مديرة وصاحبة مدرسة أطفال / أمينة سر الموسوعة الفلسطينية (رئيسة مجلس الحكماء ) رئيسة القسم الفلسطيني
|
التلمود
التلمود :
التلمود كلمة عبرانية تعني التعليم مشتقة من "التلمذة" . ويعتبر التلمود"السنَة" في الشريعة اليهودية , أو التوراة الشفهية التي نطق أو عمل بها كبار الأحبار . ويتضمن التلمود مجموعة من القوانين والأحكام والوصايا السياسية والحقوقية والمدنية والدينية عند اليهود, مع شروحها التي كان يتم تداولها بين رجال الدين وأتباعهم في بادئ الأمر مشافهة . وبعد أن تضخمت واتسع نطاقها بتزايد شروحها والإضافات عليها وأصبح من المتعذر الاعتماد على المشافهة قامت مجموعة من الأحبار اليهود بتدوينها فظهر التلمود .
ويعتقد معظم المؤرخين أن انهيار الكيان السياسي للطائفة اليهودية على يدي القائد الروماني تيتوس عام 70م, قد أقنع اليهود بصواب فكرة الابتعاد عن ممارسة السياسة التي لاتجلب إلا الويلات , ومحاولة التركيز على إنشاء رابطة فكرية أو دينية قوامها خواطر رجال الدين حول أمور الحياة المختلفة . وقد قام عدد من أحبار اليهود بكتابة هذه الخواطر لتصبح دستورا ينظم لليهود حياتهم بعيدا عن أي تأثير خارجي . وقد أنكرت فئة من اليهود , وهو القراؤون, التلمود بعد كتابته , في حين آمن معظم اليهود بما جاء فيه وادَعوا أن ماكتب في التلمود كان يوحى به , وهؤلاء هم الربانيَون .
والتلمود اثنان : التلمود المقدسي , أو الأورشليمي , نسبة إلى بيت المقدس , والتلمود البابلي نسبة إلى بابل . وقد وضع التلمود المقدسي حاخامون من بيت المقدس عرفوا باسم "أمورا يم" , أو المفسرين , في حين وضع التلمود البابلي كبير أحبار مدينة سوره قرب بغداد المدعو راشي أو رب أشي , وأتمه أحبار آخرون في أواخر القرن الخامس الميلادي . ويتضمن ستة وثلاثين مبحثا كتبت بالآرامية مع بعض الشروح بالعبرية وشغلت قرابة 2,947 صفحة . ويتميز بالرغم من قلة عدد مباحثه بالمقارنة مع التلمود المقدسي , إذ يبلغ أربعة أضعافه , وبأنه التلمود الأكثر انتشارا بين اليهود.
ويتكون التلمود من ستة أقسام تحتوي على ثلاثة وستين مبحثا , وتقع في خمسمائة وأربعة وعشرين فصلا. وأسلوب الكتابة – رغم عبريته وصبغته الكنعانية – متأثر إلى حد كبير بأسلوب اللغة الآرامية في الكتابة , ويحتوي على الكثير من المفردات الآرامية واللاتينية والفارسية والإغريقية , وقد قسم التلمود إلى قسمين :
1) المشنا: وهي مجموعة قوانين اليهود السياسية والدينية والحقوقية . وتقسم المشنا بدورها إلى ستة أقسام هي : البذور ويتضمن قوانين الزراعة مسبوقة بقواعد عبادة الله. والفصول ويبحث في الأعياد اليهودية. والنساء وقد ذكرت فيه قوانين الزواج والطلاق والنذور والوصايا . والعقوبات وتشمل على عموميات التشريعات المدنية والجزائية والإدارية الحكومية . والأمور المقدسة وهو بحث في القرابين والتضحيات وهيكل بيت المقدس . والطهارة وهو بحث في الطهارة والنجاسة . وتتصف البحوث جميعها باستعراضها المبادئ العامة لكل قسم دون مناقشتها .
2) الجمارا : وهو مجموعة شروح وحواش تبسط قواعد المشنا وترسم تطبيقها على حالات واقعية أو افتراضية لم يعالجها رجال الدين من قبل , وتعرضها مصحوبة بأمثلة أو حكايات .
ومن الجلي أنه كان للتلمود الأثر الأكبر في بروز ظاهرة التعصب القومي لدى معظم اليهود الذين يفضلون قراءته والإيمان به على التوراة . فهو يقسم الناس إلى يهود وغير يهود. في حين يحرم التلمود إيذاء اليهودي , يعتبر سرقة أموال غير اليهود واغتصاب أملاكهم وأعراضهم وحيواناتهم حقا لليهودي وتقربا من الله .
ويشمل التلمود القديم طعنا في المسيحية والمسيح . ومما يذكره عن السيد المسيح أنه كان يهوديا مرتدا كافرا , وتعاليمه كفر صريح , والمسيحيون كفره مثله , وأن أمه حملت به سفاحا من جندي يدعى بندارا . وقد تنبه أحبار اليهود الذين اجتمعوا عام 1631م في بولونيا لخطورة هذا الموقف وقاموا بحذف الكلمات والعبارات التي تنال من السيد المسيح والمسيحية وتركوا مكانها فراغا واتفقوا على تلقينها مشافهة تلاميذ المدارس الدينية فقط. وقد بلغ من شدة تعلق غلاة اليهود بالتلمود أن جعلوا دراسة التوراة فضيلة لايستحق اليهود عليها أية مكافأة , أما من درس المشنا فإنه يستحق أن يكافأ , في حين يحقق أعظم الفصائل من درس الجمارا .
تثبت النظرة العامة إلى التلمود تضمنه عددا هائلا من المغالطات , ودعوته إلى الترفع القومي , والتركيز على كون اليهود "شعب الله المختار" المساوي لرب العالمين الذي منح اليهود لدنيا وماعليها . ويزعم التلمود أن الله لاعمل له في الليل إلا قراءة التلمود مع الملائكة , والإعلان عن ندمه ولومه لذاته عندما تغاضى عن هدم هيكل بيت المقدس . وفي الحديث عم الأرواح يزعم التلمود أن روح اليهودي جزء من روح الله , وأن روح اليهودي الميت تشغل جسما آخر , وان اليهودي الذي يقتل يهوديا خطأ أو عن عمد تدخل روحه في حيوان آو نبات ثم تذهب إلى الجحيم وتعود لتدخل جسم حيوان آخر , وبعدها أحد الوثنيين , وبعد أن تتطهر بمرورها بكل تلك المراحل تعود إلى جسد أحد اليهود. والجنة في نظر التلمود مقصورة دخولها على اليهود , والنار مأوى لكل من عداهم من المسلمين الذين لايغسلون إلا أيديهم وأرجلهم , ومن المسيحيين الذين لايختنون . والخلاصة أن التلمود يمثل تراثا يهوديا قوميا ودينيا .
وثمة عوامل جعلت اليهود يتمسكون بالتلمود , منها الهجوم الذي تعرض له, على مر العصور, من قبل الطوائف غير اليهودية , ومنها الأوامر التي أصدرها الباباوات سنوات 1320 و 1415 م و1553م بإحراق التلمود حتى قال احد زعماء اليهود :" منذ أن ظهر التلمود إلى حيز الوجود – وحتى قبل أن يوجد في شكل ملموس – جرت معاملته وكأنه أشبه مايكون بالكائن البشري. فقد حرَم , وسجن, وأحرق مئات المرات . وتنافس الملوك والأباطرة والباباوات وأضدادهم في إلقاء الحرم عليه , واستصدار الإرادات والبيانات لمصادرة هذا الكتاب العاثر الحظ بالجملة وإطعامه ألسنة النيران ". وقد بذل اليهود جهودا جبارة في صيانة التلمود لأنه بجدليته الدقيقة , يرضي حاجاتهم ونزعاتهم الفكرية والعاطفية والخيالية , ولأنه يمثل عنصر وحدة ممتازا بين اليهود المنتشرين في أنحاء العالم . وقد أضحت التعاليم التلمودية المعيار السائد والمقبول في كل مايتعلق بحياة اليهود المادية والفكرية . جاء في الموسوعة اليهودية عن مكانة التلمود:" إبان انحطاط الحياة الفكرية لدى اليهود , وهو الانحطاط الذي بدأ في القرن السادس عشر , نظرت أكثريتهم الساحقة إلى التلمود على أنه السلطة العليا . حتى إن التوراة أنزلت إلى مرتبة ثانوية . والمعاهد اليهودية نذرت نفسها لدراسة التلمود دون منازع , لدرجة أصبح "الدرس" معها مرادفا لدراسة التلمود .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|