[كمال خوجة]

I.dh.1294/101709
إلى نظارة الداخلية الجليلة
رقم:11
دولة سيدي.
ليس هناك أي سبب مانع لإدخال ولاية بغداد ضمن دائرة الأصول والقاعدة الصحيحة للولاية سوى المحسنات. فمع ورودي بادرت إلى مقدماتها ومقتضياتها، وكانت البداية تقسيم دوائر ملحقاتها، حيت تم تقسيمها إلى تسع متصرفيات هي بغداد وشهر زور والسليمانية والموصل والدليم وكربلاء والديوانية والبصرة وتقسيم كل متصرفية منها إلى أقضية ونواحي. وباستثناء الموصل وشهر زور فإن أصحاب الزراعة في هذه المحال لا يسكنون القرى كما هو الحال عندنا، وأهل الزراعة ليسو أصحاب الأرض بل يجولون الأماكن التي يستخدمها الملتزمون. فحولنا هذه الأماكن إلى قرى ونصبنا أعضاء إدارة التمييز ومجالس الحقوق كيلا نضيع الوقت في تشكيل مجالس الشيوخ وتأسيس أصول الانتخاب ، وتضيع بذلك المصالح الجارية. كما بأنا في سائر التنظيمات والإجراءات المتفرعة عن هذه الأسس التي تقتضيها قاعدة الولايات. وقد سبق وأن تم في عهد دولة نامق باشا تخفيض عدد عناصر الضبطية والعساكر الموظفة التي كانت تستخدم لأمور الولاية الانضباطية إلى حوالي ثمانية آلاف وانخفضت مخصصاتهم السنوية إلى ثمانية عشر الف كيسة فكان راتب المشاة واحدا وأربعين قرشا ونصف وبعض عناصر الفرسان ستين قرشا وبعضهم ثمانين قرشا. ولا حاجة للوصف والبيان عن مدى الفساد الذي تؤدي إليه مثل هذه التصرفات، فقمنا بإلغائها جميعا وأبقينا حوالي ألفين وأربعمائة عنصرا من المشاة وحوالي أربعة آلاف من المشاة ، وقسمناهم إلى ألوية وطوابير مفارز ، كما وحدنا ملابسهم فتم بذلك تشكيل لواء ضبطية من ستة آلاف عنصر، وكان تجنيد عساكر المناطق الأخرى وتوحيد ملابسهم على هذا النحو، وأدى ذلك إلى تخفيض عدد أفرادها بمقدار الفين ومصاريفها بحوالي أربعة آلاف كيسة، ونظرا على أن الأسباب الموجبة لذلك تعتمد على دلائل مصدقة ومؤكدة لدى مقامكم نظارتكم العالي فلم أر حاجة للتفصيل والتوضيح. إن إعمار هذه الولاية وإحياءها بحاجة إلى أساسين، أحدهما العهدة بالأراضي إلى الزراع من الأهالي وفقا لقاعدة مشروعة وجعل الأهالي أصحاب الأرض، والثاني فتح طريق للتجارة نحو البحر المتوسط. تأكد لدينا ذلك من خلال مشاهداتنا الشخصية. والحقيقة أنه مع خصوبة الأرض في هذه الولاية تدهش عقول البشر بفيضها وبركتها أن المقدار الذي كان يؤخذ من المحاصيل التي يجنيها أصحاب الزراعة ظنا منها انها لمصلحة الخزينة هي في حدود النصف وأحيانا الثلث وأحيانا الربع لكن المبالغ التي تجمع للدولة لا تزيد عن ستين أو سبعين أف كيسة يبقى أحيانا نصفها وثلثها أحيانا دون جمع فتتلف، كما ان اقتصار الزراعة في كل هذه البلاد واسعة الأرجاء على صنف واحد من الأهالي وبقاء ما عداهم في حال البداوة يؤكد صحة ما نقوله. ولكن إذا وضعنا قاعدة صحيحة للأراضي وأسسنا حقوق التصرف بهذه الأراضي وجعلنا أخذ حصة الميري وتحصيلها في صورة واضحة ومعتدلة، فلا بد أن يتضاعف حجم الزراعة والفلاحة ويؤدي ذلك إلى فوائد ومحسنات عظيمة للدولة والأهالي على حد سواء. ولكن لا بد أيضا أن يكون لهذه المحاصيل مخرج ومحل للصرف وإلا فإن حالة الضيق والحرمان الحالية ستبقى وتستمر ولن تكون لزيادة حجم الزراعة فائدة . ويبدو أن وجوب إيجاد طريق أولا بأول لتسهيلات المعاملات والعلاقات له الأولوية على ما عداه. لذلك فقد باشرنا لتحقيق هذين الأساسين معا فور وصولنا. لأنه وإن كانت هذه الأراضي في هذه البلاد أخذت حكم الأراضي الأميرية ، فإن كثيرا من الأراضي في بعض المناطق مثل لوائي بغداد وشهر زور علاقات كثيرة مثل البيوت الخاصة والعقارات، والمس بها في بداية الأمر يؤدي إلى كثير من المشاكل، فيترك أمرها لما بعد، أما بقية الأراضي إذا فوضناها بموجب الطابو ( السجل العقاري) فإن الأراضي التي يكون التصرف بها(استثمارها) تقسم إلى قسمين قسم منها تروى بالأنهار وقسم منها بالمياه الطبيعية فتوضع فيها قاعدة عامة بحيث يؤخذ من حاصلاتها الخمس، بينما يؤخذ العشر من حاصلات القطن والزراق( مادة تستخرج من النبات لصباغة الملابس باللون الأزرق)والكتان. أما إذا رويت بالدولاب( أو ما يسمى بالغراف) أو كانت تزرع دون ماء فيؤخذ منها العشر بشكل عام ، ووضع جملة شروط وقيود متفرعة عن هذا الأساس. ولإيجاد نموذج لذلك بدأ العمل في لواء الديوانية. ونظرا لوجود كثير من القرى في لوائي الموصل وشهر زور وقد هجرها أهلها ، فقد وجدنا مصلحة بتفويض هذه القرى لهذا وذاك بالطابو(صك ميري) بمقدم (سلف)بسيط، فأعطيناها بهذه الطريقة، لكن أهالي بعض القرى الأخرى العامرة نقلوا من قبل متصرفيها وحولوها إلى مزارع، فقد ظهرت أمامنا العديد من المشاكل حيالها، فمعنا تحويل ما يحول من هذه القرى إلى مزارع من الآن فصاعدا، وأعلنا بأن من أتى إلى هذه القرى من اهاليها أو من القبائل والعربان إلى الأماكن غير المسكونة ممن لم تفرض الضرائب عليهم وسكن في هذه القرى فلن يؤخذ منهم ضرائب سوى العشر وعادة الأغنام لمدة خمس سنوات اعتبارا من عام ستة وثمانين. وفي بغداد نفسها لم تؤخذ ضرائب حتى الآن كما لم تؤخذ العشر من البساتين ومن مزروعات الأراضي الواقعة حولها ولمسافة خمس عشرة ساعة، بينما وضع رسم الاحتساب على الحبوب والمؤن التي تباع بنفس المدينة ومن الحطب المجلوب إلى المدينة ومن الزوارق والقوارب التي تعمل في نهر دجلة ضرائب باهظة جدا. وفي الوقت الذي كانت تؤخذ بدل الأعشار لكثير من المؤن في أماكنها بحساب الربع والثلث، فإن أخذها هنا مرة أخرى وأخذ الرسوم من الزوارق التي تعمل للتجارة كان من الأمور التي تصعب التجارة كثيرا. وبناء على تقدير أنه في حال أخذ العشر من الأراضي خارج المدن وهو الأقل بالنسبة لأمثالها من الأراضي، فإن ذلك يكفي بدلا لهذه الرسوم، فقد وضعنا أسس أخذ العشر من الأراضي والبساتين المذكورة بينما الغينا الرسوم عليها، وعينا مأمورين لهذه المناطق لتسجيل الحاصلات الأعشارية لتحصيل أعشارها بعد ذلك. أما فيما يتعلق بمسألة طريق التجارة، فليس هناك من حل في الوقت الحالي سوى جعل نهري دجلة في حالة يمكن تشغيل السفن فيهما. وإذا امكن إزالة أكبر المشاكل في محلين من نهر دجلة حسب الدراسات التي أجريناها بواسطة المهندسين الذين أرسلناهم لهذا الغرض بأقل التكاليف بإذن الله تعالى وتم إصلاح سائر العوارض والخلل فإن بإمكان السفن السير حتى الموصل. ولا أمل في تشغيلها فيما بعد ذلك نظرا لضحالة المياه فيها، ولذلك فإن ما ينفعنا هنا هو نهر الفرات. ولكن لم يسبق إدخال السفن لهذا النهر حتى الآن وأحواله مجهولة ، كما أن الأسباب والوسائل التي تصلح لإجراء التجربة غير موجودة. ونظرا للحاجة الماسة لهذا العمل وكونه بمثابة الروح لمبادرتنا هذه ، فلم نفسح المجال لورود السفينتين الصغيرتين وماكنة التمشيط التي طلبت من أوربا، جعلنا السفينة "البصرة وهي أصغر السفن الموجودة وأقدمها تلف من القورنة لتعبر إلى الفرات وتسير بطريق السماوة والديوانية حتى هيت الواقعة في الجانب الأسفل من عنه، كما انتظرنا انحسار المياه كي نرسل المأمورين لإزالة السدود المبنية لدواليب المياه داخل النهر، وأتمنى من الله العلي القدير أن يسهل علينا ويمنحنا التوفيق بالبشرى في تشغيل السفن حتى بالس التي هي مرسى حلب أو حتى بيره جك، بفضل دعاء المقامات العليا بإذن الله تعالى. ومع أننا سنقدم تفاصيل أوفى عن هذه الأمور وكذلك في المبادرات الأخرى لاحقا فإن ما قدمناه الآن هي مجرد معلومات إجمالية نكتفي بها في الوقت الحالي. ونضيف إلى ما ذكرنا بأنه من الضروري تعديل الحصص الميرية التي تؤخذ في الوقت الحالي من محاصيل أرباب الزراعة بحساب الثلثين والنصف والثلث والربع على ظن أن ذلك من مصلحة الخزينة، وفقا للقاعدة المشروعة، وإلغاء وإبطال لمواد المخالفة للأصول والقواعد الفاحشة والمكررة التي تحول دون التطور، ولإزالة القلق من حصول نقص وخلل في المرتبات التي جرت العادة على إرسالها من هذه الولاية إلى الخزينة الجليلة فسنرسل في السنة الأولى إن شاء الله اعتبارا من عام ستة وثمانين خمسين ألف كيسة على الأقل، لتزيد كل عام .أتعهد بذلك بعون الباري عز وجل، والأمر لحضرة من له الأمر. في 6 ربيع الأول 1286 و4 حزيران 1295(16 حزيران 1879م)
والي ولاية بغداد
مدحت