رويت قصص وأخبار حول صفة حمل آمنة بنت وهب برسول الله صلى الله عليه وسلم، أنها لم تر أخف ولا أيسر منه، وأنها كانت تلبس التعاويذ من حديد فيتقطع، وأنها رأت في منامها بشارة بجليل مقامه، وأمرت بتسميته محمداً، ورأت عند استيقاظها صحيفة من ذهب فيها أشعار لتدعو له بها. وأغلبها دون أسانيد، أو رواياتها منقطعة لا صحة لها، فلا يثبت شيء من هذه الحكايات (انظر: الطبقات الكبرى 1 / 94، ثقات ابن حبان 1 / 38، المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 1 / 120، الخصائص الكبرى 1 / 132، السيرة الحلبية 1 / 78 ).
كما وردت روايات موضوعة حول هواتف الجان في ليلة مولده وتبشيرها به، وانتكاس بعض الأصنام في المعابد الوثنية بمكة (هواتف الجان للخرائطي 61)، وفي إسنادها: عبد الله بن محمد البلوي، وعمارة بن يزيد، وهما وضاعان.
وقيل: ارتجس يوم مولده صلى الله عليه وسلم إيوان كسرى وسقطت شرفاته، وخمدت نيران المجوس، وغيضت مياه بحيرة ساوة، ورأى الموبذان الخيل العربية تقطع دجلة وتنتشر في بلاد فارس (دلائل النبوة 1 / 138، السيرة النبوية لابن كثير 1 / 215 ). وارتجس البناء: ارتج ورجف، يقال منه: ارتجست السماء: رعدت بشدة، ويقال: ارتجس الأمر: اختلط والتبس واضطرب. والإيوان: مجلس كبير على هيئة صُفة واسعة، لها سقف محمول من الأمام على عقد، يجلس فيه كبار القوم. وإيوان كِسرى يُضرب به المثل للبنيان الرّفيع العجيب الصنيعة، المتناهي الحصانة والوثاقة؛ بناه كسرى الأول أنو شروان بن قباذ (ت: 579 م) في عشرين سنة ونيف بمدينة المدائن جنوبي بغداد. وبحيرة ساوة: جنوب بغداد، تتبع محافظة المثنى. والموبذان: فقيه الفرْس وحاكمُ المَجُوسِ وهو كقاضي القضاة للمسلمين. قال الذهبي (محمد بن احمد، ت: 748 هـ): هذا حديث منكر غريب (تاريخ الإسلام / السيرة النبوية 44 ).
كما روي أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهد يناغي القمر (دلائل النبوة للبيهقي 2 / 41، السيرة الحلبية 1 / 115)، قال البيهقي (أحمد بن الحسين، ت: 458 هـ): تفرد به أحمد بن إبراهيم الحلبي، وهو مجهول، وأحاديثه باطلة موضوعة كلها، ليست لها أصول، ويدل حديثه على أنه كذاب.
** ** **
فروايات أخبار حديث إرهاصات مولد الرسول صلى الله عليه وسلم هي أشبه بخرافات الأساطير؛ تخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه فعل ما فعل بجهد بشري مؤيداً بتأييد إلهي، فكان قدوة يسطاع الاقتداء به؛ وما كان بمجموع أعماله رجلاً خارقاً لا يستطاع تقليده أو الاهتداء به، لذلك لا يصح أن يكون نسخة مقلدة من غلو الأمم الأخرى في مبالغاتهم وغلوهم تجاه أنبيائهم.