| 
				
				ومضات او ( الموت و الحياة )
			 
 اللغة الاولى ( ومضات  )اللغة وامضة
 
 الجزء الاول : الموت
 فصل
 اناشيد الشتاء تغرق في الضباب .
 تترك في ذاكرة الشوارع نشوة لا تنسى .
 زواياه الباردة تحفل بالصمت ،
 فأتجمد في حلمي كشجرة غاب قديمة .
 *
 الصوت ينحني ،
 يتلاشى في الفضاء العريض ،
 ليس للكلمة الا ان تسقط في الوحل .
 السفن البائسة تخترق اذني .
 تلك الازاهير تبتعد ،
 تتقيأ الالم السرمدي .
 تورثه الاجيال و الحلم .
 *
 حكايات الحضارة تغرق في المحيط .
 قيل حتى مياه البحر ، بما فيها من اساور و تواريخ  ،
 قد التقمها الذباب في لحظة اسارة ، فصارت معدته ينابيع دافئة .
 *
 قلب العالم يتقاعد كأرملة .
 لا مكان لحلم الانسان ،
 لا دفء و لا نشيد .
 سنابل القمح تعري ساقيها ،
 تنحني خجلة  فما في رؤوسها  سوى الهواء الثقيل .
 اجل ، للمغيب الف اغنية ، لا يعرف عنها الفلاحون شيئا.
 *
 السنين ترتجف ،
 قد اكل قشرتها الاطفال ،
 فلم يبق للإنسان فسحة تسع ابتسامته .
 كلا ، من الكذب جدا اتهام الجسد بآثام الانسانية ،
 فحب القمر غير محتاج لدم الطبيعة .
 *
 ليس لي الا ان احتضر .
 و ليس للحضارة الغالية الا ان تسأم كل قطرة صفراء في المحيط .
 للشمس اشراقة تجعل الشجر قصائد ساكنة لا تعرف شيئا عن الخلود .
 هكذا تكذب الحضارة ،
 تتكاثر في اوردة غادرتها الاجراس ،
 تتمدد شارعا قديما ، اثلجه قلة السائرين .
 *
 هناك الابتسامة باردة .
 ترتجف كنعامة تكاثر راسها تحت الارض ،
 في اذنيها ينبت الشوك و الجياع .
 الدماء تملا السواقي ،
 تلتهم عروق الاشجار ،
 فيتلاشى الحلم كبقرة هزيلة .
 كلا ، قلب الفلاح لا يعرف الكذب .
 *
 المدينة تسعل ،
 تتقيأ الجمال ،
 تصنع من لعب الاطفال بنادق واجسادا معتمة .
 النساء تستطيل ، تنتفخ بالصوت  .
 الحضارة تسعل ،
 تبتدع تاريخ الدموع ،
 كلا الجمال شيء اخر .
 *
 كل شيء يدور بلا رحمة ،
 حتى الازهار اصبحت شاحبة ،
 قد تكاثر الذباب في احشائها .
 الارصفة تتقيأ الموتى ،
 خلايا راسها تعفنت ،
 في احضانها يتفجر الشيطان كقبلة – هناك و ببرود – يقتل الشمس .
 
 فصل
 عيناي يملاهما التراب .
 اذناي تخترقها الحضارة الناعسة .
 اكاد لا اعرف كيف يتاح هذا الهواء لرئتي .
 *
 
 السيول ما عادت تكفي لتضع حدا لهذا العالم السقيم .
 جسده شاحب كعصاة لا حراك فيها ،
 ليس هناك سوى زحف جنوني نحو الظلام الرهيب .
 *
 اجل ، لا بد من الموت الجديد .
 هكذا اخرج من خاتمي شبحا للسلام .
 اجلد ظهر المجرة بالصوت العتيد .
 *
 الوديان تختنق بالنمل ،
 تنطوي كمائدة للجياع ،
 تتكدس اجسادهم رملا رخيصا ،
 يردم شقوق الشيخوخة في وجه الحضارة الغاربة .
 *
 اجل ، الفشل ارث هذه المجرة ،
 لكي لا يقال ان الانسان لا يعرف شيئا عن الخلود ،
 و لكي لا ادعي ان الحياة قد تقاعدت في موسم البذار ،
 سأخرج بقرة هزيلة تملا الارض بالنداء ،
 و لا تدع للمكان فرصة للرحيل ،
 هكذا تنشطر الكلمة ،
 كنجمة تسبح في النهر .
 *
 العالم يصغر ،
 عظامه تلتهمها الروائح الكريهة .
 كلا الروح ابتسامة للجمال ،
 اما هذه الحضارة فما هي الا مدينة للموت .
 *
 العمر جداول قاسية ،
 تملأها العصافير بالأغنية ،
 تعلم الانسان الحب و الحياة ،
 انا لا انكر بهجة المدينة ،
 و لا انسى الوانها الزاهية على زجاج عدستي ،
 لكن ما تراه من الدموع ،
 يكفي لا يصمت الانسان قليلا .
 
 فصل
 زنبقة البحر حينما تبزغ اراها ،
 رغم اني انام على وسادة عمياء .
 كم قد حدثني القادمون عن الفضاءات البعيدة ،
 لكني دونما وجع نسيت حكاياتي و جلست في الزاوية كعارف كبير .
 *
 السنين ترتجف قد اكل قشرتها الأطفال .
 لم يبق للإنسان فسحة تسع ابتسامته ،
 هؤلاء الجاثمون قد جعلوا من الليل فاكهة غارقة في النسيم ،
 لكنها لا تزال معتمة .
 *
 عندما يتخلى التل عن امجاده العظيمة ،
 و عندما انسى اسئلة لطفولتي ،
 حينها يمكنك ان تتصور كم هي ضيقة فضاءات رغبتي .
 *
 القمح و الزهور رائدان عظيمان ،
 يصنعان من طرق الموت غابات تسحر  العيون .
 كيف السبيل ؟
 و ما هنالك سوى طيور قد تجمدت منذ شتاء بعيد .
 *
 هذا هو العالم الجديد ،
 يطل من  النافذة  دون مقدمات جيدة .
 تتبعثر حكاياته السمراء بين اغصان الكرم ،
 كأجنحة بلا وطن او حنين .
 عند الساقية هناك تنتظرني ابتسامة ريفية قلبها الداكن لا يعرف العشق .
 اجل لقد تغيرت الزهور ،
 و ماء النهر اصبح هزيلا لا يتسع لانتظارات الكادحين .
 *
 لمن تقطف الازهار و لمن تشعل الشموع ،
 الموج حطم كل فراشة تذوب في حنينها الى نسمات الغروب الساحرة .
 الطرق واهية تدور دونما رجوع .
 اصابعي و نداءاتي لا تكفي  لاجد نقاط بدايتي .
 *
 الصمت يتوسع في نسمات بشرتي .
 يهذي كنوارس بحيرة قص المساء اجنحتها .
 فلا سماء عالية و لا ساحل حبيب .
 سأتخلى عن فكرة الخلود و الحياة السعيدة .
 فهذا العالم لا يبق للبهجة ظلا حينما يتحدث عن رغباته الحبيبة .
 *
 بداياتي شاحبة .
 قد استنزف ثيابها الشتاء .
 اصابعي تبخرت ،
 اطاح بها الحطابون كأغصان تختبئ بين وريقاتها كل حضارة ،
 لا احدث بأسرارها العظيمة .
 *
 ان الطبيعة بارعة في اطلاق كل حكاية ممكنة ،
 وكل حمامة تهمس في اذني ،
 تخبرني عن ذلك الطوفان الذي سرق اعشاش الطيور ،
 فلم يبق سوى بشرتي الداكنة ،
 و عربة سحرية نحو الضياع .
 *
 رغم ان الضفادع  نقية ، ا
 لا انها تعشق المياه الاسنة .
 و رغم ان هتافاتها تلون وجنتي المساء ،
 الا انني لا اجد مسامعي تواقة لغنائها العظيم .
 *
 سأسقط في البئر ،
 فلوحاتها تخلو من الاسماك و اللؤلؤ  ،
 اجل اللآلئ رسالة كل موت ،
 و اغتصاب للحليج .
 فينام جائعا على رصيفه الذهبي .
 *
 تلك المستنقعات المتمددة كعذارى و سط الظهيرة فوق ظهري ،
 تلك الايدي ذات الاصابع الطويلة جدا ـ
 تقطفني كأوراق الخريف بكل ود .
 مرحى ايها الخليج السعيد ،
 فالغروب ممتلئ بكل رقصة ساحرة .
 *
 القدس تتثاءب ،
 تبرز من بين اضلاعها جماجم الطفولة المسروفة ،
 مرحى ابتسمي ايتها العواصم الجليدية، ايتها العصور .
 الليل يسير على ذراعين من اسفلت ،
 و انا تلك الحجارة القديمة في رحم الارض ،
 اتخم شجيراتها بكل سعال مرير .
 اسناني لوحة للجمال ،
 و شفتي المتساقطة في واحة الشوق حكاية شيخ مر يوما بقريتي .
 *
 اقتربي اقتربي ايتها الاهازيج ،
 ايتها الاشلاء التي اعرفها ،
 ها انا اتوقف كالموت .
 عواصمي يلتهمها الجراد ،
 و فمي يذيب كل قارب غريب .
 مرحى مرحى ابتسمي ايتها الحرية .
 *
 لقد انهت الظهيرة كل شجيرة ساكنة ،
 فوق اغصانها تغني الضفادع الهزيلة ,
 هكذا اخرج خريفيا  كالشقوق الخشنة فوق ايدي الفلاحين .
 *
 فصل
 ها انا احيى لأرى العالم الجيد ،
 ما عدت طفلا .
 في فضاءات الغروب كل كوكب ينزف بالسلاح .
 هناك – في العتمة – يعطي البرود احفاده دروسا في اشعال  الطبيعة .
 *
 كل الرياح شاحبة .
 الاسلحة تخنق ذاكرتي ،
 تقتحم المكان ،
 توزعني رسائل عشق ابدي للجياع .
 *
 الاقلام لا ترغب بكتابة شيء ،
 فالجمال هرب خارج المجرة ،
 يبحث عن عاشقين جدد .
 العالم يختبئ في قارورة قديمة ،
 حتى الاعياد ،
 ما عادت تطلق الهواء الجديد .
 *
 انا لا استغرب كل هذا الالم العريض،
 فقد تعلمت الاسباب الكافية .
 الرغبة تجعل من الجمال مركبة ،
 ليس لها الا ان تصطدم بجوانب الطريق فتحيى .
 هناك لا تجد للأشجار ظلا ،
 لقد كانت ريانة كما يجب .
 انت تعرف ،
 قلب الانسان مدينة من الجليد ،
 و ذاكرة توقد في اعماقه الرعد و السحاب .
 *
 هناك  تنكمش الشوارع ،
 تطفو في سماء الصخب كمرضى تدوسهم الاقدام .
 الاطفال يتكاثرون في الابار بحثا عن اسطورة قديمة .
 حينها كنت طفلا ،
 فالماضي اطلالة عريضة يعلمني التخفي ,
 اذناي ثقيلتان كالجبل ،
 لا تجد فيهما شيئا من الرحيق .
 *
 مواسم الخصب ما عادت تمتلك ثيابا تستقبل بها المطر ،
 لقد اوصد البرد ابواب افئدتها ،
 مفاصلها تهذي ،
 اي خلود تعرف عيون الانسان الوقحة .
 خير للتاريخ ان يسال الارصفة متاع  سيل قد رمى به البرد الى جانب عتيق .
 *
 العالم شمس جائعة  .
 كل ما يجيده اشعال الفتيل فيغرق البحر في الدموع .
 اجل ، ما زال السيل يحمل ذلك المعنى العظيم ،
 رغم انني اصبحت مقتنعا ان الخرافة تستطيع ان تسكن البيوت المريضة كمركبة حديثة .
 *
 كلا ، انت لا يمكنك ان تتصور غربة الارواح التي تتعثر في الطريق .
 البعد يأسر المكان ،
 و كما ترى ، ما لهذا الانسان الا الحكايات الشاحبة .
 انا لا استغرب كل ذلك البرود    في وجوه الاشياء .
 اعضائي تنشطر كحبات الرز ،
 تختبئ خلف ابتسامة الليل العريضة  ،
 تتمدد كالوهم في الحقول ،
 انها جذابة و فياضة ، انها مبهرة .
 *
 في ذلك الفضاء العريض ،
 الذي لا انسى ،
 لا يبقى للإنسان قارب يسع اطفالا يخرجون من الفرات ،
 جباههم السمر قد رسم النهر عليها كثبانا من الرمل الرفيع ،
 انني اتذكرها كما يجب .
 *
 ليس صعبا ان ينزل الانسان من السماء ،
 و ليس صعبا ان يقف كشجرة قديمة  تنتظر البهجة و الموت  .
 اصوات الليل تثخن شرايين الانسان ،
 فلا يسري الخجل الى دمه
 ها انا ارى الطائف تتكاثر في المكان ،
 تدمي جبين النور الرفيع ،
 فتغرق المجرة بالعارفين .
 فصل
 الغروب يعبث برؤوس الاطفال ،
 ينثرهم في الحقل فراشات حاملة ،
 فترتدي الاشجار قبعاتها الناعسة .
 توقفي توقفي ايتها الاقدام .
 ايتها التعاويذ الميتة ،
 فروح الانسان لا تحيى دون صبية يلعبون في الوحل .
 *
 لا زالت الاشياء تجرني بنظراتها ،
 خيمة  قاصية انا  و مناضل يفتخر بنفسه ،
 اجل انا الوحيد الذي يعرف معنى الحرب ،
 لأني اتحدث عنها بصدق .
 *
 العاصفة تغير وجه الماء ،
 و كذلك الحرب ،
 تصنع من  القلب الجبلي عشقا ابديا للعابرين ،
 فلا يبقى للوديان سوى صدور مهشمة و اصداء .
 *
 الحرب لون قاتم للفجر
 و غناء يسرق قداسة الدموع ،
 انها حكاية سمراء
 لا تودع اسرارها الا في كل ساحل مظلم   .
 اجل العيد و الحرب ، كلامهما يعزف لحن طيور مهاجرة ،
 قد نام بين اجنحتها صوت الشمس الدافئ.
 *
 للحرب رقصة جهنمية خبأتها في جبيني منذ عهود ،
 بين اطلالها سيقان  اطفال عارية ،
 و فوق مياهها كل زورق يبحث عن شراع .
 انت لم تكن حاضرا بداعة مشهدها  الاخير .
 *
 لقد عاد الجنود ،
 لقد عاد الجنود ،
 و عواصم اغنيتي تطن كبعوضة نحيفة ،
 تبتلع الضجيج و الاسئلة .
 لقد عاد الجنود ،
 مفاصلهم تئن كالثلج ،
 قبعاتهم تتيه في الطرقات ،
 كعذارى قبل جباههن الخريف .
 *
 ها انا اسمع الاساطير ،
 التي تنزل من هناك ،
 هكذا  سأعود  و شفتاي مدينة غفت على ارصفتها تلال غير ملامحها المساء ،
 تغوص في رمالها حكايات جنود سعيدة .
 *
 هكذا اخرج بين الادغال
 فجرا جديدا يهدي المجرة كل شيخوخة تعرفها السنين ،
 هكذا انزل الى النهر بقرة تعشق النذور ،
 تغرد في راسها الظلال الغاربة .
 نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
 |