الهلاك.[16] ، وللأسف واصلنا السير التائه الحائر في صحارى الهلاك ، عذرا فآمالنا مذبوحة ولاشيء غير الدم لوَّنَ الحياة ، فكيف نستشرف الآتي لولا هذا الوجودُ الحضورُ الغزَّاويُّ المنقذُ المخلصُ السائرُ في طريق القداسة ، أين جُسِّدَ التيه والحيرة من خلال حركة الجسد المرتبك المتخاذل الخابط عشوائيا على غير هدى أو دليل حيث المضيُّ المرتبك لرحلة الخطى التائهة المرتدة الحائرة من خلال المسقط الشعري الرائع المضمن في السطرين " نمضي فترتبك الخطى" و"ترتدُّ أرجلنا نحارُ" ويكأن شاعرنا في المقطع الأول من النص المستهل بالنداء "يا أهلَ غزة َ لا خيارُ" والمختوم أيضا بنداء المنقذ المخلص "يا أهلَ غزة َ أنقذونا!!."، ليستقر بين الندائين ذلك التيه الغثائي وتلك الردة الهوياتية في صحارى عالم عربي منهك تائه ، أين سيقربها الشاعر أكثر إلى المتلقي في المقطع الثاني والأخير من النص المستهل بـــــــ "لا تعجبوا ..." " فلا مدعاة للتعجب أيها الصامدون ، فزماننا زمن عجب" تيه وغثاء "نمشي على جمر الركب" أجل نمشي على جمر الأشلاء المبعثرة المحترقة وعلى جمر الركب التي حملت صمودها وسقطت صامدة معلنة عن ترسيخ المكان المقدس " لقد أسمعت لو ناديت حيا **ولكن لا حياة لمن تنادي" عكست هذه السطور الخائية الرائعة حجم معاناته وتذمره من وطأة الواقع المنبطح المتخاذل :"ونصيح آخْ "نذوي على حدّ الصراخْ" "المجدُ شاخْ" "آخ ٍ وآخْ" فهذا المشهد الصارخ المختزل المكثف المبدع يقول الواقع فأمجادنا شاخت وهرمت ولم نعد نملك إلا بكائيات طللية جوفاء مفرغة من القيمة "لا شيءَ فينا كي نقولْ!!.. " فماذا سنقول بعد ما قاله الصراخ الغزاوي وغزة تحرق أمام مرأى العالم ولا نحرك ساكنا "هرمتْ على الدرب ِ الطبولْ!!!. " أجل هرم النفير على الدرب فكيف نعود بلاطبول تدق العودة "نامت من السأم ِ الخيولْ.. " حقيقة نامت خيولنا من الملل والسأم ومات في حناجرها الصهيل و"أفكارنا مقصوصةٌ" لا يمكنها أن تطير مغادرة عقولنا الصدئة المحاصرة بغبار التيه والحيرة "وبرغم ألسنةِ اللهبْ"" نمضي ونضحكُ في طربْ!!. " أجل لا نملك إلا المضي في الضحك فنحن أمة ضحكت من جهلها الأمم ، نضحك وغزة تحت جحيم القصف والحصار صابرة تموت واقفة كما النخيل ، راسخة في الموت متشبثة به لتهب غيرها الخلود والحياة يامن "تقضونَ موتا والحصارْ""نارٌ على نار ٍ ونارْ" لتتحول النار هنا في هذا المشهد المر إلى صورة ثلاثية الأبعاد تكتوون بها يامن "تقفونَ في وجهِ الدمارْ" أيها الصامدون المحاصرون الواقفون أيها الجديرون بالفخر والحياة "وصراخكمْ في كلِّ دار" عربية وصلها البث الفضائي المروع "لكننا .... " "صحراءُ يطويها الغبارْ" أجل "يا أهلَ غزة َ أنقذونا !!!. " "يا أهل غزةأنقذونا !!.." فأنتم رمز العزة والصمود أيها المنقذون أنقذونا من حيرتنا وتيهنا فنحن صحراء يطويها الغبار ، تيه على تيه وحيرة على حيرة ، فرمز الصحراء هنا تجاوز إسار المكان لتتجاوز دلالته المسقطة الجغرافيا مجسدة ظاهرة التيه الوجودي والنفسي والاجتماعي " في أخزى تجلياته ، "من يهن يسهل الهوان عليه ** ما لجرح بميت إيلام".
ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق – خذي دحرجات الغيوم – نموذجا
عادل سلطاني ، 30/10/2012


خُذِي دَحْرَجَاتِ الْغُيُوم

قَلْبِي شُمُوعُ الْعَائِدِينَ وَخَفْقَتِي عُرْسُ الْجَنُوبِ أُعَانِقُ الشَّجَرَ الْمُحَنَّى بِالنَّشِيدِ أَصِيحُ قَدْ رَحَلَ السَّوَادُ وَأَسْرَجَ الصُّبْحُ الْجَمِيلُ قَصِيدَةَ الْفَرَحِ الْجَمِيلِ فَعَانِقِي يَا أُخْتُ أُغْنِيَتِي وَهَاتِي رَقْصَتِي كَمْ رَائِعٌ أَنْ يُشْرِقَ الْوَرْدُ الرَّبِيعُ قَصَائِدًا وَحَدَائِقًا وَرَوَائِعًا فِي كُلِّ وَجْهٍ ضِحْكَةٌ وَصَبَاحُ أُمْنِيَةٍ نِدَاءٌ رَائِعٌ هَذَا الْجَنُوبُ فَزَغْرِدِي يَا أُمُّ لُبْنَانُ الْحَبِيبُ يُعَانِقُ الْآنَ الْوُجُوهَ مِنَ الْمُحِيطِ إِلَى الْخَلِيجِ بِضِحْكَةٍ الْأَمَلِ الْمُنَدَّى بِالْوُعُودِ وَبِالزُّهُورِ وَقَامَةِ الْأَبْطَالِ مَا أَحْلَى الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ وَهَذِهِ الْأَرْضُ الْحَبِيبَةُ تَزْدَهِي بِشُمُوخِهَا مَرْحَى لِكُلِّ حِجَارَةِ الْأَرْضِ الْعَظِيمَةِ عَطَّرَتْ أَرْضَ الْجَنُوبِ بِكُلِّ مَافِي الْعُمْرِ مِنْ حِنَّائِهَا مَرْحَى لِكُلِّ الْحَامِلِينَ جَنُوبَهُمْ قَلْبًا يَدُقُّ وَيَزْدَهِي بِعَطَائِهِ مَرْحَى لِكُلِّ الذَّاهِبِينَ إِلَى التُّرَابِ قَصِيدَةً وَدَمًا وَمَعْنَى لِلشُّمُوخِ هُمُ الشَّهَادَةُ وَالشَّهَادَةُ تَرْفَعُ الْآنَ الزَّمَانَ بِعِطْرِهِمْ وَبِحُبِّهِمَ مَرْحَى لِكُلِّ الرَّاجِعِينَ الْآيْبِينَ الْحَامِلِينَ الشَّوْقَ وَالْحُبَّ الْكَبِيرَ وَعِشْقَهُمْ هَذَا جَنُوبُ قُلُوبِنَا وَقُلُوبُنَا لِتُرَابِهِ خَفْقٌ وَحِنَّاءٌ وَأَلْفُ قَصِيدَةٍ مَنْ يَحْفَظُ الْآنَ الدُّرُوسَ فَأَوَّلُ الْإِعْرَابِ أَنَّ جَنُوبَنَا فِعْلٌ وَبَحْرٌ وَانْتِشَارٌ رَائِعٌ وَالْفَاعِلُ الْآنَ الْجَنُوبُ وَكُلُّ مَافِي الضَّمِّ مِنْ شَوْقٍ خُذِي يَاأُمُّ تُفَّاحَ الصَّبَاحِ مِنَ الْجَنُوبِ وَوَزِّعِي يَاأُمُّ تُفَّاحَ النَّهَارِ عَلَى الْجَنُوبِ رَأَيْتُ فِي بَحْرِ الْجَنُوبِ قَصِيدَتِي وَرَأَيْتُ حَيْفَا وَالدُّرُوبُ إِلَى زَمَانِ زَمَانِنَا كُلُّ الْقَصَائِدِ فِي الْجَنُوبِ جَمِيلَةٌ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ الْمُصَفَّى رَقْصَةٌ عَلَمٌ يُرَفْرِفُ رَايَةٌ لِلنَّصْرِ أُغْنِيَةُ الرُّجُوعِ وَعَائِدُونَ مَعَ الْجَنُوبِ خُذِي دَمِي لِصَبَاحِ أُغْنِيَةٍ يَطُولُ نَشِيدُهَا هَذَا الْجَنُوبُ يعُيدُ لِلْعَرَبِ الصَّبَاحَ فَزَغْرِدِي هَذَا التُّرَابُ تُرَابُنَا وَقُلُوبُنَا وَصَفَاؤُنَا وَحَنِينُنَا هَذَا التُّرَابُ الدِّفْءُ فِي ضِلْعِ الرُّجُوعِ نَشِيدُنَا مَا أَجْمَلَ الْأَفْرَاحَ تَمْلَأُنَا هَوًى وَتُعِيدُ لِلطُّرُقَاتِ كُلَّ فُصُولِنَا هَذَا جَنُوبُ نِدَائِنَا وَدُعَائِنَا نَمْضِي إِلَى ضَوْءِ الْقَصِيدَةِ نَحْتَمِي بِسِيَاجِهَا وَنَمُدُّ لِلْعِيدِ الْجَمِيلِ ضُلُوعَنَا جِسْرًا مِنَ الْوَعْدِ النَّشِيدِ وَرَقْصَةِ الْحِنَّاءِ فِي أُفْقِ الزَّمَانِ نَقُولُ لِلتَّارِيخِ سَجِّلْ صَفْحَةَ الْإِشْرَاقِ وَاكْتُبْ قِصَّةَ الْآتِينَ مِنْ بَحْرِ الصَّبَاحِ شُمُوسَ عُرْسٍ رَائِعٍ هَذَا هُوَ الْبَحْرُ الْجَنُوبِيُّ الَّذِي لَايَنْحَنِي هَذَا هُوَ الْبَحْرُ الْجَنُوبِيُّ الَّذِي لَايَنْتَهِي يَسْقِي امْتِدَادَ غِنَائِنَا وَيُعِيدُ طَعْمَ الضِّحْكَةِ الْحُلُمِ اللَّذِيذِ الْأُغْنِيَاتِ يُعِيدُنَا لِذَوَاتِنَا وَيُوَزِّعُ اللَّوْزَ اللَّذِيذَ قَصِيدَةً هَذَا الْجَنُوبُ جَنُوبُنَا سَلِمَتْ يَدَاكَ وَأَنْتَ تَزْرَعُ حُلْمَنَا فِي حُلْمِنَا سَلِمَتْ يَدَاكَ وَأَنْتَ يَانَبْتَ الْجَنُوبِ تُعِيدُ لِلْحَقْلِ الْمَدِيدِ غِنَاءَنَا كَفَّانِ مِنْ شَمْسٍ وَمِنْ نَايٍ وَمِنْ عُرْسِ الصَّبَاحِ وَصَرْخَةٍ مِنْ صَخْرِ صَخْرِ صُمُودِكُمْ عُرْسٌ وَيَازَيْنَ الشَّبَابِ تُعِيدُ لِلْعُرْسِ الَّذِي اشْتَقْنَا لَهُ أَفْرَاحَنَا عُرْسٌ وَيَازَيْنَ الشَّبَابِ تُعْيدُ لِلْعُرْسِ الَّذِي اشْتَقْنَا لَهُ مَعْنَاهُ مِنْ بَعْدِ الْبِعَادِ وَجَفْوَةِ الْأَفْرَاحِ فِي أَيَّامِنَا عُرْسٌ وَيَازَيْنَ الشَّبَابِ لَكَ الْقُلُوبُ الْآنَ دَقَّاتٌ لِفَرْحَةِ عَاشِقٍ رَقَصَاتُ أُغْنِيَةٍ نِدَاءٌ حَالِمٌ حِنَّاءُ مُوسِيقَى فَخُذْ زَ هْرَ الْقَصِيدَةِ كَيْ تَكُونَ قَصِيدَتِي بَحْرًا مِنَ السِّحْرِ اللَّذِيذِ وَطَلْقَةً لِلْأُغْنِيَاتِ هُوَ الْجَنُوبُ وَأَشْتَهِي أَنْ أَرْفَعَ الْآنَ التُّرَابَ جَمِيعَهُ لِأَضُمَّ حَبَّاتِ النَّدَى فِي كُلِّ رَقْصَةِ حَبَّةٍ مِنْ عِطْرِهِ هَذَا الْجَنُوبُ وَكُلُّ مَافِي الْعُمْرِ مِنْ عُمْرٍ يُرَاقِصُ عُرْسَهُ وَشُمُوسَهُ وَشُمُوخَهُ وَيَرُومُ فِيهِ قَصِيدَةً لَاتَنْتَهِي هَذَا الْجَنُوبُ وَكُلُّ تُفَّاحِ الْجَنُوبِ قَصَائِدٌ كُلُّ الطُّيُورِ الْأُغْنِيَاتُ الْأُمْنِيَاتُ قَصَائِدٌ هَذَا الْجَنُوبُ وَكَمْ عَشِقْتُكَ يَاجَنُوبُ فَأَطْلِقِ الْهَمْسَ اللَّذِيذَ الْأُغْنِيَاتِ وَأَنْتَ فِي مَطَرِ الْحَنِينِ تُذِيبُنِي سَجِّلْ عَلَى كُلِّ الدُّرُوبِ قَصِيدَتِي يَاأَنْتَ يَاعُرْسَ الْجَنُوبِ وَأَنْتَ يَازَيْنَ الشَّبَابِ وَأَنْتَ يَامَطَرَ الْجَنُوبِ وَأَنْتَ يَازَهْرَ الْجَنُوبِ عَشِقْتُ فِي كُلِّ الدُّرُوبِ إِلَى الْجَنُوبِ شُمُوخَ أَشْجَارِ الْجَنُوبِ عَشِقْتُهَا وَعَشِقْتُ فِي كُلِّ الْوُجُوهِ الْعُرْسَ يَرْفَعُ قَامَةَ الْفَرَحِ الْجَمِيلِ حِكَايَةً لَاتَنْتَهِي..
الشَّاعِر طَلْعَتْ سُقَيْرِق ، 13/06/2008
http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=4880

أما نصنا الشعري المختار الموسوم : " خذي دحرجات الغيوم " فسيكون الموضوع الثالث في هذه الدراسة المتسلسلة المتواضعة من أجل مقاربة ارتباط الهوية بالمكان فيه أيضا ، وقبل أن أبدأ هذه السياحة النقدية لاكتشاف غور هذا الجسد النصي الجديد المختلف في حقيقة الأمر عن نظيريه السابقين المتناولين بالدرس ، حيث استدعت الضرورة أن أعرج على بنيته وشكله ، أين اعتمد الشاعر تقنية التدوير الكلي حيث تبدو القصيدة سطرا واحدا مرتبطا من البداية إلى النهاية ، والتدوير ظاهرة قديمة مبثوثة في مدونتنا الشعرية القديمة والحديثة أيضا ، والبيت المدور هو الذي اشترك شطراه في كلمة يكون بعضها من الشطر الأول وبعضها من الشطر الثاني ، ويسمى أيضا مدرجا ومداخلا ومدامجا.[17] ، والمشترك العروضي بين النصوص الثلاثة المدروسة البحر الكامل ذو الأضرب التسعة والحركات الثلاثين التي لم تجتمع قط في بحر شعري غيره.[18]والشعر التفعيلي شكل شعري جديد يعتمد على التفعيلة كوحدة بنائية في النص بدلا من الشطر.[19]إذا فظاهرة التدوير الكلي في النص الشعري التفعيلي سابقة إبداعية تجديدية تحسب له مقترنة باسمه لأنها إبداع سقيرقي محض ومثاله الحي قصيدته الصوفية مما يعكس التجديد البنيوي في القصيدة العربية.[20] وأيضا هذا النص الذي نحن بصدد دراسته لتقريبه من القارئ المتلقي في حلة نقدية قارئة تليق بمقامه ، فهذا الأخير جسد واحد متصل الكينونة تسمه ظاهرة التدوير من بدايته إلى نهايته ، والتدوير هنا مخالف تماما لنظيره القديم القائم على مستوى البيت كمرحلة بينية تصل صدره بعجزه ، أما حالته هنا فتتجسد في سطر شعري تفعيلي طويل ممتد متصل غير منقطع هو النص في كليته ، أين يتلاحم عضويا عاكسا البنية السطرية المستمرة فيه ، حيث يمكن أن أطلق عليه مسمى " النص الفقري " نسبة إلى تسلسل أجزائه كالعمود الفقري قياسا مع الفارق بطبيعة الحال ، أين يخلو تماما من علامات الوقف إلا من نقطتي حذف في نهايته آخذا بنيته الشكلية المستمرة المتصلة ، فالقارئ يجد نفسه إزاء فقرة شعرية مترابطة ، فنص الفقرة إذا مظهر شعري إبداعي جديد يسم ظاهرتنا الشعرية المعاصرة كملمح جديد ربما استطاع الشاعر أن يبتكره من خلال تجربته الثرية المتنوعة لاحتكاكه الدائم بالألوان السردية المختلفة على مستويي القراءة والممارسة أين سبك الشاعر هذا النص الفقري في قالب سردي ليتناص مع السردي الذي كان محل اهتمامه ممارسة وتجربة ونقدا ، فالتناص هو تمثيل نصوص سابقة بعد تحويلها في نص مركزي يجمع بين الحاضر والغائب في نسيج متناغم مفتوح.[21] حيث أدى هذا التناص الشكلي إذا صح التعبير جراء الاحتكاك إلى ابتكار هذا الشكل الشعري المركزي الجديد ، أين نلمس فيه حضور السردي الغائب معية الفقري المبتكر الحاضر.
إن المتفصح المتأمل لببنية العنوان : "خذي دحرجات الغيوم" المستهلة بفعل الأمر خذي أين جاء خطاب هذه الذات آمرا لتأخذ دحرجات الغيوم ، حيث بدت بنيتها مبهمة للوهلة الأولى ولا توجد علاقة مباشرة بينها وبين المتن ، إلا إذا دخلنا جسد النص في محاولة مُرَاوِدَةٍ مُحَاوِرَةٍ عساه يكشف لنا عن بعض سر تشظى داخله لنجد الشاعر يخاطب الأم في المطلق بكل لين وعطف : "خُذِي يَاأُمُّ تُفَّاحَ الصَّبَاحِ مِنَ الْجَنُوبِ وَوَزِّعِي يَاأُمُّ تُفَّاحَ النَّهَارِ عَلَى الْجَنُوبِ" ، "وَعَائِدُونَ مَعَ الْجَنُوبِ خُذِي دَمِي لِصَبَاحِ أُغْنِيَةٍ يَطُولُ نَشِيدُهَا"، فهذا الفعل تكرر مرتين أو ثلاثا عاكسا خطابه لهذه الأم كذات مطلقة لتأخذ بين كفيها دحرجات الغيوم الحبلى المثقلة بالبشر والخير والحرية ، عسى بارقة خلاصية تلمع من خلالها مؤذنة عن هاجس العودة ، فدلالة هذا العنوان تحمل صورة الانفلات اللانهائي للنص فهو لايفتأ أن يرمي بك بعيدا.[22] فمهما حاول الناقد المتلقي المدجج بأدواته المعرفية والإجرائية في قراءته الاستنطاقية له ، ومهما قاله عنه فإنه سيبقى مجالا واسعا للتأويل، ولا يمكن أن يقول إلا ما أراد هو أن يقوله لا ما يُقَوِّلُهُ الآخر، فالأجدر بنا إذا أن نلج دائرة النص في غوص تأملي قارئ ، لنقف على حقيقة ماذا يريده منا ككيان حي بعد محاورته ، ويمكن بعدها أن نستدعي أدواتنا المعرفية إجرائيا ومنهجيا لتعزيز ما يريد قوله ، لنقول بدورنا ما يقوله لا أن نُقَوِّلَهُ مالم يقله أصلا ، فمحاولة استنطاق النص من الداخل تمكن الناقد المتلقي من الكشف والتأويل السليم لما تريد البنى الخطابية قوله بعد تفكيكها، أما إذا طبقنا عليه من الخارج هذه الترسانة الإرهابية المعرفية إذا صح التعبير فلا محالة أننا سنربكه بمقولات هو في غنى عنها أصلا ، ليتحول في آخر المطاف إلى جسد منهك مشوه ، لأن الأساس الجمالي يكمن في انسجام الفهم والمخيلة ، والعبقرية المبدعة للأفكار الفنية تكمن في الدوزنة المتفردة بينهما.[23] حيث يستطيع الشاعر من خلال خياله أن يجد وحي أي موضوع في نفسه.[24] فالذات إذا مناط النص في حقيقة الأمر وواقعه وهي المحور الفعلي الذي يدور حوله الإبداع، حيث وجدنا العنوان مختارا بعبقرية واعية عكست البعد الجمالي المبثوث في مفاصل هذا النص الفقري المدور ، فكلمة دحرجات تحيل دلالتها إلى الحركة والانتقال ، وأيضا إلى دائرية الشيء وكرويته في عمومها ، وإلى تدويرية النص كظاهرة جمالية خلاصية حاول الشاعر من خلالها الالتحام أكثر بالمكان دون فواصل أو عوائق، لمعايشة حلم العودة المتعسر في الواقع بأبعاد دلالية مختلفة عكست المكان باثة عرسية الحياة والفرح ، فالغيوم في فضائها تدور باثة الخصب فدحرجاتها في الحقيقة ماهي إلا حركاتها المحملة بالخصب والأمل وبعث الحياة في عالم يراه الشاعر حائرا تائها ، فهذه الدحرجات تحيل إلى العودة والرجوع من خلال الجنوب كمكان أعاد بعث الهوية من جديد لعالمنا العربي من محيطه إلى خليجه لنرى خطابا هوياتيا جديدا عربيا شاملا جغرافية الوطن الكبير ، فكلما تدحرجت الغيوم إلا وأحالتنا إلى ربيع الهوية الكبرى والعودة والفرح وعرسية النصر المستشرفة ، فهذه المشهدية الكرنفالية الاحتفالية جسدت طقوسية احتفالية بهذا الحدث الجنوبي أين تموضع حلم العودة ، ويكأن الشاعر بعث من جديد أسطرة هذا الحدث ، ليواجه به ظاهرة التيه من خلال ماتعنيه الأسطورة كفعل للكلام وصوت للثورة وخطاب تهديم وكلام تخريب وتسخيف للمواطنية.[25] ليحاكم من خلالها كل من ساهم في رحلة التيه موجها خطابه الثائر ، ليحطم الألم ويبني الأمل ويخرب واقعنا التائه في المكان والزمان ، ليبني على أنقاضه مكانا جديدا تتحقق فيه كرامة الإنسان العربي من جديد ، ليكون الجنوب الثائر ذلك المعادل الموضوعي المكاني للثورة ، مسخفا بذلك المواطنية المزيفة ليعلي مكانها المواطنية الحقيقية الكريمة والانتماء المشرف للمكان ، حيث استهل نصه بـــــ: "قَلْبِي شُمُوعُ الْعَائِدِينَ وَخَفْقَتِي عُرْسُ الْجَنُوبِ أُعَانِقُ الشَّجَرَ الْمُحَنَّى بِالنَّشِيدِ أَصِيحُ قَدْ رَحَلَ السَّوَادُ وَأَسْرَجَ الصُّبْحُ الْجَمِيلُ قَصِيدَةَ الْفَرَحِ الْجَمِيلِ فَعَانِقِي يَا أُخْتُ أُغْنِيَتِي وَهَاتِي رَقْصَتِي كَمْ رَائِعٌ أَنْ يُشْرِقَ الْوَرْدُ الرَّبِيعُ قَصَائِدًا وَحَدَائِقًا وَرَوَائِعًا"، أين تكررت كلمة الجنوب سبعا وعشرين مرة في النص مرسخة المكان الثائر في وجدان المتلقي القارئ ، وتبقى دائما دلالات مكانية خضراء تسم النص على غرار الشجر المحنى بالنشيد عاكسة لون العرسية والانتماء لمملكة الفرح التي رسمها الشاعر على ضوء شموع قلبه للعودة الْمُعَشَّقَةِ بدلالات صوتية مبثوثة على شاكلة النشيد وأغنيتي وبدلالات لونية كإشراق الورد والحدائق ، وكلها جسدت ذاكرة المكان وعرسية الفرح ، ليرحل لون السواد عن المكان المحاصر ويسرج الصبح الانعتاقي البهي قصيدة هذا الفرح العرسي الجميل ، لتعانق الأخت الرامزة لرحم المكان المقدس أغنيته لتعطيه رقصته الطقوسية الهوياتية فرحا بالمكان الثائر ، أين احتفى بهذه الأنثى الرامزة للخصب للتراب ، لحياة المكان كمعادل بديل عن حنينه لمعانقة الوطن الأم إشباعا لرغبة فراغ لا يملؤها إلا احتضان الوطن السليب ، "فِي كُلِّ وَجْهٍ ضِحْكَةٌ وَصَبَاحُ أُمْنِيَةٍ نِدَاءٌ رَائِعٌ هَذَا الْجَنُوبُ فَزَغْرِدِي يَا أُمُّ لُبْنَانُ الْحَبِيبُ يُعَانِقُ الْآنَ الْوُجُوهَ مِنَ الْمُحِيطِ إِلَى الْخَلِيجِ بِضِحْكَةٍ الْأَمَلِ الْمُنَدَّى بِالْوُعُودِ وَبِالزُّهُورِ وَقَامَةِ الْأَبْطَالِ مَا أَحْلَى الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ وَهَذِهِ الْأَرْضُ الْحَبِيبَةُ تَزْدَهِي بِشُمُوخِهَا مَرْحَى لِكُلِّ حِجَارَةِ الْأَرْضِ الْعَظِيمَةِ عَطَّرَتْ أَرْضَ الْجَنُوبِ بِكُلِّ مَافِي الْعُمْرِ مِنْ حِنَّائِهَا مَرْحَى لِكُلِّ الْحَامِلِينَ جَنُوبَهُمْ قَلْبًا يَدُقُّ وَيَزْدَهِي بِعَطَائِهِ مَرْحَى لِكُلِّ الذَّاهِبِينَ إِلَى التُّرَابِ قَصِيدَةً وَدَمًا وَمَعْنَى لِلشُّمُوخِ هُمُ الشَّهَادَةُ وَالشَّهَادَةُ تَرْفَعُ الْآنَ الزَّمَانَ بِعِطْرِهِمْ وَبِحُبِّهِمَ مَرْحَى لِكُلِّ الرَّاجِعِينَ الْآيْبِينَ الْحَامِلِينَ الشَّوْقَ وَالْحُبَّ الْكَبِيرَ وَعِشْقَهُمْ هَذَا جَنُوبُ قُلُوبِنَا"،ما أجمل أن تتحول الضحكة العرسية إلى صورة مرسومة في كل وجه ما أعذب هذه الصورة الشعرية المتدفقة الحية في هذا المقتطف الفقري المدور الرائع ،فهذه الصورة المتحركة تبقينا دائما معية هذه الدلالات الصوتية المبثوثة في هذه الملفوظات الدالة المختارة بعناية : "ضحكة /نداء رائع /زغردي / بضحكة الأمل المندى بالوعود /ما أحلى الصلاة على النبي" عاكسة هذا العرس الجنوبي الذي يعانق كل الوجوه المبثوثة على رقعة جغرافية الوطن الكبير من الخليج إلى المحيط ، أين تشكلت هذه الفسيفساء الشعورية الرائعة بشعريتها ومُزَاحِهَا الصوري المدهش لتقول المكان والهوية العزيزة المتجلية كلحام يشد نسيجنا الوجودي من خلال الثورة والصمود والشهادة التي ترفع الآن الزمان التحاما بالمقدس الهوياتي ، أين حمل الأبطال أرواحهم على أكفهم فداء للكرامة والعزة في الجنوب المقاوم الممانع ، ويكأن الشاعر نسج جسر العودة من تراب جنوب القلب المقاوم "وَقُلُوبُنَا لِتُرَابِهِ خَفْقٌ وَحِنَّاءٌ وَأَلْفُ قَصِيدَةٍ مَنْ يَحْفَظُ الْآنَ الدُّرُوسَ فَأَوَّلُ الْإِعْرَابِ أَنَّ جَنُوبَنَا فِعْلٌ وَبَحْرٌ وَانْتِشَارٌ رَائِعٌ وَالْفَاعِلُ الْآنَ الْجَنُوبُ وَكُلُّ مَافِي الضَّمِّ مِنْ شَوْقٍ خُذِي يَاأُمُّ تُفَّاحَ الصَّبَاحِ مِنَ الْجَنُوبِ وَوَزِّعِي يَاأُمُّ تُفَّاحَ النَّهَارِ عَلَى الْجَنُوبِ رَأَيْتُ فِي بَحْرِ الْجَنُوبِ قَصِيدَتِي وَرَأَيْتُ حَيْفَا وَالدُّرُوبُ إِلَى زَمَانِ زَمَانِنَا كُلُّ الْقَصَائِدِ فِي الْجَنُوبِ جَمِيلَةٌ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ الْمُصَفَّى رَقْصَةٌ عَلَمٌ يُرَفْرِفُ رَايَةٌ لِلنَّصْرِ أُغْنِيَةُ الرُّجُوعِ وَعَائِدُونَ مَعَ الْجَنُوبِ خُذِي دَمِي لِصَبَاحِ أُغْنِيَةٍ يَطُولُ نَشِيدُهَا هَذَا الْجَنُوبُ يعُيدُ لِلْعَرَبِ الصَّبَاحَ فَزَغْرِدِي هَذَا التُّرَابُ تُرَابُنَا وَقُلُوبُنَا وَصَفَاؤُنَا وَحَنِينُنَا هَذَا التُّرَابُ الدِّفْءُ فِي ضِلْعِ الرُّجُوعِ نَشِيدُنَا مَا أَجْمَلَ الْأَفْرَاحَ تَمْلَأُنَا هَوًى وَتُعِيدُ لِلطُّرُقَاتِ كُلَّ فُصُولِنَا هَذَا جَنُوبُ نِدَائِنَا وَدُعَائِنَا نَمْضِي إِلَى ضَوْءِ الْقَصِيدَةِ نَحْتَمِي بِسِيَاجِهَا وَنَمُدُّ لِلْعِيدِ الْجَمِيلِ ضُلُوعَنَا جِسْرًا مِنَ الْوَعْدِ النَّشِيدِ وَرَقْصَةِ الْحِنَّاءِ فِي أُفْقِ الزَّمَانِ"فمن خلال المكان الثائر التحم الشاعر بالمقدس ليعبر من جديد جسر العودة الحلم ليعانق حيفا التي فرقت بينه وبينها حصارات كثيرة مشيرا إلى "الفاعل الحقيقي في المكان الثائر" ، فلاشيء هنا غير جنوب قلوبنا الذي أعاد إلى مشهدنا المأزوم المنبطح الغثائي بارقة عزة لنتشبث بها في فضائنا الزمكاني الحائر التائه ، عسى تعود البوصلة من جديد وتتجه عقاربها نحو الحلم العربي المستشرف ، لنغادر صحراء تيهنا ونفتك عنوة الوطن المكان من الغاصب المعتدي ، ويبقى الشاعر عازفا سمفونية عرسية الفرح ليمتد جسر العودة إلى المكان الحلم المقدس حاملا هاجس العودة الهوياتية ، فهذا الفعل الجنوبي الثائر أعاد للعرب صباحهم الحلمي ، فهذا الجنوب انعكاس للصورة الهوياتية العزيزة فلا هوية للعربي إلا في الثورة على الكيان الغاصب لتستمر تقريبا نفس الدلالات الصوتية في هذه المقتطفات المشحونة شعورا ودلالة مثل "أُغْنِيَةُ الرُّجُوعِ" "لِصَبَاحِ أُغْنِيَةٍ يَطُولُ نَشِيدُهَا" هَذَا الْجَنُوبُ يعُيدُ لِلْعَرَبِ الصَّبَاحَ "فَزَغْرِدِي" فِي ضِلْعِ الرُّجُوعِ" نَشِيدُنَا" هَذَا جَنُوبُ "نِدَائِنَا" وَ"دُعَائِنَا" جِسْرًا مِنَ "الْوَعْدِ النَّشِيدِ" عازفة حلم الهوية المرتقب في هذه الفلذة المدورة الرائعة لنتذوق على مستوى النص لا الواقع للأسف هذه العرسية الإبداعية المدهشة صورة ومشهدا حيث "نَقُولُ لِلتَّارِيخِ سَجِّلْ صَفْحَةَ الْإِشْرَاقِ وَاكْتُبْ قِصَّةَ الْآتِينَ مِنْ بَحْرِ الصَّبَاحِ شُمُوسَ عُرْسٍ رَائِعٍ هَذَا هُوَ الْبَحْرُ الْجَنُوبِيُّ الَّذِي لَايَنْحَنِي هَذَا هُوَ الْبَحْرُ الْجَنُوبِيُّ الَّذِي لَايَنْتَهِي يَسْقِي امْتِدَادَ غِنَائِنَا وَيُعِيدُ طَعْمَ الضِّحْكَةِ الْحُلُمِ اللَّذِيذِ الْأُغْنِيَاتِ يُعِيدُنَا لِذَوَاتِنَا وَيُوَزِّعُ اللَّوْزَ اللَّذِيذَ قَصِيدَةً هَذَا الْجَنُوبُ جَنُوبُنَا سَلِمَتْ يَدَاكَ وَأَنْتَ تَزْرَعُ حُلْمَنَا فِي حُلْمِنَا سَلِمَتْ يَدَاكَ وَأَنْتَ يَانَبْتَ الْجَنُوبِ تُعِيدُ لِلْحَقْلِ الْمَدِيدِ غِنَاءَنَا كَفَّانِ مِنْ شَمْسٍ وَمِنْ نَايٍ وَمِنْ عُرْسِ الصَّبَاحِ وَصَرْخَةٍ مِنْ صَخْرِ صَخْرِ صُمُودِكُمْ عُرْسٌ وَيَازَيْنَ الشَّبَابِ تُعِيدُ لِلْعُرْسِ الَّذِي اشْتَقْنَا لَهُ أَفْرَاحَنَا عُرْسٌ وَيَازَيْنَ الشَّبَابِ تُعْيدُ لِلْعُرْسِ الَّذِي اشْتَقْنَا لَهُ مَعْنَاهُ مِنْ بَعْدِ الْبِعَادِ وَجَفْوَةِ الْأَفْرَاحِ فِي أَيَّامِنَا عُرْسٌ وَيَازَيْنَ الشَّبَابِ لَكَ الْقُلُوبُ الْآنَ دَقَّاتٌ لِفَرْحَةِ عَاشِقٍ رَقَصَاتُ أُغْنِيَةٍ نِدَاءٌ حَالِمٌ حِنَّاءُ مُوسِيقَى فَخُذْ زَهْرَ الْقَصِيدَةِ كَيْ تَكُونَ قَصِيدَتِي بَحْرًا مِنَ السِّحْرِ اللَّذِيذِ وَطَلْقَةً لِلْأُغْنِيَاتِ هُوَ الْجَنُوبُ وَأَشْتَهِي أَنْ أَرْفَعَ الْآنَ التُّرَابَ جَمِيعَهُ لِأَضُمَّ حَبَّاتِ النَّدَى فِي كُلِّ رَقْصَةِ حَبَّةٍ مِنْ عِطْرِهِ هَذَا الْجَنُوبُ وَكُلُّ مَافِي الْعُمْرِ مِنْ عُمْرٍ يُرَاقِصُ عُرْسَهُ وَشُمُوسَهُ وَشُمُوخَهُ وَيَرُومُ فِيهِ قَصِيدَةً لَاتَنْتَهِي هَذَا الْجَنُوبُ وَكُلُّ تُفَّاحِ الْجَنُوبِ قَصَائِدٌ كُلُّ الطُّيُورِ الْأُغْنِيَاتُ الْأُمْنِيَاتُ قَصَائِدٌ هَذَا الْجَنُوبُ وَكَمْ عَشِقْتُكَ يَاجَنُوبُ فَأَطْلِقِ الْهَمْسَ اللَّذِيذَ الْأُغْنِيَاتِ وَأَنْتَ فِي مَطَرِ الْحَنِينِ تُذِيبُنِي سَجِّلْ عَلَى كُلِّ الدُّرُوبِ قَصِيدَتِي يَاأَنْتَ يَاعُرْسَ الْجَنُوبِ وَأَنْتَ يَازَيْنَ الشَّبَابِ وَأَنْتَ يَامَطَرَ الْجَنُوبِ وَأَنْتَ يَازَهْرَ الْجَنُوبِ عَشِقْتُ فِي كُلِّ الدُّرُوبِ إِلَى الْجَنُوبِ شُمُوخَ أَشْجَارِ الْجَنُوبِ عَشِقْتُهَا وَعَشِقْتُ فِي كُلِّ الْوُجُوهِ الْعُرْسَ يَرْفَعُ قَامَةَ الْفَرَحِ الْجَمِيلِ حِكَايَةً لَاتَنْتَهِي.. هنا تتجلى اللمسة الموقفية الشعرية عاكسة البعد الهوياتي العربي ، فهذا البحر الجنوبي أضاف صفحة مشرقة تمسح مآسينا العربية وانكساراتنا المتتالية في الزمان والمكان ، فليسجل التاريخ إذا هذه الإشراقة الجنوبية الهوياتية ، وليكتب قصة الآتين من بحر الصباح الانعتاقي المنشود شموس عرس حيث لاينتهي هذا البحر ولا ينحني ، بل يمتد وينتشر ليسقي امتداد الغناء ، ويعيد طعم الضحكة الحلم اللذيذة الأغنيات ، ليخاطب رمز المقاومة مستحضرا ذلك المتخيل الرمز الحاضر بديلا للسلف الرمز الغائب ، ويبقى الشاعر يحن إلى الظاهرة الأسلافية "معانقة الحضور الأسطوري للأسلاف " كممارسة إبداعية طقوسية مجسدة في قائد رمز بعينه يدل على حضور المكان الثائر ، معانقا الحضور الأسلافي في أطر تخييلية لتمتد هذه الشخصية الرمز في جسد نصه الشعري شاغلة فراغ الواقع ، لتملأ حالة الشغور الطويلة الممتدة في المكان والزمان ، لتجسيد حالة الضياع والفراغ والشعور بالاغتراب ، وفقدان ما يمكن أن أسميه هنا بالظاهرة الأبوية كمصدر للأمان المفقود جراء أزمة الهوية الحادة فالشاعر وفق في إعادة بعث الحلم الهوياتي العربي على مستوى النص كبديل لإخفاقاتنا الهوياتية المتكررة على مستوى واقعنا المأزوم .

[1] - أنتوني جيدنز ، علم الاجتماع مع مدخلات عربية ، ترجمة فايز الصياغ ، المنظمة العربية للترجمة ، الحمراء – بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 2005 ، ص.90.

[2] - محمد حسام الدين إسماعيل ، الصورة والجسد دراسات نقدية في الإعلام المعاصر ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الحمراء – بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 2008 ، ص.23.

[3]- جون جوزيف ، اللغة والهوية قومية إثنية دينية ، ترجمة عبد النور خراقي ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد رقم 342 ، الكويت ، الطبعة الأولى 2007 ، ص.286.

[4] - حسين خمري ، فضاء المتخيل مقاربات في الرواية ، منشورات الاختلاف ، الجزائر ،دون ذكر الطبعة والسنة ، ص.ص 43- 44.

[5] - غاستون باشلار ، الماء والأحلام دراسة عن الخيال والمادة ، ترجمة علي نجيب إبراهيم ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الحمراء -بيروت -لبنان ، الطبعة الأولى 2007 ، ص.ص.13- 14.

[6] - ريجيس دوبري ، حياة الصورة وموتها ، ترجمة فريد الزاهي ، دار أفريقيا الشرق ، دون ذكر البلد وسنة النشر.

[7] - روبين دونبار وآخرون ، تطور الثقافة رؤية في ضوء منهج البحوث المتداخلة ، ترجمة شوقي جلال ، المجلس الأعلى للثقافة ، الجزيرة – القاهرة ، الطبعة الأولى 2005 ، ص.ص.137 – 138.

[8] - جان بودريار ، المصطنع والاصطناع ، ترجمة جوزيف عبدالله ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الحمراء – بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 2008 ، ص.27.

[9]- عبدالله الغذامي ، الخطيئة من البنيوية إلى التشريحية دراسة نقدية لنموذج معاصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الطبعة الرابعة 1998 ، ص.18.

[10]- دانيال تشاندلر ، أسس السيميائية ، ترجمة طلال وهبه ،مركز دراسات الوحدة العربية ،الحمراء ،بيروت– لبنان ، الطبعة الأولى 2008 ، ص.192.

[11]-رولان بارث ، النقد البنيوي للحكاية ، ترجمة أنطوان أبو زيد ، منشورات عويدات ، باريس ،الطبعة الأولى 1988 ،ص.18.

[12]-خليل الموسى ، آليات القراءة في الشعر العربي المعاصر ، الهيئة العامة السورية للكتاب ، وزارة الثقافة – دمشق ، الطبعة الأولى 2010 ،ص.164.

[13]- سلمى الخضراء الجيوسي ، الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث ، ترجمة عبد الواحد لؤلؤة ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الحمراء – بيروت – لبنان ، طبعة ثانية منقحة 2007 ، ص.621.

[14]- طوني بينيت وآخرون ، مفاتيح اصطلاحية جديدة معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع ، ترجمة سعيد الغامدي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الحمراء – بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 2010 ، ص.652.

[15]- جون بول سارتر ، الكينونة والعدم بحث في الأنطولوجيا الفينومينولوجية ، ترجمة نقولا متيني ، مركز دراسات الوحدة العربية ،الحمراء – بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 2009 ، ص.130.

[16]- روجيه كايوا ، الإنسان والمقدس ، ترجمة سميرة ريشا ، مركز دراسات الوحدة العربية ،الحمراء – بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى2010 ، ص.88.

[17]- موسى الأحمدي نويوات ، المتوسط الكافي في علمي العروض والقوافي ، المؤسسة الوطنية للكتاب ،دون ذكر البلد وسنة النشر ،الطبعة الثالثة ،ص.339.

[18] - غازي يموت ،بحور الشعر العربي عروض الخليل ، دار الفكر اللبناني للطباعة والنشر ، بيروت– لبنان ،الطبعة الثانية 1992 ، ص.91.

[19] - فوزي سعد عيسى ، العروض العربي ومحاولات التطور والتجديد فيه ، دار المعرفة الجامعية ، الأزاريطة ، دون ذكر البلد ، الطبعة الأولى 1998 ،ص.240.

[20] - عادل سلطاني ، الندوة الأدبية النقدية عن الشاعرطلعت سقيرق ، مجلة نور الأدب الإلكترونية ، بتاريخ 17/04/2012.
http://www.nooreladab.com/news.php?action=show&id=344

[21] - مصطفى السعدني ، التناص الشعري قراءة أخرى لقضية السرقات ، منشأة المعارف – الإسكندرية ، الطبعة الأولى 1991 ،ص.8.

[22]- رولان بارت ، درس السيميولوجيا ، ترجمة عبدالسلام بن عبد العالي ، دار توبقال للنشر ،المغرب ،الطبعة الثالثة 1993 ،ص.23.

[23] - ديني هويمان ، علم الجمال ، ترجمة ظافر الحسن ، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، الجزائر ، الطبعة الأولى 1961 ، ص.61.

[24] - صلاح عبدالصبور ، كتابة على وجه الريح ، دار الكتب ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 1980 ، ص.101.

[25] - مارسيل ديتيان ، اختلاق الميثولوجيا ، ترجمة مصباح عبد الصمد ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الحمراء ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 2008 ، ص.137.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
عادل سلطاني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15 / 11 / 2012, 08 : 06 PM   رقم المشاركة : [2]
محمد الصالح الجزائري
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام


 الصورة الرمزية محمد الصالح الجزائري
 





محمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

رد: ((( ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق -نماذج مختارة- )))

...ولأنك أنت النّحّات أنت !! متميزة هذه الدراسات أخي عادل..جميل جدا إحساسك العاتري الذي لوّنتَ به سياحتك هذه بين ثنايا الحرف السقيرقي المرتبط بالأرض..بفلسطين الزمكان الخالد!! مودتي وكثير من الاحترام لما تبذله لإبفاء النور وروحه الراحل الخالد طلعت سقيرق..
توقيع محمد الصالح الجزائري
 قال والدي ـ رحمه الله ـ : ( إذا لم تجد من تحب فلا تكره أحدا !)
محمد الصالح الجزائري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 21 / 11 / 2012, 21 : 11 PM   رقم المشاركة : [3]
عادل سلطاني
شاعر

 الصورة الرمزية عادل سلطاني
 





عادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

رد: ((( ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق -نماذج مختارة- )))

اقتباس
 عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري
...ولأنك أنت النّحّات أنت !! متميزة هذه الدراسات أخي عادل..جميل جدا إحساسك العاتري الذي لوّنتَ به سياحتك هذه بين ثنايا الحرف السقيرقي المرتبط بالأرض..بفلسطين الزمكان الخالد!! مودتي وكثير من الاحترام لما تبذله لإبفاء النور وروحه الراحل الخالد طلعت سقيرق..

شكرا توأم الجراح آنستني إطلالتك الوارفة أيهذا الجراوي العاقل الشاعر الإنسان ..
تحياتي
عادل سلطاني غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ارتباط ، الهوية ،المكان ، الشاعر ،طلعت ،سقيرق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
((( ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق عادل سلطاني هيئة النقد الأدبي 2 06 / 08 / 2014 03 : 10 PM
((( ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق - بلح وناي صرختي نموذجا - ))) عادل سلطاني ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق 2 16 / 11 / 2012 22 : 12 AM
((( ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق - يا أهل غزة نموذجا-))) عادل سلطاني هيئة النقد الأدبي 2 01 / 11 / 2012 16 : 06 PM
((( ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق - يا أهل غزة نموذجا-))) عادل سلطاني ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق 2 01 / 11 / 2012 16 : 06 PM
ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق –أنت الفلسطيني أنت – نموذجا عادل سلطاني ارتباط الهوية بالمكان عند الشاعر طلعت سقيرق 3 30 / 10 / 2012 52 : 06 PM


الساعة الآن 36 : 06 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|