وهمٌ حقيقيّ
وهمٌ حقيقيّ
استيقظ عند منتصف الليل وحيدًا في الفراش. تحسّس المكان إلى جانبه فوجده باردًا، هل نام أحدٌ إلى جانبه بعض الوقت ثمّ غادر سرًا أو على عجل، هل بقي الطرف الآخر من السرير خاويًا طِوال الوقت؟ الكرسيّ الهزّاز يحدّق به بوقاحة، مؤكّدًا له تعرّضه لخديعة ماكرة! انتفض ليتأكّد بأنّها لم تمسّ جسده، لم تقبّله لم تحنُ على وحدته كعادتها. ربّما خلد للنوم دون أن يعير مشاكله العابرة أدنى اهتمام. نظر إلى الكرسيّ الهزّاز ثانية، وجده يقهقه ساخرًا من سذاجته ولسان حاله الخشبيّ يصرخ "كم أنت أحمق!". كان بإمكانك دعوتها منذ سنوات لتصبح سيّدة عالمك يا رجل.
لم يدرِ ما يفعل بكلّ الوقت الفاغر فمه في فضاء الليل، ذهب إلى المطبخ، وضع دلّة القهوة فوق نارٍ هادئة، سمع على الفور صوت فحيحها ينهش المعدن، يتسلّل لقطرات المياه الباردة، يحرق قلبها حتّى الغليان. لماذا القهوة في الأوقات الخارجة عن القانون؟ القهوة ترفع ضغط الدم الذي بات مرتفعًا مؤخّرًا رغم الأقراص التي يتناولها. أتاح الفرصة لشاشة التلفاز أن تخاطبه، مقدّم البرنامج رفض محادثته، بقي يحدّق به شامتًا، رفع صوت التلفاز أكثر وأكثر، ولم يحصل سوى على المزيد من الصمت المطلق. ارتفع عمود البخار من دلّة القهوة، فاحت رائحتُها في المكان رغم أنّه لم يضع القهوة بعد في الماء، كيف قرّرت الدلّة وحدها مستقلّة إعداد القهوة؟ يبدو في حالة من التعجّب الدائم، لا يطرح أسئلة بل يعرّض ذاته طِوال الوقت للدهشة، كلّ ما حوله دهشة، أكثر ما يستدعي ذلك حضورها المغيّب في فضاء المنزل. تحسّس صدره ورأسه، وجد أعضاءه وأطرافه في أماكنها المعتادة. اقترب قليلا من التلفاز، حدّق مقدّم البرنامج الصباحيّ في وجهه غاضبًا وأشار عليه بطرف إصبعه أن يبتعد عن عالمه الافتراضي، ثمّ هزّ رأسه غاضبًا وشتمه. أدار الإعلاميّ ظهره بحنق وطرق بساط الأستوديو الأخضر بأطراف أصابع قدميه.
ابتعد عن التلفاز وذهب ليصبّ القهوة، فوجدها جاهزة تنتظره وعلى طرف الفنجان قطعة من البسكويت.
- لماذا لا تُعِرْني انتباهك طوال الوقت؟ ألا تراني أدور حولك كفراشة؟!
"أنتِ هنا طوال الوقت، كيف لم ألحظ وجودك يا سيّدتي؟" كانت قد أعدّت له القهوة خالية من الكوفايين رحمة بصحّته المتدهورة، وحكمت على ثرثرة التلفاز بالسكينة حفاظًا على راحته وصمته المقدّس.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|