[د. منذر أبوشعر]

[align=justify]شاع أن الصحابي وحشي بن حرب كان قبل إسلامه غلاماً لهند بنت عتبة (ت: 14 هـ)، فيقال: وحشي غلام هند بنت عتبة؛ وأنها هي من حرَّضته على قتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء.
وليس الأمر كذلك، فوحشي بن حرب كان غلاماً لجبير بن مُطعم القرشي (ت: 2 هـ ، قبل معركة بدر بنحو سبعة أشهر)، وهو من حرَّضه على قتل حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم.
ففي حديث التابعي الثقة جعفر بن عمرو الضمري (ت: 95 هـ ) قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار القرشي(ت: 84 هـ)[1]،فلما قدمنا حمص (وكانا خرجا لجهاد الروم زمن معاوية) قال لي عبيد الله: هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة (كيف قتله) ؟ قلت: نعم. وكان وحشي يسكن حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره، كأنه حميت[2]. قال: فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير، فسلمنا فردَّ السلام، قال: وعبيد الله معتجر بعمامته[3]، ما يرى وحشي إلاَّ عينيه ورجليه. فقال عبيد الله: يا وحشي أتعرفني؟ قال: فنظر إليه ثم قال: لا والله، إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها: أم قتال) بكسر القاف بعدها تاء خفيفة) بنت أبي العيص، فولدت له غلاماً بمكة، فكنت أسترضع له[4]، فحملتُ ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه، فلكأني نظرتُ إلى قدميك[5].قال: فكشف عبيد الله عن وجهه، ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة ؟ قال: نعم، إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جُبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر. قال: فلما أن خرج الناس عام عينين[6]خرجت مع الناس إلى القتال، (وفي رواية الطيالسي: فانطلقت يوم أحد معي حربتي، وأنا رجل من الحبشة ألعب لعبهم، ما أريد أن أقتل ولا أقاتل إلاَّ حمزة. وعند ابن إسحاق: وكان وحشي يقذف بالحربة قذف الحبشة قلما يخطئ(فلمَّا أن اصطفوا للقتال، خرج سباع (بكسر المهملة بعدها موحدة خفيفة) بن عبد العزى الغبشاني (بضم الغين فسكون) فقال: هل من مبارز؟
قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فقال: يا سباع، يا ابن أم أنمار مقطعة البظور[7]،أتحادّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم [8]؟قال: ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب[9]، قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي، فأضعها في ثُنَّته[10] حتى خرجت من بين وركيه، قال: فكان ذاك العهد به، فلما رجع الناس رجعت معهم) أي رجعوا إلى مكة، وعند ابن إسحاق: فلما قدمت مكة عتقت، وإنما قتلته لأعتق)، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف (عند ابن إسحاق: فهربت إلى الطائف)، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاًً، فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل(أي لا ينالهم منه إزعاج، وفي رواية الطيالسي: فأردت الهرب إلى الشام، فقال لي
رجل: ويحك، والله ما يأتي محمداً أحد بشهادة الحق إلاَّ خلى عنه)، قال:فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآني قال: أنت وحشي؟ قلت: نعم، قال: أنت قتلت حمزة؟ قلت: قد كان من الأمر ما بلغك، قال:فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني ؟ قال: فخرجت، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة الكذاب، قلت: لأخرجن إلى مسيلمة، لعلي أقتله فأكافئ به حمزة (أي أساويه به، وفسره بعد بقوله: فقتلتُ خيرَ الناس وشرَّ الناس)، قال: فخرجت مع الناس، فكان من أمره ما كان (أي ما كان من محاربته، وقتله في معركة اليمامة سنة 11 هـ)، قال: فإذا رجل قائم في ثلمة جدار، كأنه جمل أورق[11] ثائر الرأس[12]. ، قال: فرميته بحربتي،
فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته، فقالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين، قتله العبد الأسود(صحيح البخاري (3844 ) و (4072)، مسند أحمد بن حنبل (16077)، السنن الكبرى للبيهقي 9/97، ودلائل النبوة له 3 / 241 ).
وفي مسند أبي داود الطيالسي (سليمان بن الأشعث، ت: 275 هـ) 1398 زيادة في الخبر، من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن سليمان بنيسار،عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، قال: أقبلنا من الروم، فلما قربنا من حمص قلنا: لو مررنا بوحشي فسألناه عن قتل حمزة، فلقينا رجلاً، فذكرنا ذلك له ، فقال: هو رجل قد غلبت عليه الخمر،فإنْ أدركتماه وهو صاح لم تسألاه عن شيء إلاَّ أخبركما، وإنْ أدركتماه شارباً فلا تسألاه (مسندالطيالسي 1398).

ورجال الإسناد ثقات، لكن فيه شذوذ، وإسناد البخاري هو المحفوظ ولا ذكر في متنه للخمر، فضعفت من أجل ذلك رواية الطيالسيبعلة شذوذ إسناده (انظر: فتح الباري 7 / 116).

وفي تهذيب الكمال للحافظ المزي (يوسف بن عبد الرحمن، ت: 742 هـ محدث الديار الشامية) / ترجمة وحشي، من طريقأبي بكر بن أبي مريم ( ت: 156 هـ، وهو عابد، ضعيف الحديث، لا يبلغ حديثه رتبة الحسن)، عن راشد بن سعد المقرائي (ت: 113 هـ، من تابعي التابعين، ثقة، لكنه كثير الإرسال)، قال: أول من لبس الثياب المدلوكة (المضمخة بالطيب، يعني المعصبغة بالزعفران)، وجُلد في الخمر بحمص: وحشي.

والخبر ضعيف لإرساله، وضعف أبي بكر بن مريم.

وقال يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي - بفتح السين المهملة وكسر الباء- (ت: 159 هـ ، عداده في صغار التابعين الثقات)، عن أبيه (عمرو بن عبد الله، ت: 127 هـ، من كبار ثقات التابعين): إن عمر بن الخطاب قال: ما زالتْ لوحشي في نفسي حتى أخذ بشرب الخمر بالشام، فجُلد الحد، فحَططتُ عطاءه إلى ثلاث مئة.

وكان فرض له عمر في ألفين (سيرة ابن هشام 2 / 28 وإسناده مرسل، والمرسل من أقسام الضعيف فلا يحتج به ).
وقال الواقدي (محمد بن عمر، ت: 207 هـ): لما فتحت حمص نزلها، ووقع في الخمر يشربها. ولبس المعصفر المصقول، فكان أول من ضُرب في الخمر بالشام، وأول من لبس المُعَصفرات، ومات بحمص في بركة خمر (تاريخ مدينة دمشق 62 / 402 )، والواقدي: مجمع على ضعفه، لأنه يأخذ عن كل أحد.

وروى موسى بن عقبة (الأسدي، ت: 141 هـ)، عن ابن شهاب (محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ت: 124 هـ) قال: مات وحشي بن حرب في الخمر فيما زعموا (الاستيعاب في تمييز الأصحاب 2 /70 )، وابن شهاب كل مروياته عن التابعين، ومراسيله شبه الريح، وهو يضعف الأثر بقوله: فيما زعموا.
ووحشي شهد اليرموك سنة 13 هـ، ثم سكن حمص ومات فيها، ويقع قبره في جامع السرو الذي يسمى أيضاً جامع وحشي وثوبان في حي باب الدريب، أحد أعرق إحياء حمص القديمة.

الهوامش:

[1]-عبيد الله بن عدي بن الخيار القرشي: قاضي المدينة، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكره فيالصحابة سوى ابن سعد.


[2] - الحميت على وزن رغيف: الزِّق يجعل فيه السمن أو الزيت، وأكثر ما يقال ذلك إذا كان مملوءاً. شبهه به لشدة سواده.


[3]- الاعتجار بالعمامة: هو أن يلفها على رأسه ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئاً تحت ذقنه،أي كان لافاًّ عمامته على رأسه من غير تحنيك.


[4] - أسترضع له:أطلب له من يُرْضعه.


[5]- يعني أنه شبَّه قدميه بقدم الغلام الذي حمله فكان هو هو، وبين الرؤيتين قريب من خمسين سنة، فدل ذلك على ذكاء وحشي، ومعرفته التامة بالقيافة؛ والقيافة: إثبات النسب بطريق الشبه، وهو عمل بالظن الغالب وليس باليقين، ويتوصل إليه بالاجتهاد.


[6] - عينين: جبل بحيال أحد بينه وبينه واد. وقوله بحيال أحد: أي من ناحية أحد، يقال: فلان حيال كذا بالمهملة المكسورة، أي مقابله. والسبب في نسبة وحشي العام إليه دون أحد، أن قريشاً كانوا نزلوا عنده. قال ابن إسحاق، في حديثه عن معركة أحد سنة 3 هـ: نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة.


[7] -أنمار- بفتح الهمزة وسكون النون- هي أمه، كانت مولاة لشريق بن عمرو الثقفي والد الأخنس. ومقطعة البظور: جمع بظر وهي اللحمة التي تقطع من فرج المرأة عند الختان، قال ابن إسحاق: كانت أمه خاتنة بمكة تختن النساء. وقوله خطأ، فالعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم، لا يريدون حقيقته. وهي أم سباع وعبد العزى الخزاعي، وكانت أمة، وهي والدة خباب بن الأرت الصحابي المشهور.


[8]- قوله: أتحادّ:أي أتعاند، يقال: حادَّه، إذا غاضَبه وعصاه، وعاداه وخالفه، كأنه صار في حدٍّ وغريمه في حدًّ.


[9] - كأمس الذاهب: كناية عن قتله، أي صيره عدماً.


[10]- الثنةبضم الثاء وتشديد النون هي: العانة، وقيل: هي ما بين السرة والعانة.

[11] -الجمل الأورق: الرمادي اللون، وكان لون مسيلمة كذلك من غبار الحرب.

[12] -ثائر الرأس: أي شعره منتفش.[/align][align=justify][/align]

[نصيرة تختوخ]

إطلعت على ماأوردت من معلومات هنا د.منذر.
تقديري لجهدك دام نشاطك و دمت بكل خير.

[د. منذر أبوشعر]

[align=justify]فارسة الكلمة الآنسة الودودة أختي نصيرة تختوخ:
قدومك خير وبركة حضور، فمعك يقوى عزم المتابعة، فتوقظين نوام همم إشراقات غد. والشكر كله لك، وغداً دائماً أفضل إن شاء الله.
[/align][align=justify][/align]