تقرير الأمير شكيب أرسلان إلى وزارة الداخلية العثمانية حول الوضع في بلاد الحجاز
أمير البيان شكيب ارسلان ، إلى جانب عذوبة لغته العربية كان ضليعا وطليقا باللغة العثمانية ، لكن هناك جانب آخر لا يعرفه الكثيرون من قراء العربية ألا وهو الجانب السياسي، فقد كان رحمه الله عضوا في الاتحاد والترقي وكان في حماية نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة العثمانية ووزير الدفاع أنور باشا، لكنه كان من خصوم جمال باشا( السفاح) مع انهما من نفس الحزب( الاتحاد والترقي). وشكيب أرسلان كان يرسل تقارير دورية إلى وزارة الداخلية العثمانية فهو أيضا عضو نشط في المخابرات العثمانية التي كانت تضم الكثيرين من الأتراك والعرب على حد سواء. ومن بين هؤلاء عزيز المصري ونوري السعيد ويوسف العظمة وغيره، وقد أصدر العديد من الكتب باللغة العربية عن الأحداث التي جرت في الفترة الأخيرة من الحكم العثماني وترجمت هذه الكتب إلى اللغة التركية. وأقدم هذه المرة تقريرا كتبه الأمير شكيب أرسلان عن الوضع في الحجاز. كمال خوجه
DH.KMS. 63/53
Tarih: 02/R /1332 (Hicrî)
( 28 فبراير 1914)
رسالة الأمير شكيب أرسلان حول الدعم المادي والمعنوي من مسلمي العالم للدولة العثمانية وحول بعض المسائل المتعلقة بمناطق مصر والحجاز[96]
إلى مديرية القلم المخصوص بنظارة الداخلية الجليلة
له الحمد والمنة وصلنا إلى المدينة وتوجهنا إلى حضرة رسول الله ودعونا لجناب صاحب الخلافة بالخير وتلونا الفاتحة بالنصر للجيش وللأمة الإسلامية الناجية وقدمنا واجب الشكر. وبهذه المناسبة الخيرية أرى من واجبي أن أعرض لمعالي طلعت بك ناظر الداخلية بعض المسائل المهمة على النحو التالي:
أولا: هناك الكثير ممن يرغبون إنشاء الأبنية في جهات تبوك والعلا في ممر الخطوط الحديدية الحجازية لكن الحكومة المحلية تمنع ذلك. وأرى أنه من اللازم السماح للأهالي بالإنشاء شرط أن يكونوا حائزين على تبعية الدولة العلية.
ثانيا: الحجاج المسلمون الذين عادوا خلال اليومين الماضيين من مكة المكرمة إلى البلدة الطاهرة يشكون من الإهانات والاعتداءات التي تعرضوا لها من قبل العربان بين الحرمين والحكومة المحلية التي تبذل المساعي وتتخذ التدابير الجدية وخاصة الباشا المحافظ والقائد الذي يملأ قلبه الشعور الوطني لا تترتب عليه أية مسئولية. وهذه الحالة مبعثها فقط تسلط العربان بين الحرمين ومنع ذلك يكون بإنشاء فرع للخط الحجازي من محطة العلا إلى الوجه أو من قضاء معان إلى قضاء العقبة وتخصيص أربعة أو خمسة من السفن البحرية بين العقبة وجدة وتأمين الحجاج المسلمين على أنفسهم وأموالهم وسيطلب الكثير من الحجاج ذلك بالإضافة إلى أنه في حالة القضاء على هذه الاعتداءات التي هي عار على العالم الإسلامي يرتفع عدد الحجاج المسلمين من العدد الحالي وهو مائة وعشرون ألفا إلى خمسمائة ألف.
ثالثا: منعت الحكومة شراء الغرباء والمهاجرين أراض في البلدة الطيبة ولما تقدموا بالشكاوى أجيبوا بأن حكومتنا منعت ذلك كيلا تتعرض للمشاكل بسبب الذين يحملون الجنسية الأجنبية. لكن التونسيون من بين هؤلاء ليسوا من الجنسية الأجنبية وبحوزة بعض المجاورين والمهاجرين القدماء تذاكر عثمانية ولكن لم يسمح لهم بذلك ولما كانت البلدة الطاهرة تعمر وترقى بالمجاورين فالمرجو إعادة النظر في الأمر والسرعة بإجراء اللازم كي تتطور وترقى مرات ومرات.
رابعا: هناك أخبار موثقة بوجود معادن مهمة في جبلي حلليت وسوارقبة ، ونقترح إرسال لجنة فنية لاكتشافها والاستفادة منها.
خامسا: الرواتب المخصصة من نظارة المالية لأهالي البلدة الطاهرة لم تصرف منذ ثمانية شهور وعوائلهم في حالة عوز شديد، فالرجاء سرعة تنفيذ استعطافهم بصرف رواتب عدد من الشهور.
سادسا: لدى وصولنا إلى المدينة المنورة بالقطار استقبلنا في محطة القطار من قبل الموظفين المدنيين والعسكريين وآلاف الأهالي بحفاوة بالغة وألقيت كلمات باللغتين العربية والتركية أظهر فيها الخطباء فضائل ولاء المسلمين لمقام الخلافة العظمى. وتم وضع حجر الأساس لدار الفنون باسم حضرة السلطان شهده الأمراء المدنيون والعسكريون وآلاف الأهالي والمجاورين والزوار الكرام من بخارى والهند وقازان والأفغان وأفريقيا وغيرها وتشكلت لجنة إعانة من الأهالي والمجاورين برغبة وموافقة العموم كانت المبادرة إلى الأسباب الخيرية لاستكمال الآثار الخيرية وعلى اثر إبلاغ نظارة الأوقاف بتبرع الأهالي إلى مدرسة الكلية الإسلامية بمحل تقرر تخصيص أراض بقيمة ستة آلاف ليرة في ميدان السباق وبناء الكلية على عشرة آلاف متر مربع أرض قرب حديقة الداودية وتخصيص أراض لدار الخير من الأوقاف المربوطة بالحرم الشريف بجهة بئر عثمان على بعد نصف ساعة من المدينة المنورة ستكون قسما للزراعة والهندسة والصناعة.
سابعا: هيئت الأسباب لأن تقوم اللجنة الخاصة المشكلة بدائرة بلدية البلدة الطاهرة بجمع مقدار من الإعانات للأسطول الهمايوني بالإضافة إلى ما يجمع من الحجاج والزوار بمقدار مجيدي واحد لإعمار وإصلاح البلدة الطاهرة وإصلاح مياه عين الزرقا وإسالتها إلى المساكن خارج باب المجيدي وحتى سيدنا حمزة. وتجري عملية إسالة المياه بكل أهمية .
ثامنا: يرى كثير من مشايخ العربان بأنه في حالة ترك الأراضي المتبقية لهم بعد تخصيص الأراضي اللازمة للخط الحديدي بصورة رسمية فإنهم سيعملون بجملتهم في خدمة تمديد الخطوط الحديدية بين الحرمين وبناء على ذلك فإنه في حالة إعطاء الإذن لمحافظ المدينة المنورة وقائدها بذلك سيمكن الاتصال بالمشايخ الذين هم على مسافة أيام من المدينة وأقرب إلى مكة المكرمة وسيكون من الطبيعي إيصال الخط تدريجيا إلى مكة المكرمة وقيام العربان بأنفسهم بالخدمة وسيوضع حد لدخول آلاف الجمال إلى البلدة الطاهرة وتسببها في مشاكل النظافة والتنظيم، ويحصل المطلوب. والأمر لحضرة من له الأمر.
21 تشرين الثاني سنة 1329 ( 4 ديسمبر 1913)
شكيب أرسلان
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|