[align=justify]
مما اشتهر أن الفاروق عمر بن الخطاب(ولي الخلافة سنة 13 هـ ، واستشهد سنة 23 هـ) لما أراد أن يهاجر من مكة إلى المدينة المنورة، تقلّد سيفه ومضى قِبَل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت، ثم أتى المقام فصلى، ثم وقف فقال: شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلاَّ هذه المعاطس، من أراد أن يُثكل أُمّه، أو يؤتم ولده، أو ترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي (تاريخ مدينة دمشق 51 / 44 - 52، أسد الغابة في معرفة الصحابة 4 / 58)، من حديث علي بن أبي طالب، بإسناد فيه ثلاثة مجاهيل.
فالخبر لا يصح لذلك، وشجاعة الفاروق لا تُجهل، لكن الكلام هنا على إسناد القصة، ومعارضتها لبعض حقائق التاريخ:
فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو أشجع الناس، هاجر مع أبي بكر الصديقمتخف عن أعين المشركين، من باب بذل الأسباب، ومن باب تمام التوكل على الله، فكيف لا يقتدي بهما سيدنا عمر، ولا مقياس بين شجاعته وبين شجاعتهما.
وفي حديث البراء بن عازبالأنصاري (ت: 72 هـ)، وإسناده صحيح، قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير (حامل لواء المسلمين في معركة أحد سنة 3 هـ ، وأحد الذين استشهدوا بها) وابن أم مكتوم (عبد الله بن أم مكتوم، ت: 15 هـ ابن خال السيدة خديجة) وكانوا يُقرئون الناس، فقدم بلال (بن رباح الحبشي، ت: 20 هـ) وعمار بن ياسر ( المذحجي، ت: 37 هـ) وسعد (بن أبي وقاص، ت: 55 هـ) ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ( فتح الباري 7 / 259 كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة ).
وفي حديث ابن إسحاق (محمد بن إسحاق المطلبي، ت: 151 هـ)، وإسناده صحيح، أن هجرة عمر - رضي الله عنه- كانت سرًا، قال: حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن أبيه عمر بن الخطاب، قال: اتّعدتُ لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعيّاش بن أبي ربيعة (المخزومي، ت: 15 هـ أحد المستضعفين بمكة الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهم)، وهشام بن العاص بن وائل السهمي (ت: 13 هـ ابن أخت أبي جهل، وأخو عمرو بن العاص) التّناضب من أضاة بني غِفار (الأضاة: الغدير، وأضاة بني غفار: تبعد عشرة أميال من مكة) فوق سَرِف، وقلنا: أيُّنا لم يُصبح عندها فقد حُبس، فليمض صاحباه. قال: فأصبحتُ أنا وعيّاش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحُبس عنا هشام، وفُتن فافتتن (الإصابة 3 / 572، الروض الأنف 4 / 170 )، وذلك أن قوم هشام حبسوه عن الهجرة، فبقي حتى غزوة الخندق.
أي أن عمر قدم في عشرين من الصحابة، التقى بعضهم ببعض في الطريق دون ترتيب مسبق.
وكانت هجرته سرية. وهذا هو منطق الأشياء دون افتعال.
[/align][align=justify][/align][align=justify][/align]